الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر:
[309]
: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا"(1).
قوله: "أحدهم": هو هكذا في الذي وقفت عليه من النّسَخ.
والضّمير يعود على معلُوم في الذّهن يدلّ عليه السياق، كقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]، وهو كثير. (2)
والمراد: "لو أنّ أحَد المجامعين -أو [الواطئين] (3) - لنسائهم".
وتقدّم الكَلام على "لو" في الحديث الأوّل من "الصّلاة".
ومثله قوله في آخر "الوصايا" عن ابن عباس: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنْ الثُّلُثِ"(4)، فانظره هناك.
فالتقدير هنا: "لو قُدّر أنّ أحدهم".
فتكون "أنّ" في محلّ رفع، مفعول لم يُسمّ فاعله. و"إذا" وفعلها وجوابها في محلّ خبر "أنّ". وجوابُ "إذا":"قال"، وهو أولى من أن يكُون خبرًا لـ "أنّ"؛ لأنّه أقرَب، ولما يلزم من الحذف والتقدير. وتقدّم الكَلام على "إذا" والعامل فيها في الحديث
(1) رواه البخاري (5165) في النكاح، ومسلم (1434) في النكاح.
(2)
انظر: تفسير القرطبي (15/ 195)، والبحر المحيط (9/ 154)، وفتح الباري (2/ 43)، نخب الأفكار (3/ 211)، مرقاة المفاتيح (2/ 526)، الإعلام لابن الملقن (2/ 245)، عقود الزبرجد (1/ 445)، الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 80)، همع الهوامع (1/ 265).
(3)
بالنسخ: "المواطئين".
(4)
صحيحٌ: مسلم (1629/ 10)، من حديث ابن عباس.
الثّاني من أوّل الكتاب.
و"أن يأتي أهله" في محلّ نصب، مفعول لـ "أراد".
قوله: "باسم اللَّه": معمُولٌ للقول على الحكاية، وفي الأصل يتعلّق حرف الجر بـ "أبتدئ"، أي:"أبتدئ مُستعيذًا باسم اللَّه". (1)
وقد قيل: إنّ "اسم" صلة، والتقدير:"باللَّه"(2).
وتقدّم الكلام على "اللهم" في الحديث الأوّل من "باب الاستطابة".
و"جنِّبنا" بمعنى: "اجعله جانبًا عنا، واجعل ما رزقتنا جانبا عنه"، إشارة إلى المباعَدة من الجهتين. ولو قال:"اللهم جنّبنا الشيطان وما رزقتنا" لم يكُن بالمعنى الأوّل، وفساده ظاهر؛ لأنّ المعنى:"أن لا يقربنا الشّيطان ولا يقرب ما رزقتنا"، أي:"ما رزقنا اللَّه"، كأنه تحريم من الطرفين.
ولكن جاءت العبارة بأبلغ غاياتها، وهي "أن لا يتمكّن من القُرب منا، ولا يتمكّن ما هو منّا من القُرب منه". وحسُن ذلك؛ لأنّا مُكلفون مأمُورون في كُلّ وقت بالاستعاذة منه، وهو دواءُ بُعْده منا، وأمّا "ما يرزقنا" فليس بمُكلّف، و"الشّيطان" مُكلّف؛ فأمرنا أن نسأل ألا يقرب الشّيطان مَن ليس في قُدرته التحرز منه بذِكْر ولا غيره.
و"جنّبنا" دُعاء؛ لأنّه من الأدْنى للأعلى.
و"شيطان": وزنه "فيعال" عند البصريين؛ فنونه أصلية، ومنه:"شطن". ووزنه
(1) انظر: البحر المحيط (1/ 29)، اللباب لابن عادل (1/ 118، 131)، مغني اللبيب (ص 495)، شرح المفصل (5/ 258)، العمدة في إعراب البردة (ص 59)، الهمع (3/ 117).
(2)
انظر: شرح المفصل (2/ 178)، الخصائص (3/ 31).
عند الكوفيين: "فعلان"؛ فنونه زائدة، من:"شاط، يشيط"(1)، وقد تقدّم الكلام عليه في الحديث الثّاني من "باب المرور".
ويحتمل "ما" في قوله: "ما رزقتنا" أن تكون موصُولة، أي:"الذي رزقتناه". ويحتمل أن تكون مصْدَرية، أي:"رزقنا"؛ فلا يحتاج إلى عائد.
وجَوّز أبو البقاء في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3][أن](2) يكون العَائد ضَميرًا مُنفصلًا، تقديره:"ومما رزقناهم إياه". (3)
قالوا: وليس بشيءٍ؛ لأنّ شَرط المحذُوف أن يكُون ضَميرًا مُتصلًا. (4)
ويحتمل أن تكُون "ما" هنا نكرة موصُوفة أي: "وجنّب الشيطان حملًا رزقتناه".
قوله: "فإنّه إنْ يقدّر بينهما ولد": إنْ قدّرت لِـ "لَوْ" جوابًا كان هنا محلّ تقديره، أي:"لو أنّ أحدهم فعل كذا لكان حَسَنًا؛ فإنّه إنْ يقدّر". وإنْ قدّرتها للتمنى استغنيت عن الجواب، عند الأكثرين.
وخبر "إنّ" في جملة الشّرط وجوابه.
و"ولد" مرفوع، على أنّه مفعول لم يُسمّ فاعله.
(1) انظر: الصحاح: (5/ 2144، 2145)، ولسان العرب (13/ 238)، وشمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3465، 3466)، والكتاب لسيبويه (3/ 217، 218).
(2)
بالنسخ: "أي".
(3)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 18)، اللباب لابن عادل (1/ 291 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 174).
(4)
انظر: اللباب لابن عادل (1/ 291 وما بعدها)، شرح التصريح (1/ 174)، شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك (ص 79).
قوله: "في ذلك": الإشارة إلى "الإتيان" المفهُوم من "يأتي"، كقوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] أي: "العفو أقرَبُ للتقوى"(1).
قوله: "لم يضره": جَوابُ الشّرط.
ويجوز في الفعل المضاعَف المجزوم ثلاثة أوْجُه: الضم، والفتح، والكسر، الضمّ مع الضّمير أحسَن، وهو اختيارُ سيبويه. (2)
قوله: "أبدًا": ظرفُ زمان، وهو لا يعمّ جميع الزمان، بدليل أنّه لو قال لزوجه:"أنت طالقٌ أبدًا" وقال: "نويتُ يومًا" أو "شَهرًا" كان له عليها الرّجْعة، قاله القاضي أبو بكر في "الأحكام"(3).
قال: وكذلك قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، ولم يقُل:"أبدًا"؛ لاحتمال لفظة "الأبد" لحظة واحدة. (4)
(1) انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 190)، البحر المحيط (2/ 540)، اللباب لابن عادل (3/ 272)، والهمع للسيوطي (1/ 30).
(2)
انظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (3/ 59)، حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي (3/ 54)، إكمال المعلم (4/ 198)، إرشاد الساري للقسطلاني (3/ 300)، إحكام الأحكام (2/ 102)، الكتاب لسيبويه (2/ 265)، وتذكرة النحاة، لأبي حيان الأندلسي، تحقيق: د. عفيف عبد الرحمن، ط مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1406 هـ/ 1986 م، (ص 288)، جامع الدروس العربية (2/ 100).
(3)
انظر: أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي (2/ 583)، (3/ 116).
(4)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 116).