الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و"ذلك" مفعول بالقول؛ لأنّ الإشارة إلى المفعُول.
قوله: "إلا وعندي وصيتي": "إلّا" إيجابٌ للنفي، وهو استثناءٌ مفرَّغ، و"وصيتي" مبتدأ، خبره مُقدّم عليه في الظرف. والجملة في محلّ حال من الضّمير في "عليَّ"، وهو ضَمير "ابن عُمر".
و"الواو" واو الحال، دخلت على الخبر لمَّا تقدّم على المبتدأ، ولو تقدّم المبتدأ لجاء الكلام:"إلّا ووصيتي عندي".
وإنما قدّم الظرف تأكيدًا للحصر بـ "إلّا"، فكأنَّ الكلام اجتمع فيه تأكيدان: الأوّل بـ "إلا"، والثّاني بتقديم الظّرف.
الحديث الثاني:
[292]
: عن سعد بن أبي وقاص قَالَ: جاءني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بي، فَقُلْتُ: يا رسول اللَّه قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ ما ترى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فالشَّطْر يا رسول اللَّه؟ قَالَ: لَا. قلت: فالثلث؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلْثُ كَثيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّه، إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تبتغي به وجه اللَّه إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةَ، ولَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، [اللَّهُمَّ أَمْضِ](1) لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه [وسلم أَنْ مَاتَ](2) بِمَكَّةَ (3).
قوله: "جاءني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودني": جملة "جاءني" في محلّ معمول للقول.
(1) غير واضحة بالأصل، والمثبت من متن العمدة.
(2)
غير واضحة بالأصل، والمثبت من متن العمدة.
(3)
رواه البخاري (2742) في الوصايا، ومسلم (1628) في الوصية.
وجملة: "قال" مُقدّرة بـ "أنَّ" معمُولة لمتعلّق حرف الجر.
وجملة: "صلى الله عليه وسلم" مُعترضة، لا محلّ لها.
وجملة: "يعودني" في محلّ حال من "رسول اللَّه".
قوله: "عام حجة الوداع": "عام" ظرف زمان، العامل فيه:"يعودني".
قوله: "من وجع": يتعلق بـ "يعودني". و"مِن" هنا سَببية، أي:"بسبب وجع"، أو بمعنى التعليل، أي:"لأجل وجَع".
ويحتمل أن يتعلّق بـ "جاءني"، ويجري في الاختيار الخلاف المعروف في باب التنازع بين البصريين والكوفيين (1).
وجملة: "اشتد بي" في محلّ صفة لـ "وجَع".
قوله: "فقلت: يا رسُول اللَّه": جملة القول معطُوفة على "جاءني"، وجملة "يا رسُول اللَّه" معمُولة للقول.
و"قد بَلغ بي من الوجَع ما ترى" من تمام المقول. و"بي" يتعلّق بـ "بلغ"، ولولا أنّ الصّلة تتقدّم على الموصُول لكان تعلّقه بـ "ترى" متمكنًا.
ويصحّ على مذهب ابن مالك والكوفيين أنْ تكون "مِن" زائدة في الإثبات، والتقدير:"قد بلغ بي الوجع ما ترى".
وفي الكتاب العزيز: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} [آل عمران: 40]، وفي موضع آخر:{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8]. (2)
والرّؤية هنا بَصرية، مفعولها هو العائد على "ما".
(1) انظر: شرح المفصل (1/ 211)، الصبان (2/ 148)، وأوضح المسالك (2/ 174).
(2)
انظر: التبيان في إعراب القرآن (1/ 258).
ومتى جعلنا الفاعل "ما" وصلتها، كان التقدير:"وقد بلغ ما تراه".
ويحتمل أن يكون الفاعل محذوفًا يدلّ عليه قوله: "من الوجع"، والتقدير:"وقد بلغ بي جهد من الوجع"، ثم حذف الموصُوف، وأقام الصّفة مقامه.
