الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في بعض النسخ: "لو كان شيء" بالرفع، على أنه اسم "كان"، وخبره:"يَنْهَى عنْه"، و"يَنْهَى" بفتح "الياء"، على أنه مبني للفاعل، ويجوز فيها الضّم على أنه مبني للمفعول.
وفي بعض النسخ: "لو كان شيئا يَنْهَى عنه"، على أنّ "شيئًا" خبر "كان"، واسمها ضمير يعود على "العزل". وجملة "ينهى عنه" في محلّ صفة لـ "شيء".
وتقدّم الكلام على "شيئًا" في الحديث الثّاني من "باب المرور بين يدي المصلي".
الحديث [الثامن]
(1):
[327]
: عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّه وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ"(2) كذا عند مسلم، وللبخاري مثله (3).
قوله: "أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": "سمع" هنا متعلقة بالذوات، فالمختار أن يتعدّى لواحد، والفعل بعده في محل حال منه إن كان معرفة أو صفة إن كان نكرة (4)، واختار الفارسي أن يكون الفعل في محل مفعول ثانٍ، أما إذا تعلقت بالأصوات فإنها تتعدّى إلى واحد لا غير (5). و"أنه" مع خبرها في محلّ رفع لمتعلّق حرف الجر.
(1) بالنسخ: "السابع".
(2)
رواه مسلم (61) في الإيمان، ورواه أحمد في "المسند"(5/ 166).
(3)
رواه البخاري (6045) في الأدب.
(4)
الجمل بعد النكرات المحضة صفات، وبعد المعارف المحضة أحوال.
انظر: الحدود في علم النحو (ص 479)، ومختصر مغني اللبيب (ص 133).
(5)
انظر: عقود الزبرجد (1/ 71، 72)، وذخيرة العقبى (19/ 303).
قوله: "ليس من رجُل": معمولة للقول، و"من رجل" اسم "ليس"، و"مِن" فيه زائدة؛ لأنها وقعت بعد نفي، وجملة "ادَّعى" في محلّ صفة لـ "رجل"، و"لِغَيْرِ" يتعلق بـ "ادَّعى"، و"أبيه" مضاف إليه، و"إلا" إيجاب للنفي، و"كَفَرَ" جملة في محل خبر "ليس"، فيكون الاستئناء مُفرغًا، وتقدّم الكلام على ["غير"](1) في الحديث الأوّل من "باب استقبال القبلة".
وجملة "وهو يعلمه" في محل الحال من ضمير "ادَّعى"، والتقدير:"من ادَّعى نسبًا". والضمير في "هو" للمدعِي. والضّمير في "يعلمه" يعود على "أبيه".
قوله: "ومن ادَّعى ما ليس له": "ما" هنا نكرة موصوفة، وهذا المحل بها أقعد من الموصولة، وعلى هذا تكون جملة "ليس له" في محل صفة لـ "ما"، والضمير في "له" يعود على المدعِي. وفي تقديرها موصولة بمعنى "الذي" بُعد؛ لأنّ الموصولة تقتضي الخصوص والعهد، وليس هو المراد هنا، ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4] أنّ "ما" فيه موصولة، ولا يصحّ أن تكون موصوفة؛ لأنهم لا يكونون مُؤمنين بإيمانهم [بشيء](2) من القرآن حتى يؤمنوا به كُله؛ لأنّ الشيء يقع على القليل والكثير (3).
و"مَنْ" هنا شرطية، ومحلُّها رفع بالابتداء، والخبر في فعلها أو في جوابها على الخلاف المتقدّم في العاشر من أوّل الكتاب، وفي الرّابع منه.
وتجب "الفاء" هنا في الجواب؛ لأنّ "ليس" من الأفعال التي لا تتصرف، و"الفاء" واجبة فيها، وهي:"ليس"، و"عسى"، وفِعلا التعجب، و"حبذا"، و"نعم"،
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
غير واضحة بالأصل، وفي (ب):"لشيء". والمثبت هو ما يستقيم به المعنى، كما دل عليه ما جاء في "التبيان في إعراب القرآن"(1/ 19). واللَّه أعلم.
(3)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 19).
و"بئس"(1).
قوله: "وليتبوأ": "اللام" لام الأمر، و"يتبوَّأ" مجزوم بها، و"مقعده" مفعول "يتبوأ". يُقال:"تَبَوَّأ تَبَوُّءًا"(2)، و"المْبَاءَةُ" و"الْبَاءَةُ":"المنْزل"(3).
ويظهر أنه يتعدّى لواحد بنفسه، ولآخر تارّة بنفسه وتارّة بـ "اللام".
فمن الأوّل: قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ} [آل عمران: 121] فالأول: "المؤمنين"، والثاني:"مقاعد".
ومن الثاني: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26].
وقيل: "اللام" فيه زائدة (4).
