الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرّابع:
[280]
: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَعَلَ"، وَفي لَفْظٍ:"قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فَي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ"(1).
اختلفت الرّواية في "جعل"، و"قضى"، لكن "قضى" يتعدَّى بـ "الباء"، و"جعل" يتعدى بنفسه، فالذي في لفظ الحديث مبني على "قضى"، وكان الواجب أن يعمل "جَعل"؛ لأنّ القاعدة في قولهم:"وفي لفظ" أنّ ذلك زيادة على أصل الحديث، فتقدير الحديث:"عن جابر بن عبد اللَّه قال: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الشّفعة"، فحذف "الشفعة" من الأوّل لدلالة الثاني عليه، وهو "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة"، ولا يكون هذا من باب التنازع (2)؛ لأنه لم يرد أنّ اللفظين توجّها لمعمول واحد، وإنما أراد أن يجعل أحَد اللفظين في محلّ الآخر، و"في لفظ" رواية؛ فيكون المبتدأ [محذوفًا](3)، والخبر يدلّ عليه.
قوله: "في كُلّ ما لم يقسم": متعلّق بـ "قضى"، أو بـ "جعل"، إن قدّرت "جعل الشفعة"، ويجيء فيه خلاف التنازع.
و"ما" موصولة بمعنى "الذي"، والصّلة جملة:"لم يُقسم"، والعائد المفعول الذي لم يُسمّ فاعله، وهنا محذوف، أي:"فيما لم يقسم من العقار".
ويحتمل أن تكون "ما" نكرة موصُوفة، والجملة صفتها، والصّلة والموصول أو الصّفة والموصوف في محلّ جر بحرف الجر.
قوله: "فإذا وقعت الحدود": تقدّم الكلام على "إِذَا" وفعلها وجوابها في ثاني
(1) رواه البخاري (2213) في البيوع، ومسلم (1658) في المساقاة.
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 641) توضيح المقاصد (1/ 135).
(3)
بالنسخ: "محذوف".
حديث من أوّل الكتاب. وأمّا "وقعت": فمُضارعه: "يقع"، وأصله:"يَوْقِع"(1)، وكان حقّه أن يقول:"يَقِع" بكسر "القاف" في المضارع، كـ "يعد"، و"يجب"، و"يصل"، وهذا لازِم لما كان فاؤه واوًا (2).
والجواب عما وقَع مفتوحًا، مثل:"يقع" و"يهب" و"يضع": أنّ الكسرة فيه مُقدّرة، والفتحة فيه عَارضة (3)، وقد بسَطتُ القَول في ذلك في شرحي لقصيدة كعب المسمّى بـ "شفاء الفؤاد من بانت سعاد" عند قوله:
لَا يقَعُ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهِم
…
. . . . . . . . . . (4)
ومعنى "وقعت الحدود": أي: "نصبت بالقسم بين الشركاء".
وأتى بهذه العبارة -وإن كان نفس القسْم يمنع الشفعة وإن لم يقع حَد، ولم تصرَّف طريق- لأنّ كُل مقسوم لا بدّ له من حدّ يحده، وعلامة تعيّنه وتميزه، فعبر بـ "وقع" عن ذلك، لا [علي] (5) حقيقة البناء والنصب. أو يكون "وقعت" بمعنى:"بنيت" و"نزلت"، نحو قوله تعالى:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: 1](6)، فالشّفعة منتفية.
(1) انظر: شرح شافية ابن الحاجب (3/ 92).
(2)
انظر: المقتضب (1/ 88)، المنصف لابن جني (ص 201).
(3)
قال ابن مالك: "وأمّا الفتح لأجل حرف الحلق فمسموع في كل لغة في أفعال محفوظة، كوقع يقع، ووضع يضع، وودع يدع، وكنأى ينأى، ونهى ينهى، وسعى يسعى، ورعى يرعى، ولحا يلحى، ومحا يمحى". انظر: شرح التسهيل (3/ 446)، والمقتضب (1/ 88)، المنصف لابن جني (201).
(4)
صدر بيت من البسيط، وهو لكعب بن زهير، وعجزه:"وما لهم عن حياض الموت تهليل". انظر: المعجم المفصل (6/ 349).
(5)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "على". والمعنى يستقيم بما أثبتناه.
(6)
انظر: البحر المحيط (10/ 75)، والكشاف (4/ 455).