قال ابن مالك: وهذا الحذفُ يكثر قبل "من"؛ لدلالتها على التبعيض.
ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، أي:"ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين". (1)
ويحتمل أن يكُون الفَاعل محذُوفًا معلومًا من مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ليعوده، والتقدير:"وقد بلغ بي ما سمعت من الوجع ما ترى"، أي:"الذي تراه".
وهذا عندي له وَجْه.
ويحتمل قوله: "وأنا ذو مال" أن يكُون في محلّ الحال من ضَمير "النبي" في "تراه"، والرابط:"واو" الحال.
ويحتمل أن يكون الحال من فاعل "اشتد".
ويحتمل أن تكون الجملة مُستأنفة، لا محلّ لها.
قوله: "أفاتصدق بثلثي مالي؟ ": "الهمزة" للاستفهام، والفعل معها مُستفهَم عنه، و"الفاء" عاطفة، وقيل: زائدة، وكان حقّها أن تتقدّم، فعارضها الاستفهام؛ لأنّ له صَدْر الكَلام. وتقدّم الكَلام على أدوات الاستفهام في الرّابع والخامس من "الجنابة".
و"بِثُلُثَيْ": يتعلّق بـ "أتصدّق".
قوله: "لا": حرفُ جَواب (2)، وهي بمعناها تسدّ مَسَدّ الجمْلة، أي: "لا
(1) انظر: شواهد التوضيح (ص 187، 188).
(2)
انظر: الجنى الداني (ص 296)، وجامع الدروس العربية (3/ 255 وما بعدها).
تتصدّق بكُل الثلثين". وتقدّم حُكم "لا" في الأوّل من "الحيض".
قوله: "قلت: فالشّطر": الرّفع على الابتداء، والخبرُ محذُوفٌ، أي:"فالشّطر أتصدّق به؟ ". ولو جاء: "فالشّطرَ" بالنّصب صَحَّ، بتقدير:"أفأتصدّق بالشّطر؟ "، ثُم حذف حرْف الجر. (1)
ويجوز فيه الجر، كما قيل في قوله:"خيرٍ" في جواب: "كيف أصبحت؟ ". وفي الحديث: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفي سُوقِهِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا"(2). وفي الحديث: "إِنَّ لِي جَارينِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: أقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا"(3)، أي:"إلى أقربهما". (4)
قوله: "قال: قلت: فالثّلث؟ ": مثل الذي قبله، يحتمل الرفع والنصب والجر.
قوله: "قَال: الثّلث، والثّلث كثير": أي: "الثّلث تصدّق به"، "والثّلث كثير" مُبتدأ وخبر.
قال القاضي عياض: الرّفع في الأوّل على أنه فاعِل بفعْل مُضمَر، أي: "يكفي
(1) انظر: إرشاد الساري (9/ 428).
(2)
متفق عليه: رواه البخاري برقم (647)، ومسلم برقم (245/ 649) بنحو هذا اللفظ، وجاءت الرواية محل الشاهد الذي يريده المصنف في مسند السراج (661) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ:"صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمِيعِ تَفْضُلُ عَلَى صلَاته وَحده خمسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً"، وفي الروض البسام بتريب وتخريج أحاديث أبي تمام (290) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ:"صلاةُ الجميع تَفْضُل صلاةَ الرجل وحده بضع وعشرين صلاة أو: خمس وعشرين صلاة".
(3)
صحيح: رواه أحمد في مسنده برقم (25423)، وقال الأرنؤوط في تعليقه عليه: صحيح على شرط البخاري.
(4)
انظر: إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص 197)، شواهد التوضيح (ص 154)، شرح التسهيل (3/ 192)، الهمع (2/ 470).
الثّلث" أو نحوه، أو خبر مُبتدأ محذُوف، أو مبتدأ وخبره مُضمر.
قال: ويصحّ فيه النّصب على الإغراء، أو مفعُول بفعل مُضمر.
