الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اللقطة
الحديث الأوّل:
[290]
: عن زيد بن خالد الجهني قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، الذَّهَبِ، أَوِ الْوَرِقِ؟ فَقَالَ:"اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ، فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". وَسَأَلهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا، وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّها". وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"(1).
قوله: "سُئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": مبني لما لم يُسمّ فاعله، وتقدّم الكلام على "سأل" في الحديث الثّاني عشر من "باب صفة الصّلاة". والمفعول الذي لم يُسم فاعله:"رسُول اللَّه". و"عن اللقطة" يتعلّق بِـ "سُئل".
قوله: "الذّهَب أو الوَرِق": بدَلٌ من "اللقطة"، ولو جاء منصوبًا بإسقاط الخافض جاز، كما تقدّم من قولهم:"كلمتُه فاه إلى فيّ"، أي:"من فيه إلى فيّ". (2)
قوله: "فقال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم": "اعرِفْ وكاءها" الفاعل ضمير "الملتقط السّائل"، بمعنى:"إذا وجَدتها اعرف عفاصها".
"العفاص": "الوعاء الذي تكون فيه النفقة، من جلد أو خِرْقة وغير ذلك"، من "العَفْص"، وهو "الثَّنْيُ" و"العَطْف"، وبه سُمّي "الجلد الذي يجعل على رأس القارورة" عفاصًا، وكذلك غُلافها يُسمّى بذلك (3).
(1) رواه البخاري (2427) في اللقطة، ومسلم (1722)(5) في اللقطة.
(2)
انظر: عقود الزبرجد (2/ 92)، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 322، 324)، مغني اللبيب لابن هشام (ص 697).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 263).
قوله: "ثم عَرِّفْها": أي: "عَرِّف اللقطة".
و"سَنَة": ظرف، أي:"في سَنة"، وأصلها:"سَنْهَة"؛ لأنّك تقول في تصغيره: "سُنيهَة" أو "سُنَيَّة"، على اختلافهم في قولهم:"سانهت" و"سانيت"(1). وتقدّم الكلام عليها في الحديث الثّاني من "باب الحيض".
قوله: "فإنّ لم تُعْرَف فاستنفقها": الفعل مجزوم بـ "لم"؛ لأنها أقرب وأشد اتصالًا. ولم تقع "لم" إلا مُلازمة للفعل المستقبل (2)، بخلاف "إنْ"، وجعل بعضهم التنازع في الحروف كما هو في الأفعال (3).
و"الفاء" في قوله: "فاستنفقها" جواب الشرط.
قوله: "ولْتكن": "اللام" لام الأمر، وعلامة الجزم السكون على "النون"، واسم "كان" مستتر فيها يعود على "اللقطة".
وخبر "كان": "وديعةً". و"عندك" معمول "الوديعة"؛ لأنها "فعيلة" بمعنى "مفعولة"، أو يتعلّق بصفة لـ "وديعة".
قوله: "فإن جاء طالبها يومًا من الدّهر": "يومًا" ظرف زمان، العامل فيه:"جاء"، و"من الدهر" يتعلّق بصفة لـ "يوم".
وجملة "فأدِّها" جوابُ الشّرط، وفي الكلام محذوفٌ، أي:"وإذا جاء طالبها فعرف عفاصها ووكاءها فأدِّها".
قوله: "وسأله": ضمير الفاعل في "سأله" يعود على الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة أوَّلًا، وهنا أيضًا محذوف، أي:"فأدِّ مثلها إليه". وقيل: "الواو"
(1) انظر: الصحاح (6/ 2235)، لسان العرب (13/ 502).
(2)
انظر: إعراب لامية الشنفري (ص 68، 103)، اللمحة (2/ 849).
(3)
أجاز ابن العلج وقوع التنازع بين حرفين، مستدلًا بقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24]، ورُدَّ عليه في ذلك. انظر: شرح التصريح (1/ 477، 488)، حاشية الصبان (2/ 146)، والهمع (3/ 118، 126).
بمعنى "أو"، أي:"فاستنفقها أو أدِّها إليه"، فتكون "الواو" بمعنى "أو"، بخلاف الأصل.
قوله: "عن ضالة الإبل": حرفُ الجر يتعلّق [بـ "سأل"](1)، وتقدّم الكلام على "سأل" قريبًا.
قوله: "فقال: ما لَك ولها؟ ": فاعلُ "قال": ضمير يعود على "النبي صلى الله عليه وسلم"، و"ما" هنا استفهامية، مبتدأ، والخبر في المجرور، أي:"ما كائن لك؟ "، "ولها" معطوفٌ على "لك".
وهذه "الواو" هي في الأصل واو "مع"، فلو كان في موضع "لها" اسم ظاهر وجبت معه "اللام"؛ لأنّه لا يُعطف على الضّمير المجرور إلا بعد إعادة الخافض (2)، فتقول:"مَا لَك ولضَالّة الإبل؟ "، ولا يجوز على الصحيح:"ما لك وضالة؟ " بالجر.
