الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابنُ جنى في "سر الصناعة" له: سَمعنا بعض العرب الفُصَحاء من بني حنظلة يُنشد:
لَمَّا رأت فِي ظَهْري انْحِنَاء
…
وَالمَشْيَ بَعْدَ قَعسٍ إِجنَاء
أَجْلَتْ وَكَان حُبُّها إجْلاءْ
…
وَجَعَلَتْ نِصْفَ غَبُوقي مَاءْ
ثُمَّ تَقُولُ مِنْ بَعِيدٍ هَاء
…
دَحْرَجَةً إِنْ شِئْتَ أَوْ إِلْقَاء (1)
قال: فوقف على هَذا كُله بغير "ألِف". (2)
وقد تقدّم أنّ ذلك كُله جاء ممدودًا، "انحنآء" و"إجنآء"، وذكره الشّيخ تقيّ الدِّين في الأوّل من "الرّبا". (3)
الحديث السّادس:
[349]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْن، فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْك جُنَاحٌ"(4).
قوله: "لو أنّ امرأ": اعلم أنّ "لو" يقع بعدها "أنّ" المشدّدة، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} [الحجرات: 5]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ} (5) [المائدة: 66]،
(1) الأبيات من الرجز، وتنسب لرجل من بني حنظلة، أو لمسلم بن عطية. وقد كتب بنسخ المخطوط:"رأتني"، و"قعص". والمثبت من المصادر. انظر: رياض الأفهام (4/ 394)، الإعلام لابن الملقن (7/ 309)، سر صناعة الإعراب (2/ 142، وبالهامش)، البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ (ص 344، وبالهامش)، أمالي الزجاجي (ص 186، 187)، الدلائل في غريب الحديث للسرقسطي (1/ 185).
(2)
انظر: سر صناعة الإعراب (2/ 142).
(3)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 141)، النهاية لابن الأثير (1/ 302).
(4)
رواه البخاري (6888) في الديات، ومسلم (2158)(44) في الآداب.
(5)
بالنسخ: "الصلاة".
[فمذهب](1) المبرّد والزّمخشري ومُوافقيهم أنّ ما وقع بعدها يكون في محلّ رفع بفعل [مُقدّر](2) يُفسره ما بعده.
فالتقدير هنا: "لو ثبت أن امرأ اطلع"، أي:"لو ثبت اطلاع امرئ"، و"لو ثبت صبرهم"(3). ولا يجوز إظهار الفعل لئلا يجمع بين المفسَّر والمفسِّر.
وقال سيبويه ومَن تبعه: إنّه في محلّ رفع بالابتداء. ولا حاجة إلى ذِكر خبره؛ لأنّ الكلام لما اشتمل على مُسند ومُسند إليه لم يحتج إلى الخبر.
وقال بعضهم: يُقدّر الخبر مُقدّمًا، و"أنّ" وما ينسبك منها المبتدأ؛ فيكون التقدير في الآية:"ولو ثابت صبرهم"، على حدّ قوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا} [يس: 41]. (4)
وكذا يقدّر في الحديث: "لو ثابت اطلاعه".
قال الزّمخشري: ويجب أن يكون خبر "أن" فعلًا؛ ليكُون عوضًا عن الفعل المحْذوف. (5)
واعتُرض عليه بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ}
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "فذهب".
(2)
بالنسخ: "مقدرة".
(3)
هذا يعود للآية.
(4)
انظر: البحر المحيط (9/ 512)، إرشاد الساري (7/ 352)، مغني اللبيب (ص 355 وما بعدها، 767)، الجنى الداني (ص 279 وما بعدها، 410)، شرح المفصل (1/ 220)، (4/ 528، 529)، شرح الكافية الشافية (1/ 371)، (3/ 1635 وما بعدها)، شرح التسهيل (1/ 301)، (2/ 21)، شرح التصريح (1/ 303)، (2/ 423 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1300 وما بعدها)، الهمع (1/ 502).
(5)
انظر: اللباب في علوم الكتاب (15/ 459)، مغني اللبيب (ص 356)، الجنى الداني (ص 281)، شرح التسهيل (4/ 99)، اللمحة (2/ 533).
[لقمان: 27](1).
