الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوصايا
الحديث الأوّل:
[291]
: عن عبد اللَّه بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا حَقُّ امرئ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِيَ [فيه] (1) يَبِيتُ لَيْلتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ"(2).
زَادَ مُسْلِمٌ: قَالَ ابنُ عُمَرَ: مَا مَرَّت عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ، إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي (3).
قوله: "أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": فُتحت "أنَّ" لأنها معمولة لحرف الجر. وجملة: "قال" في محلّ خبر "أن".
و"ما حق امرئ مُسلم": قيل معناه: "ما الأحزم له والأحوَط إلا هذا".
وقيل: "ما المعروف في الأخلاق الحسنة إلا هذا"، لا من جهة الفرض.
وقيل: معناه أنّ اللَّه حكم على عباده [وجوب](4) الوصية مُطلقًا، ثم نسَخ الوصية للوارث، فبقي حَقّ الرجُل في ماله أن يُوصي لغير الوارث، وهو ما قدّره الشّارع بالثُّلث (5).
قلت: أظهرها الأوّل؛ فيكون المعنى: "ما الأحقّ له" بمعنى "ما الأحزم له والأحوط"، فيكون بمعنى:"ما أحق على نفسك".
(1) بالنسخ: "به"، والثابت في رواية الصحيحين:"فيه"، رواه البخاري برقم (2738)، ومسلم برقم (1627). ورواه بلفظ "به" ابن ماجه في سننه برقم (2702)، وهو صحيح.
(2)
رواه البخاري (2738) في الوصايا، ومسلم (1627) في الوصية.
(3)
رواه مسلم (1627)(4) في الوصية.
(4)
كذا بالأصل. وفي المصدر: "بوجوب".
(5)
انظر: فيض القدير للمناوي (5/ 441)، والنهاية فى غريب الأثر (1/ 414).
و"ما الأحسن لك إلا كذا" و"ما جيد إلا كذا"، بمعنى:"ما الأحسن" و"ما الأجود"، كما جاء "أفعل" بمعنى "فعيل"، كما جاء في قوله تعالى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] بمعنى: "هيِّن عليه"(1).
قوله: "ما حق امرئ مسلم": "ما" نافية، و"حقُّ" مبتدأ، و"امرئ" مُضاف إليه، وهو مسوّغ للابتداء مع النفي.
و"امرئ" تقدّم في الثّالث من "الزكاة".
قوله: "له شيء": جملة من مبتدأ وخبر، المبتدأ:"شيءٌ"، والخبر في المجرور، والجملة في محلّ صفة أيضًا. وجملة "يُوصي فيه" في محلّ صفة لـ "شيء".
وجملة "يبيت ليلتين" في محلّ خبر المبتدأ. و"ليلتين" ظرف زمان، العاملُ فيه:"يبيت". (2)
و"بات" ليست من أخَوات "كان" التي تنصب الاسم وترفع الخبر. (3)
ويحتمل وجْهًا آخر، وهو أن تكون "وصيته" الخبر، وتكون "الواو" زائدة في الجملة الخبرية، كما قيل بزيادتها في قول كعب:
. . . . . . . . . . .
…
أَضْحَى وهْوَ مَشْمُولُ (4)
(1) انظر: البحر المحيط (8/ 386)، رياض الأفهام (1/ 531)، (2/ 511)، شرح التسهيل (3/ 60)، شرح المفصل (4/ 134).
(2)
راجع: تحفة الأحوذى (6/ 255).
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 342)، شرح الكافية الشافية (1/ 409)، شرح الأشموني (1/ 236)، أوضح المسالك (1/ 248)، الجزولية (ص 102)، دَليل الطّالبين (ص 42).
(4)
عجز بيت من البسيط، وهو لكعب بن زهير، وهو بتمامه:
شُجَّتْ بذي شَبمٍ من ماءِ مَحْنِيةٍ
…
صافٍ بأبْطَحَ أضحى وهو مَشْمُول
انظر: نهاية الأرب (16/ 431)، مغني اللبيب (ص 537)، المعجم المفصل (6/ 318).
تشبيها للجملة الخبرية بالجملة الحالية.
