الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بـ "الواو" على ما قبلها، و"إلّا" زائدة للتأكيد، ولا يلحَق هذا بالقسْم الأوّل المفرغ ما قبل "إلّا" لما بعدها؛ لأنّ الغرَض هُنا للتأكيد (1).
إذا ثبت ذلك: فهذا التقسيم في الاستثناء الواقع بعد نفي للتأكيد، ولم يتقدّم على المستثنى منه. فإن تقدّم المستثنى على المستثنى منه، وتعدّدت المستثنيات نُصِبَتْ كلّها، نحو:"ما قام إلّا زيدًا، إلّا عمرًا، إلّا بكرًا أحدٌ".
وإن تأخّرت، وكان الكلام مُوجبًا نصبتها كُلَّها، نحو:"قاموا إلّا زيدًا، إلّا عمرًا، إلّا بكرًا".
وإن كان الكَلام منفيًّا غير مُوجب، ولم يكُن تأكيدًا، ولا مُفرَّغًا أُعطي واحد منها ما يُعطاه لو كان مُنفردًا لم يتكرّر، ونُصب ما عَداه، نحو:"ما قاموا إلا زيدًا، إلا عمرًا، إلا بكرًا". ولك في واحد منها الرفع، ولكن الرّاجح الأوّل، والنصب مرجوحٌ، ويتعيّن في الثاني النصب (2).
والألِف واللام في "الدينار" و"الدرهم" للجنس.
الحديث العاشر:
[262]
: عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثْ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ"(3).
قوله: "ثمن الكلب": الألِف واللام للجنس، ويُخصُّ من ذلك كلبُ الصيدِ
(1) انظر: أوضح المسالك (2/ 234 وما بعدها)، شرح الأشموني (1/ 510 وما بعدها)، شرح الكافية الشافية (2/ 713)، شرح ابن عقيل (2/ 219 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 551)، وتوضيح المقاصد والمسالك (2/ 672).
(2)
انظر: أوضح المسالك لابن هشام (2/ 236)، شرح المفصل (2/ 77 وما بعدها)، شرح التسهيل (2/ 296)، شرح الأشموني (1/ 512)، الهمع (2/ 265، 266)، وشرح التصريح (1/ 553).
(3)
ليس الحديث عن البخاري، وهو عند مسلم (1568)(41) في المساقاة.
والماشيةِ؛ لأنه مُرخَّص في اتخاذه. كما خُصَّ كسبُ الحجَّام [بالكراهةِ](1)، وقيل (2) لمن يبيع دَم ما يفصده من الحيوان لمن يستجيز أكْله من الكَفَرة (3).
فـ "ثمن الكلب" مبتدأ، ومُضاف إليه، و"خبيث" خبره.
يُقال: "خَبُثَ الرجلُ"، "خُبْثًا"، فهو "خبيثٌ"، أي:"خبٌّ رديء". و"أخبثَه غيرُه": "عَلَّمه الخُبْثَ وأفسده". و"أخبث" أيضًا "اتخذ أصحابًا خُبثاء"، فهو "خبيثٌ"، "مخْبثٌ" و"مخبثان". يُقال:"يا مخبثان". و"فلان لَخِبْثَة"، كما يقول:"لَزِنْيَة". ويُقال في النداء: "يا خُبَثُ"، كما يُقال:"يا لُكَعُ"، يُريد:"يا خبيثُ"(4).
قال الخطابي: قد يَجمعُ الكلامُ بين القرائن في اللفظ، ويُفرِّقُ بينهما في المعنى، ويُعرفُ ذلك من الأغراض والمقاصد.
فأمَّا "مهرُ البغي" و"ثمن الكلب": فيراد بالخبيث [فيها](5)"الحرام"؛ لأنّ الكَلب [نجس](6)، والزنا حَرام، فَبَذْلُ العِوض عليها وأخْذُه حَرامٌ.
وأمّا "كسْب الحجام": فيراد بالخبيث فيه "الكراهة"؛ لأنّ الحجامة مُباحَة.
وقد يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على الوجُوب، [وبعضه على الندب](7)، وبعضه على الحقيقة، وبعضه على المجاز، ويُفرّق بينهما بدلائل الأصول، واعتبار معانيها، انتهى (8).
ولو قال: "ثمن الكلب، ومهر البغى، وكسب الحجام خبيث" أدّى المعنى،
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "بالكراهية".
(2)
أي: "مع أنه قيل إنّ كسْب الحجّام هو ما كان لمن. . . ".
(3)
انظر: رياض الأفهام (4/ 288، 289).
(4)
انظر: الصحاح (1/ 281)، لسان العرب (2/ 142).
(5)
كذا بالنسخ. وفي المصدر: "فيهما".
(6)
في المخطوط: "قوله". والمثبت من المصدر.
(7)
سقط من المخطوط، والمثبت من المصادر.
(8)
انظر: معالم السنن (3/ 103)، النهاية لابن الأثير (5/ 6).
ولكنه أراد صلى الله عليه وسلم تخصيص كُلّ نوع بالخبث.
وقد يتوقّف الحكم في الذي يُجمع بالعطف على المجموع، لا على إفراده، كقولك:"إن دخل الدارَ زيدٌ، وعمرٌو، وبكرٌ، فلهم درهم". فلا يستحق مَن دخل منهم الدار على انفراده الدرهم، ولا شيئًا منه حتى يدخل مع قرينيه (1).
ولهذا نظائر من الكتاب والسنة.
فيتبين بذلك أنّ وصف كُلّ صنف في الحديث بـ "الخبث" له معنى زائد على العطف من غير تَكرار العامل.
قلت: ومن هذا ما ابتلى به قُرّاء الحرم الشريف، فإنّ غالب عيشهم ورزقهم من وظائف يوقَف عليها أوقاف، ويشترط الواقف أن يكون عشرة أو ثلاثة يقرءون جميعًا في وقت واحد متراسلين، متفقين في مخارج الحروف والكلمات، فيتخلف من الوظيفة بعضُ مَن هو مِن الجماعة، ويحضر بعضُهم؛ فيقرأ مَن حضر، فيختل بذلك العدد المشروط والهيئة الاجتماعية، وعلى هذا لا يستحق مَن حضر وقرأ ما شُرط له؛ لتخلُّفِ الشرط. وهذه بلية عظيمة، ومحنة جليلة، لَطَفَ اللَّهُ بنا، ولا واخذنا، وقد أفتى بذلك جماعة من العُلماء لم تحضرني أسماؤهم، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: إرشاد الساري (8/ 194).