فقوله في الحديث: " [وَلْيَتبَوَّأْ] (5) مقعده من النار"[مفعوله](6) محذوف، أي:"فليتبوأ لنفسه مقعده". و"مِنْ" يتعلق بـ "يتبوأ"، ويكون حالًا، أي:"فليتبوأ [مقعده] (7) كائنًا من النار"، أي:"مقعدًا من النار"، فالحال مُقدّرة، فإن قدّرت "المقعد" مصدرًا بمعنى "القعود"[تعلق](8) به، ولكن لا يتمكّن معناه إلا على أنّ "المقعد" ظرف مكان، وظرفُ المكان لا يتعلّق به شيء.
قوله: "ومَن دعا رجلًا بالكفر": "مَنْ" شرطية مبتدأ، و"بالكفر" يتعلق
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1596، 1597)، ضياء السالك (4/ 46 وما بعدها).
(2)
انظر: جمهرة اللغة (2/ 1094).
(3)
انظر: الصّحاح (1/ 37).
(4)
انظر: البحر المحيط (3/ 327، 328)، (8/ 364)، رياض الأفهام (4/ 316).
(5)
بالنسخ: "فليتبوَّأ". والمثبت هو نص حديث الباب.
(6)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ب).
(7)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(8)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
بـ "دعا"، لأنه بمعنى:"رماه بالكفر"، "أو قال: عدوَّ اللَّه" معطوفٌ عليه، و ["عَدُوَّ"] (1) منصوبٌ، أي: "قال: يا عدوَّ اللَّه"، ويحتمل الرفع "أو قال: هو عدوُّ اللَّه".
قوله: "وليس كذلك": اسم "ليس" ضمير يعود على "المدعوِّ"، و"كذلك" في محل خبرها، أي:"وليس المدعوُّ كائنا كذلك". ويحتمل أن تكون "الكاف" خبر "ليس"، و"ذلك" مُضافٌ إليه، وفيه بُعد، والأوّل أشَدّ معنى.
قوله: "إلا حَار عليه": الكلام فيه اقتضاب يُفسّره السياق، والمعنى:"من دعا رجلًا بالكفر أو قال عَدو اللَّه وكان كذلك فلا شيء عليه، وإن كان ليس كذلك حار عليه".
ولأجْل ما في "ليس" من معنى النفي سَاغ دخُول "إلا" بين "مَن" وجوابها.
فقوله: "حار عليه" جوابُ "مَن" الشّرطية، ولولا "ليس" لم يصحّ دخول "إلّا"؛ لأن الشرط واجب، والتفريغ لا يكون في الواجب، لو [قلت] (2):"ضربتُ إلا زيدًا"، و"قمتُ إلا ضاحكًا" لم يصح.
والاستثناء المفرَّغ إنما يكون في النفي أو في النهي أو المؤول بهما (3)، فإن جاء ما ظاهره خلاف ذلك قُدِّرَ عُموم قبل "إلّا" حتى يصِحَّ الاستثناء من ذلك العموم، فلا يكون مفرَّغا، كما قالوا في قوله تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: 16] انتصب "متحرفًا" على الحال من ضمير "يُوَلِّهِمْ" المستكنّ العَائد على "مَنْ"، وفي الحقيقة هو استثناء من حال محذُوفة، أي: "ومن يُولهم [مُلتبسًا](4) بأيّ
(1) بالنسخ: "دعا".
(2)
سقط من النسخ. والمثبت من المصدر. وانظر: البحر المحيط (5/ 293).
(3)
انظر: شرح التسهيل (2/ 269، 270)، وشرح الكافية الشافية (2/ 708).
(4)
كذا بالنسخ وبالمصدر.
حال كان [إلّا](1) في حال كذا" (2).
وإنما احتاجوا إلى هذا التقدير لأجل ما ذكرناه من شرط الاستثناء المفرَّغ.
وأجازوا: "قرأتُ إلا يوم كذا" و"صُمتُ إلا يوم كذا" لأجْل العُموم (3).
قوله: "كذا عند مسلم": "كذا" جار ومجرور، وهو مركّب من "كاف" التشبيه واسم الإشارة (4)، وقد تقدّم الكلام عليها مستوفًى في السّادس من "الزكاة".
قوله: "وعند مسلم": هنا محذوف تقديره: "كذا جاء عند مسلم"، أو:"كذا رُوي عند مسلم"، فـ "عند مسلم" يتعلق بـ "جاء" المحذوف، و"كذا" يتعلّق به أيضًا، أو يتعلّق "عند" بمعنى التشبيه في "كذا"، وهو أجْوَد.
قوله: [وللبخاري]: أي: "جاء مثله"، فيتعلّق "للبخاري" بـ "جاء"، و"مثله" فاعل.
وللشّيخ تقيّ الدِّين كَلام على هذا الحديث جيد ينبغي للطالب تحصيله والاعتماد عليه، فلينظر في موضعه من كتابه (5)، واللَّه أعلم.
* * *
(1) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(2)
انظر: البحر المحيط (5/ 293).
(3)
انظر: حاشية الصبان (2/ 221).
(4)
انظر: شرح المفصل (3/ 166)، وسر صناعة الإعراب (1/ 312).
(5)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 208 وما بعدها إلى 211).