وبالوَجْهين ضبطناه. (1)
قوله: "إنك إن تذر": جاز في الفعل الجزم على أنّ "إنْ" حرف شرط، وجاز فيه النصب على أنّ "أنْ" المصدرية الناصبة للفعل.
فعلى التقدير الأوّل: يكون جواب الشرط محذوفًا، تقديره:"فهو خير"، ويكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بـ "الفاء"، وأبقى الخبر. (2)
قال ابن مالك: وهذا فيما زعم النحويون مخصُوصٌ بالضرورة. وليس كذلك، بل أكثر استعماله في الشّعر، وقيل: في غيره.
فمن وروده في غير الشعر: قراءة طاووس: "وَيَسْأَلُوَنَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ أَصْلِحْ لهم خَيْرٌ"(3)، أي:"فهو خير".
قال: وهذا إن لم يُصرّح فيه بأداة الشّرط، فإنّ الأمر مُضمَّن معنى الشرط، فكان ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق الجوَاب، واستحقاق اقترانه بـ "الفاء"؛ لكونه جملة اسمية. ومَن خَصّ هذا الحذْف بالشّعر حَاد عن التحقيق، وضيَّق حيث لا تضيق. (4)
قلت: وأمّا مَن روى: "إنك أنْ تذر" بالنّصب فبَيِّنٌ، على أنَّ "إنك":"إنَّ"
(1) انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض (2/ 353، 354)، وإكمال المُعْلِم (5/ 364)، والتنوير شرح الجامع الصغير (5/ 252).
(2)
راجع: التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 252).
(3)
سورة [البقرة: 220]. وقد ذكر الزمخشري والثعلبي أنّ طاوسًا قرأ: "قل إصلاح إليهم". وذكر ابن جني أنه قرأ: "قل أَصْلِحْ إليهم". انظر: الكشاف (1/ 263)، وتفسير الثعلبي (2/ 154)، المحتسب لابن جني (1/ 122).
(4)
انظر: شواهد التوضيح (ص 192).
واسمها، و"أن تذر" محلّه رفع بالابتداء، وخبره "خير"، والجملة من المبتدأ والخبر خبر "إنّ"، والتقدير:"إنّك تركك ورثتك أغنياء خَير من أنْ تذرهم عَالة"، فـ "أنْ تذرهم" في محلّ جر بـ "مِن".
واستُعمل مُضارع "وَذَرَ"، وهو و"وَدَعَ" مما استغنت العَرَب عنهما في الفصيح، وعن اسم فاعلهما بـ "تارك"، وعن اسم مفعولهما بـ "متروك"، وعن مصدرهما بـ "الترك"، وسُمِعَ:"وَذَرَ"، و"وَدَعَ"(1).
قال القَاضي عياض: ضَبطنا "أَنْ تَذَرَ" بفتح "الهمزة"، وقد وَهِمَ بعضُهم؛ فقال:"إنْ" بالكَسر، وله وَجْه في الكَلام لا يبْعُد.
ثم قَال في موضع آخر: رَوَيناه بالفتح والكَسر في "إنْ"، وكلاهما له معنى. (2)
قوله: "أغنياء": مفعول بـ "أنْ"، إن جعلت "وذر" بمعنى "صيَّر"، وإلا فهي حال، و"وذر" بمعنى "ترك"، و"ترك" من أفعال الصيرورة، كـ "جعل"، و"ردَّ"، و"اتخذ"، و"صير"، و"وهب" في قولهم:"وهبني اللَّه فداك"(3).
قوله: "عالة": هو مثل الأوّل، إما مفعول بـ "أنْ"، أو حال إن قدَّرت "تذرهم" بمعنى "تخليهم". وكذلك قوله:"يتكففون الناس" حالٌ ثانية مُؤكّدة. والحالُ تقع مُؤكّدة (4)، بخلاف الخبر.
