الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
الحديث الأوّل:
[298]
: عَن عَبْد اللَّه بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ منكم الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(1).
قوله: "يا معشر الشّباب": "معشر" واحد "المعاشر"، وهم "جماعات الناس، من الرجال أو النساء أو الصبيان".
و"الشباب": جمع "شاب"، ويجمع على:"شيبة"، كـ "كاتب" و"كَتَبَة".
و"معشر" مُنادى مُضاف، والمنادَى المضاف والمطول والنكرة غير المقصودة منصوبات بتقدير:"أدعو".
و"مَن" مُبتدأ شرطية، والخبر في فعلها، وقيل: في جوابها، وقيل: حيث كان العائد (2). ومحلّ الفعل الأوّل جزمٌ بالشرط، ولا يظهر فيه؛ لأنّه ماض مبني، والفعلُ الثاني مجزوم اللفظ والمحلّ بـ "لم"؛ لأنها أخصّ بالفعل، ولها قوة الاتصال دون غيرها؛ لأنها لا تدخُل على الفعْل المستقبل.
و"استطاع": يُقال فيه: "اسطاع"، [و"استطاع"](3)، و"استتاع"، مُضارعها:"يستطيع"، و"يسطيع"، و"يستيع"، و"يستتيع"، أربع لُغات (4).
(1) رواه البخاري (5065) في النكاح، ومسلم رقم (1400) في النكاح.
(2)
انظر: إرشاد الساري (9/ 401)، عقود الزبرجد (1/ 155)، مغني اللبيب (ص 608، 648)، شرح التسهيل لابن مالك (4/ 86)، همع الهوامع (2/ 554، 566)، شمس العلوم (9/ 5930).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من "ب".
(4)
انظر: شرح المفصل لابن يعيش (5/ 563)، ولسان العرب لابن منظور (8/ 242)، =
وأصل "استطاع": ["أَسطاع"](1) على وزن "استفعل"، والمحذوف "تاء" الافتعال؛ لوجود "الطاء" التي هي أصل، ولا حاجة إلى أن يُقال: المحذوف "الطاء"، وهي "فاء" الفعل، ثم أبدل من "تاء" الافتعال "طاء"(2).
و"الباءة": "النكاح".
قوله: "فليتزوج": جوابُ الشّرط، و"اللام" لام الأمر، و"اللام" مع "الفاء" ساكنة، وجاء تحريكها بالكَسر (3).
قوله: "فإنّه": "الفاء" سببية، و"إنَّ" هنا مكسورة؛ لأنها في ابتداء الكلام (4)، و"أغضّ" خبرها، وهو أفعل التفضيل، واستُعمل بـ "مِن" مُقدّرة، أي:"أغضّ من غيره". ويحتمل أن لا يكون فيه مُفاضَلة، كما قيل في قوله تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24]، وكما قيل:"الخلّ أحلى من العَسَل"(5).
قال الشّيخ تقيّ الدّين: يحتمل التفضيل، بمعنى أنّ "التقوَى" سَبب لغَضّ البصر وتحصين الفرْج في مُعارضتهما الشّهوة والدّاعي إلى النّكاح، وبعد النّكاح تضعُف هذه المعارَضَة، فيكُون أغضّ للبصر وأحْصَن للفرْج مما إذا لم يكُن، فإنّ
= وتاج العروس (21/ 466).
(1)
بالنسخ: "استاع". والصّواب المثبت بحسب المعنى والمصادر. واللَّه أعلم.
(2)
فُتحت همزة "أَسطاع" بسبب نقل حركة التاء المحذوفة إليها. انظر: عمدة القاري (15/ 235)، إرشاد الساري (5/ 338)، وشرح المفصل (5/ 562، 563)، واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 277)، وشرح المفصل (5/ 563).
(3)
انظر: الجنى الداني (ص 111، 112).
(4)
انظر: الجنى الداني (404).
(5)
انظر: البحر المحيط (2/ 418)، الدر المصون (8/ 475)، وفتح البيان في مقاصد القرآن (9/ 300)، شرح التسهيل (3/ 60)، شرح الأشموني (2/ 306)، والصبان (3/ 71).