ويجوز النصب على أنّ "الواو" واو "مع".
وأمّا هنا في الحديث: فتتعيّن "اللام" لأجْل العطف، ولأنّ الضّمير مُتصل، والمتصل لا يُمكن انفصاله إلا منصوبًا، أو مرفُوعًا، فلو قال:"ما لك وإياها؟ " صحّ، فلما جاء بـ "اللام" تعيّن الجر للعطف.
وإنما جاء النصب بواو "مع"، ولم يجز الجر؛ لأنّ واو "مع" مُعدِّية للفعل كـ "الباء" و"الهمزة"، وإن كان أصلها العَطف كما ينتصب الاسم المتعدّي إليه الفعل بواسطة، في مثل:"فَرَّحْتُ زيدًا"، أو "أذهبت زيدًا"(3)، فكذلك انتصب مع "الواو".
ويدلُّك على أنها مُعدِّية أنها توصل الفعل اللازم إلى العَمل في مثل: "قمتُ
(1) غير واضحة بالأصل، وفي "ب":"بضال". والصواب المثبت. واللَّه أعلم.
(2)
انظر: توضيح المقاصد (2/ 1026).
(3)
انظر: شرح الأشموني (1/ 448)، التبيين عن مذاهب النحويين (ص 381)، شرح المفصل (4/ 300)، الهمع للسيوطي (3/ 12).
وزيدًا"، و"جاء زيد وعمرا" (1).
فإن قيل: الحروفُ المعدِّية تجر ما بعدها، مثل:"ذهبتُ بزيد"، وهذه "الواو" نصبت. فالجواب: أنّ من شرط العامل الاختصاص بما يعمل فيه، و"الواو" لا اختصاص لها.
واعلم أنّه ليس المراد بهذا الكَلام -الذي هو: "ما لك ولها"- الاستفهام عن ذاتي الاسمين، بل المراد الاستفهام عن المعنى الجامع بينهما على سبيل الإنكار.
قالوا: وفي الحديث جاءت للعَطف، لا بمعنى "مع"، كقوله:
تُكَلِّفني سَوِيقَ الكَرْمِ جَرْمٌ
…
وما جَرْمٌ وما ذاكَ السَّوِيقُ (2)
أي: "ما الجرم وذاك السويق"، إنكارًا عليها.
هذا البيت من أبيات سيبويه (3) أتى به شاهدًا على زيادة "ما"[في قوله](4): "وما ذاك".
قوله: "دعْها، فإنَّ معها حِذَاءَها": "إنَّ" واسمها وخبرها، الخبر في الظرف، و"سقاءها" معطوفٌ على "حذاءها".
وهذا من المجاز (5)، عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم بعبارة يُفهم منها المنع من التقاطها لأجْل الحذاء والسقاء، وهو عبارة عن خُفِّها وكِرْشها مع صبرها حتى يجدها ربها، والسّقاء
(1) انظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 439، 440)، شرح القطر (ص 232)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 279).
(2)
البيت من الوافر، وهو لزياد الأعجم.
انظر: خزانة الأدب (3/ 141)، المعجم المفصل (5/ 193).
(3)
انظر: الكتاب لسيبويه (1/ 301، 308).
(4)
بالنسخ: "أتى به". ولعل الصواب المثبت. واللَّه أعلم.
(5)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 160)، وإرشاد الساري (4/ 243).
يتوصّل به إلى ورود الماء وأكْل الشّجر.
ويصحّ أن يكون: "ترد الماء وتأكل الشجر" بدلًا من اسم "إنَّ" وخبرها، أي:"أنها ترد الماء وتأكُل الشجر".
قوله: "حتى يجدها ربها": "حتى" حرف غاية ونصب، و"يجدها" منصوبٌ بإضمار "أنْ". و"وجد" يتعدّى إلى واحد؛ لأنها بمعنى "يُصيبها".
قوله: "وسأله عن الشّاة": معطوفٌ على ما قبله.
و"الشّاة" تقدّم الكلام عليها في السّادس من "الزّكاة".
و"عن الشّاة": يتعلّق بـ "سأل".
قوله: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خُذها": تقدّم الكلام على الأمر من "أخَذ" في السّادس من "باب الاستطابة". وتقدّم الكلام على "إنما" في الحديث الأوّل من الكتاب. و"هي": مبتدأ، والخبر في المجرور.
قوله: "أو لأخيك": أعاد في المعطُوف حرف الجر؛ لأنّه عطف على ضمير مجرور، وكذلك:"أو [لِلذِّئْب] (1) ".
* * *
(1) بالنسخ: "الذئب". والصواب المثبت، وهو من نص حديث الباب.