قوله: "وإنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وَجْه اللَّه": الجملة الكُبرى في محلّ خبر
(1) انظر: البحر المحيط (10/ 496)، الصحاح للجوهري (2/ 845)، الكتاب (4/ 67)، إسفار الفصيح (1/ 185، 230، 569)، شرح التصريح (2/ 41)، الهمع للسيوطي (3/ 22)، جامع الدروس العربية (1/ 64).
(2)
انظر: إكمال المعلم (5/ 365).
(3)
انظر: شرح الأشموني (361/ 1 وما بعدها إلى 363).
(4)
انظر: شرح ابن عقيل (2/ 276)، وشرح المفصل (2/ 21).
"إنَّ"، والجملة الصّغرى في محلّ صفة لـ "نفقة".
والضّمير في "بها" يعود على "النفقة".
و"وَجْه اللَّه" بمعنى: "ثواب اللَّه".
و"نفقة" جَاءت هُنا بمعنى "مُنفَقًا". و"المنفق": اسم مفعول، كـ "الخلق" بمعنى "المخلُوق".
قوله: "إلا أُجرت عليها": "أُجرتَ" فعل ماض مبني لما لم يُسم فاعله، و"التاء" مفعول لم يُسمّ فاعله، و"عليها" يتعلّق به.
والجملة في محلّ الحال من فاعل "تنفق".
وهذه الحال الواقعة بعد "إلّا" على هذه الصّيغة لا تدخُلها "قد"، وكذلك إذا كان الماضي فيه معنى الشرط، نحو:"لأضربنه ذهب أو مكث"، أي:"إن ذهب أو مكث"(1)، أي:"ذاهبًا وماكثًا".
وقد تقدّم في السّابع من أوّل الكتاب ذكر ذلك.
قوله: "حتى ما تجعل فِي فِي امرأتك": "حتى" حرفُ غاية، وهي هنا داخلة على الاسم، وهو "ما" الموصُولة وصِلتها، والتقدير:"حتى [الذي] (2) تجعله"، فيجوز أن تكُون [للغاية](3)، ويكون محلّ الصّلة والموصُول جَرًّا.
ويحتمل أن تكُون حرفَ ابتداء، فتكُون الصّلة والموصُول في محلّ رفْع بالابتداء، والخبرُ محذُوف، والتقدير:"حتى الذي تجعله فِي فِي امرأتك تُؤجَر عليه"(4). وقد تقدّم الكلام على "حتى" وأقسامها في الحديث [الثّاني](5) من أوّل
(1) انظر: شرح التسهيل (2/ 359، 370 وما بعدها).
(2)
بالنسخ: "التي". والمثبت من المصدر.
(3)
سقط من النسخ، والسياق يقتضي إثباتها.
(4)
انظر: إرشاد الساري (8/ 354).
(5)
سقط من النسخ.
الكتاب. وجاءت "حتى" هنا على شرطها من الغاية، وفي كون ما بعدها آخرًا لما قبلها، وأقلّ منه في الكمّية، وقد تقدّم ذلك.
و"جعل" تقدّم الكَلام عليها وعلى أقسَامها في الحديث الرّابع من أوّل الكتاب. ويحتمل أن تكُون هنا بمعنى "صار"، وخبرها في المجرور. ويحتمل أن تكُون بمعنى "ألقى"، أي:"حتى ما تلقيه فِي فِي امرأتك".
قوله: "فِي فِي امرأتك": "في" الأولى حرفُ جر، والثانية اسم "فم"، تقدّمت في الثاني من "الأذان"، وعلامة الجر فيها:"الياء".
قال الشّيخ تقيّ الدّين: لفظُ "حتى" هنا يقتضي المبالغة في تحصيل الأجر بالنسبة إلى المعنى، كما يُقال:"جاء الحاج حتى المشاة"، و"مات الناس حتى الأنبياء". فيمكن أن يُقال: إنّ سبب هذا ما أشرنا إليه من توهّم أنّ أداء الواجِب قد يُشعر بأن لا يقتضي غيره، ولا يزيد على براءة الذّمة.