وهذا الوجْه إنما يجيزه أبو الحسن والكوفيون، وتابعهم ابن مالك. (1)
قال ابن مالك: يكثر ذلك بشرطين: -
1 -
كون العامل في الخبر "كان" أو "ليس".
2 -
وكون الخبر مُوجبًا بـ "إلا"، كقوله:
ما كان من بَشَر إلَّا وميتَتُه
…
محْتومةٌ، لكن الآجالُ تَخْتَلِفُ (2)
وهذا البيت نظير ما خرّجناه من وقوع الخبر مصحُوبًا بـ "واو" الحال بعد "إلّا".
قال: ويقِلّ في غير ذلك. (3)
قوله: "زاد مُسلم": هذه جملة لا محلّ لها من الإعراب.
وجملة "قال ابن عمر. . . إلى آخره" مفعول بـ "زاد" على الحكاية.
وجملة: "ما مرت. . . إلى آخره" معمُولة للقَول.
و"عليَّ" يتعلّق بـ "مرّت"، و"ليلة" فاعل "مرّت".
قوله: "منذ سمعت": اعلم أنّ "مذ" و"منذ" لابتداء الغَاية، أو للغَاية كُلّها بمنزلة "مِن"، ولا يدخُلان إلا على الزّمان الحاضر، نحو:"مُذ يومنا"، إمّا ظاهرًا وإمّا مُقدّرًا.
(1) انظر: مغني اللبيب (ص 537)، الهمع (1/ 427).
(2)
البيت من البسيط، وهو بلا نسبة. انظر: شرح التسهيل (1/ 359)، الهمع (1/ 427)، المعجم المفصل (5/ 56).
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 358 وما بعدها)، حاشية الصبان (1/ 361).
وإن دخَلا على الزّمان الحاضر لزمتهما الحرْفية، وكذلك إن دخَلت على "كم"، نحو:"مُذ كم سرت؟ ".
وإن دخَلا على جملة اسمية أو على جملة فعلية لزمتها الاسمية، نحو:"مذ قام زيد"، و"مذ زيد قائم".
وما عَدا ذلك: فالأكثر في "مُذ" أن تكُون اسمًا، والأكثر في "مُنذ" أن تكُون حرفًا، فمتى كانت إحداهما اسمًا رفعت ما بعدها، ومتى كانت حرفًا خفضت ما بعدها، نحو:"مذ يومان"، و"مذ يومين".
فإذا رفعت "اليومان" جاز لك في إعرابه وجْهان، أحدهما: الابتداء والخبر في الظرف. والثاني: أن يكون الخبر الاسم، والمبتدأ "مذ".
فإذا قُلت: "مذ يومان"، معناه:"أمَدُ ذلك يومان".
وإذا قُلت: "مذ يوم الجمعة"، فمعناه:"أوّل ذلك يوم الجمعة"(1).
إذا ثبت ذلك: فـ "مُذ" هنا وقع بعدها جملة فعلية، فتعيَّن فيها الاسمية، والتقدير:"مُذ زمن سماعي"، فهو مُضاف لزمن محذُوف، والعاملُ فيها:"مرّت". أو تكون صفة لـ "ليلة"؛ فيعمل فيه: "كائن" أو "مُستقر"، كالظروف المتعلّقة بالأفعال.
وتقدّم الكلام على "سمع" في الحديث الأوّل من الكتاب، وأن جملة "يقول" في محلّ المفعول الثاني عند الفارسي ومَن وافقه، أو في محلّ حال عند ابن مالك ومَن وافقه (2).
(1) انظر: انظر: اللمع في العربية (ص 75، 76)، ومغني اللبيب (ص 441، 442)، والجنى الداني (ص 304)، وشرح المفصل (3/ 117، 118)، وشرح الكافية الشافية (2/ 789)، وأوضح المسالك (3/ 53، وما بعدها)، والهمع (2/ 225)، والنحو الوافي (2/ 561).
(2)
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (3/ 472، 473)، (7/ 446، 447)، (8/ 163)، إرشاد السّاري (8/ 188)، (9/ 401)، (10/ 15)، الإعلام لابن الملقن (1/ 165، 166)، شَرْح التسهيل (2/ 84).