وأجَاب عنه ابن الحَاجب (2) بأنه وقع هنا جامدًا في نحو قوله:
وَلَوْ أنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتَهَا
…
مُسَوَّمةً تَدْعُو عُبَيْدا وأزْنَما (3)
وقوله:
مَا أَطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْ أَنَّ الْفَتَى حَجَرٌ
…
تَنْبُو الْحَوَادِثُ عَنْهُ وَهُوَ مَلْمُومُ (4)
ورَدّ ابن مالك (5) قول هؤلاء بأنّه قد جاء اسمًا مُشتقًّا، كقوله:
لَو أَن حَيًّا مُدْركُ الفَلاح
…
أَدركهُ مُلاّعِبُ الرِّماح (6)
قال ابنُ هشام: وقد وجدتُ آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسمًا مشتقًّا، ولم يتنبه
(1) انظر: البحر المحيط (8/ 419)، مغني اللبيب (ص 356)، الجنى الداني (ص 282)، توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1302).
(2)
انظر: البحر المحيط (8/ 419)، اللباب في علوم الكتاب (15/ 459)، مغني اللبيب (ص 356، 357)، شرح التسهيل (4/ 100)، الجنى الداني (ص 281، 282)، توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1302)، الهمع (1/ 502).
(3)
كتب بالنسخ: "وأرقما". والبيت من الطويل، وهو لجرير، أو للبعيث، أو للعوام بن شوذب (سوذب) الشيباني، أو للعوّام بن عبد عمرو. انظر: الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني (ص 263، 423)، المعجم المفصل (7/ 101).
(4)
البيت من البسيط، وهو لابن مقبل، تميم بن أبي بن مقبل العامري. انظر: خزانة الأدب (11/ 304، 305)، المنتحل للثعالبي (ص 172)، لباب الآداب لابن منقذ (ص 425)، المعجم المفصل (7/ 227).
(5)
انظر: شرح التسهيل (4/ 99)، شرح الكافية الشافية (3/ 1637)، مغني اللبيب لابن هشام (357)، الجنى الداني (ص 281 وما بعدها)، توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1302)، الهمع للسيوطي (1/ 502).
(6)
البيت من الرجز، ويُنسب للبيد، ولبنت عامر بن مالك. انظر: خزانة الأدب (11/ 304)، ثمار القلوب للثعالبي (ص 102)، المعجم المفصل (9/ 318).
لها الزمخشري، كما لم يتنبه لآية لقمان، ولا ابن الحاجب وإلا لما منع من ذلك، ولا ابن مالك وإلا لما استدلّ بالشّعر، وهي قوله تعالى:{يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} [الأحزاب: 20](1).
قلت: وفي هذا الاستدراك على ابن مالك والزّمخشري وابن الحاجب نظر؛ لأنّ "لو" هنا وقعت بعد "ود"، فتعين أن تكون المصدرية بمعنى "أن" الناصبة للفعل، وليست التي يمتنع بها الشّيء لامتناع غيره. (2)
قال أبو البقاء: ويدلّ على أنّ "لو" هذه غير الشرطية شيئان، أحدهما: أن هذه يلزمها المستقبل، والأخرى معناها في الماضي.
والثاني: أنّ "ود" يتعدّى إلى مفعول واحد، وليس مما يعلّق عن العمل، فمن هنا لزم أن يكُون "لو" بمعنى "أن". (3)
قلت: فإذا كانت "لو" بمعنى "أن"، فليس هي التي فيها كلام ابن مالك ولا ابن الحاجب.
وقد جَاء الخبر فعلا واسمًا مُشتقا في بيت كعب:
أكرِمْ بِهَا خُلّةً، لو أَنّها صَدَقَتْ
…
مَوْعُودَها أو لو انّ النصْحَ مَقْبُول (4)
فـ "مقبول" خبر "أن"، وهو محلّ الشّاهد، إلا أن تكُون "لو" للنفي. والأَوْلى أنها الشّرطية. (5) ولي على هذا البيت كلام انظره في شرحي للقصيدة (6) وإعرابي لها.
(1) انظر: مغني اللبيب (357).
(2)
راجع: خزانة الأدب (11/ 304، 305).
(3)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 96).
(4)
البيتُ من البسيط، وهو لكعب بن زهير. انظر: خزانة الأدب للبغدادي (11/ 308)، المعجم المفصل في شواهد العربية (6/ 294).
(5)
انظر: خزانة الأدب (11/ 308، 309).
(6)
أي: شرح قصيدة بانت سعاد.
قوله: "بغير إذن": حرفُ الجر يتعلّق بحال، أي:"ناظرًا بغير إذن"، أو "اطّلع غير مأذون له".
قوله: "فحذفته": معطوفٌ على "اطّلع".
و"الباء" في "بحصاة" باء الآلة.
قوله: "ما كان عليك جناح": جواب "لو". و"عليك" يتعلّق بخبر "كان"، و"جناح" اسمها. و"الجناح":"الإثم".
* * *