ويحتمل أن يكون ذلك دفعًا لما عسَاه يتوهّم من أنَّ إنفاقَ الزّوج على الزّوجة واجبًا أو غير واجب، لا يُعارض تحصيل الثّواب إذا ابتغى بذلك وَجْه اللَّه تعالى (1).
قوله: "قال: فقلتُ: يا رسُول اللَّه": أي: "قال سعد".
"أُخَففُ بعد أصحابي؟ ": الجملة كُلها محكيّة بالقَول.
والعامل في "بَعْدَ": "أُخلَّف". وفيه حذف همزة الاستفهام، أي:"أَأُخلَّف بعد أصحابي؟ ".
قوله: "قال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم". "إنك لن تُخلَّف": جملة "لن تخلف" خبر "إنّ"، ورُوي:"إنّك إنْ تُخلَّف"(2).
وفي كلام الباجي وتفسيره ما يقتضي أنّ "لن" بمعنى "إنْ" الشّرطية؛ لأنّه
(1) انظر: إحكام الأحكام (2/ 163).
(2)
صحيح: رواه أبو داود (2864).
فسرها بـ "إنك إنْ يُنسأ في أجلك"، أو:" [إنْ] (1) تخلَّف بمَكّة".
وإنما أراد أن يخرج الكلام على الخبر بالتأويل؛ لأنّ "لن" لنفي المستقبل محققًا، والمرادُ هنا احتماله وتوقّعه. (2)
قال أبو [عمر](3): يحتمل أنّ سعدًا لما سَمع قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وَجْه اللَّه"، و"تنفق" فعل مُستقبل أيقن أنّه لا يمُوت من مَرضه ذلك، أو ظنّ ذلك؛ فاستفهمه:"هل يبقى بعد أصحابه؟ "، فأجابه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنوع من قوله:"إنّك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وَجْه اللَّه"، وهو قوله:"إنك لن تخلف فتعمل عَملًا صالحًا إلا ازدَدت به، ولعلّك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون"، وهذا كُلّه ليس تصريحًا، ولكنّه قد وقَع كُلّ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (4).
قوله: "فتعمل": معطوفٌ على "تخلَّف". ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار "أنْ" في جَواب النفي، لأنّ "الفاء" فيها معنى السّببية، فيكون التقدير:"إنّك إن تخلف يكن ذلك التخلف سببًا لفعل خَير"، وهي "زيادة الدّرجَات"، ويحسُن ذلك مع تقدير الشّرط. ويجوز أن يكون في الكلام شرط مُقدّر؛ لأنّه لما سأل، فقال:"أَأُخلَّف عن أصحابي فتبطل هجرتي؟ "، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك إن تخلف بسبب المرض عنهم"، ويكون علمًا من أعْلام النبوة، ثُم حذف ["إن تخلف"](5)، وعطف عليه:"فتعمل عملًا تبتغي به وَجْه اللَّه إلّا ازددت به دَرَجة". ويدلّ على هذا الحذف قوله بعد هذا: "ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون".
وقد وَرَد في الكتاب العزيز حذْف حرف الشرط وجَوابه في قوله تعالى: {إِنَّ
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "من".
(2)
انظر إرشاد الساري (6/ 235).
(3)
بالنسخ: "عمرو".
(4)
انظر: التمهيد لابن عبد البر (8/ 387).
(5)
بالنسخ: "وإن تخلف".
لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118]، تقديره:"إن أقمت على الطاعة فلك ألا تجوع"(1).
تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ.
قال أبو البقاء: ومنه في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ. . . وَلَو بشِقّ تمْرَة"(2).
قال: يحتمل أن يكون أراد الشرط، أي:"إن تصدق رجُل ولو بشيءٍ حقير من ماله أثيب عليه"، فحذف حرف الشرط وجَوابه للعلم به، كالآية (3).
أمَّا في حديثنا هذا: فيتوجّه أن يكُون "ازددت" جَواب "إنْ" الشّرطية، و"إلّا" زائدة، كما قيل بزيادتها في [قوله] (4):
حراجيجُ لا تنفك إلا مُنَاخَةً
…
على الخَسْفِ أوْ [نرمي](5) بها بلدًا
قال الأصمعي وابن جني وابن مالك: و"الحَرَاجِيجُ": جمع "حُرْجُوج"، وهي "الناقة الطويلة العُنق"(7)، و"على الخَسْف" بفتح "الخاء":"قلة العلف".
قالوا: والشاهد فيه برفع ["نرمي"](8) وكان حقّه النصب بإضمار "أنْ" بعد "أو".
والشّاهد الثاني: زيادة "إلّا"؛ لأنّ "إلّا" لا تدخُل في خبر "ينفك"؛ لأنّ "لا"
(1) انظر: عقود الزبرجد (1/ 316، 317).
(2)
صحيح: مسلم (1017/ 69)، من حديث جرير.
(3)
انظر: عقود الزبرجد (1/ 316، 317).
(4)
مكررة بالأصل.
(5)
بالنسخ: "ترمي" والمثبت من المصدر، ولم أقف على رواية بالتاء.
(6)
البيت من الطويل، وهو لذي الرمة. انظر: المعجم المفصل (3/ 131).
(7)
انظر: التلخيص في معرفة أسماء الأشياء (357)، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 421)، والإعلام بتثليث الكلام (142).
(8)
بالنسخ: "ترمي".
للنفي، و"ينفك" للنفي، فمعنى الكَلام الإثبات، فإذا دخَلت "إلّا" صار نفيًا، وكذلك منعوا:"ما زال زيد إلّا قائمًا"(1).
وعلى هذا التخريج: النّصب في "فتعمل" بالعَطف على "تخلف" لفظًا، والمعنى على الجزم.
وتقدّم الكلام على ["لن"](2) في الحديث الثّاني من "باب العيدين".
قوله: "عملًا": مفعول بـ "تعمل"؛ لأنّ المصدر جاء [بمعنى](3): "شيئًا معمولًا"، [أو:"خيرًا] (4) معمولًا".
قوله: "تبتغي به وجْه اللَّه": جملة في محلّ صفة لـ "عملًا".
قوله: "ازددت": إن صحّ [تخرّجت](5) جوابًا، وإلا [فهو](6) في محلّ الحال من فاعل "تبتغي"، و"درَجَة" مفعولٌ بـ "ازددت"، و"رفعة" معطوف عليه.
قوله: "ولعلّك": "لعلّ" من أخوات "إنَّ"، تنصب الاسم وترفع الخبر، "الكاف" اسمها، و"أن تخلف" خبرها.
وتقدّم في السّادس من "الاستطابة" الكّلام على "لعلّ".
ولها أربع مواضع: -
1 -
تكون للتوقّع لأمر ترجُوه أو تخافه، نحو قولك:"لعلّ زيدًا يأتينا"،
(1) انظر: اللباب فى علل البناء والإعراب (1/ 170)، وشرح التسهيل (1/ 357).
(2)
بالنسخ: "أن". والصواب ما أثبتناه اعتمادًا على فهرس المصنف، وبالرجوع إلى الحديث الثاني من باب العيدين، واللَّه أعلم.
(3)
غير واضحة بالأصل. وفي "ب": "لمعنى".
(4)
تكرر في الأصل.
(5)
غير واضحة بالأصل.
(6)
كذا بالأصل.
و"لعلّ العدو يُدركنا"، ولا تدلّ على قطع أنه يكُون ولا يكُون.
2 -
وتكون شكًّا بمعنى "عسى"، كقولك:"لعل زيدًا في الدار"، و"لعل زيدًا أن يقوم"، وهي هنا بهذا المعنى، إلا أنّ ذلك كان يقينًا ببركته صلى الله عليه وسلم.
3 -
وتكون استفهامًا، نحو قولك للرجل:"لعلك تشتمني"، تريد "هل تشتمني؟ ".
4 -
وتكون بمعنى "كي"، كقولك:"زرني لعلي أنفعك". قال اللَّه تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]. (1)
قوله: "حتى ينتفع": "حتى" حرفُ غاية ونصب، أي:"إلى أن"، والفعل معها مستقبل. ويجمع "قوْم" على "أقوام"(2)، وإن كانت أسماء الجموع لا تثنى ولا تجمَع إلا لتنوّعها. و"أقوام": فاعل "ينتفع".
و"آخرون" مفعول لم يسم فاعله لـ "يُضَرَّ".
و"آخرون": جمع "آخر"، ومُفرده لا ينصرف، وجمعه مُعرَب بالحروف. و"آخر" في التفضيل لا فعْل له. وإنما جمع لأنّه لم يُستعْمَل بـ "مِن"، وتقدّم في الثّالث من "العيدين".
قوله: "اللُّهم أمض": تقدّم الكلام [على](3)"اللهم" في الأوّل من "الاستطابة". و"أمضِ": أمر من "أَمْضَى". و"هجرتهم": مفعول به، و"لا تردهم" معطوفٌ عليه، والفعلُ مجزومٌ بالدّعاء.
وفي "ردَّ" وما هو مثله إذا جُزم ثلاثةُ أقوال: الضّم، والفتح، والكسر (4).
(1) انظر: أوضح المسالك (1/ 315).
(2)
انظر: شرح أبي داود للعيني (1/ 266)، والصحاح (5/ 2016).
(3)
سقط من الأصل. والمثبت من "ب".
(4)
انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (4/ 273 وما بعدها إلى 275)، والموجز في =
قوله: "على أعقابهم": المعنى: "لا تردهم إلى حالتهم الأولى من ترك الهجرة"، و"على" يتعلّق بحال، أي:"لا تردهم ناكصين على أعقابهم"، أي:"إثر أعقابهم".
قوله: "لكنِ البائسُ سَعد بن خولة": هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم يُقال: "بئس"، "يبأس"، "بؤسا" و"بأسًا":"افتقر"، و"اشتدّت حاجته"، والاسم منه:"بائس"(1).
وتقدّم الكلام على "لكن" في الحديث الأوّل من "باب الحيض".
و"البائس" مبتدأ، و"سعد" بَدَل منه أو عَطْف بيان، و"ابن خولة" صفة لـ "سعد". وخبر المبتدأ محذوف، أي:"أتوجَّع له"، أو:"يغفر اللَّه له".
ثم فسّر الرّاوي ما حَذفه النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يرثي له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ مات بمكّة"، فـ "أن" معمُولة لـ "يرثي"، على أنّ المحلّ مجرور بـ "لام" التعليل، أي:"لأجل أنْ مات بمكّة"، فهو مفعول له.
قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون قوله: "أنْ مات بمكّة" من قول النبى صلى الله عليه وسلم و"يرثي له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" من قول غيره (2).
وعلى هذا: يكُون قوله "أن مات بمكّة" مُتصلًا بقوله: "لكن البائس سعد بن خَولة"، ويكُون الخبر محذوفًا، كما تقدّم، ويكون قوله:"يرثي" مُتأخرًا في المعنى.
قال القاضي: ورُوي في حديث آخر: "لكن سعد بن خولة البائس قد مات فى الأرْض التى قد هَاجر منها". (3)
= قواعد اللغة العربية (ص 30، 31).
(1)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 89)، وعمدة القاري (14/ 33).
(2)
انظر: إكمال المعلم (5/ 367).
(3)
انظر: إكمال المعلم (5/ 367).