وقوعَ الفعل -مع ضعف الدّاعي إلى وقُوعه- أندَر من وقُوعه مع وجود الدّاعي. والحوالة على الصّوم؛ لما فيه من كسر الشّهوة، فإنّ شهوة النّكاح متابعة لشَهوة الأكل، تقوَى بقُوّتها، وتضْعُف بضَعفها (1).
و"الباءة": فيه أربع لُغات، الأولى:"الباءة" بالمد، والثانية:"الباه" بالقصر، والثالثة:"الباء" بالمد بلا "هاء"، والرابعة:"الباهة" بهاءين بلا مَدّ (2).
قوله: "فإنَّه": الضّمير يعود على "الزواج"، وكذلك ضمير "أغض" و"أحصن".
قوله: "ومَن لم يستطع": تقدّم مثله.
وقيل في قوله: "فعليه بالصّوم": إنّه إغراء للغائب (3).
وقد منعه قوم من أهل العربية (4)، قالوا: لأنّ "الهاء" في "عليه" لمن خصَّه من الحاضرين بعدم الاستطاعة لتعذر خطابه بـ "كاف" الخطاب، فهي لحاضر قطعًا لا لغائب، وإن كان وضع "الهاء" أن تكون للغائب، وهذا كما تقول لرجال:"مَن قام الآن منكم فله درهم"، فهذه "الهاء" لمن قام من الحاضرين لا لغائب (5).
ومتى قيل: هو من باب الإغراء، فإعرابه كإعراب:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105](6)، وقد تقدّم الكلام على ذلك في الحديث الرّابع من "باب الصّوم
(1) انظر: إحكام الأحكام (2/ 169).
(2)
انظر: شرح النوويّ على مسلم (9/ 173)، وطرح التثريب (7/ 3).
(3)
انظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (2/ 274).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 169).
(5)
انظر: رياض الأفهام (4/ 572)، والتوضيح لابن الملقن (13/ 87).
(6)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 342)، التبيان في إعراب القرآن (1/ 465)، اللباب لابن عادل (6/ 300)، (7/ 558)، البحر المديد (2/ 84).
في السّفر".
ويكون "عليه" بمعنى: "فليُلزم نفسه الصّوم"، تقول:"ألزمته كذا"، و"ألزمته بكذا". و"الهاء" مجرورة بـ "على"، كما كانت قبل الإغراء.
وقيل في "عليك"، و"رويدك"، و"هيهات": إنّ موضعها رفع، وقد سدّ فاعلها مسدّ الخبر. وقيل: موضعها نصب؛ لأنها عبارة عن لفظ الفعل؛ فأشبهت المصادر النائبة عن الفعل (1).
فإن قدّرت أنّ اللفظة ليست من باب الإغراء: "فعليه" جار ومجرور، والضّمير يعود على "مَن"، والتقدير:"فعلى مَن لا يقدر على الباءة كسر الشهوة بالصّوم؛ فإنه له وجاء"؛ فيكون "بالصّوم" متعلّقًا بالمصدَر المقدّر، والجملة المحذوفة مفهُومة من سياق الكلام.
ومعنى قوله: "أحْصَن للفرج": "أَعَفُّ"، ولم يرد به أفعل التفضيل؛ لأنه لا يكون من رباعيٍّ، ولا يُقال:"حصنت المرأة"، ولا:"حصن الرجل"، ويقال:"أَحصَنا"، و"أُحصِنا"، ويقال:["محصَنات"](2) بفتح "الصّاد"، و"محصَنات" بكسرها. ويُقال:"حصُنت المرأة"، بضم "الصّاد"، "حُصْنا"، بضم "الحاء" وسكون "الصاد"، إذا "عفَّت"، فهي:"حاصِن" و"حَصَان"(3).
قوله: "فإنّه له وجاء": "إنّ" واسمها، و"وجاء" خبرها، و"له" متعلّق بصفة، تقدّمت، فانتصبت على الحال.
و"وجاء" بالمد. و [الوَجْء](4): أن "تُرَضَّ أُنْثَيَا الفحل رضًّا شديدًا يُذهب
(1) انظر: اللباب في علوم الكتاب (7/ 558)، الدر المصون (4/ 451).
(2)
بالنسخ: "محصنا". والصواب المثبت. وانظر: مشارق الأنوار (1/ 205، 206).
(3)
انظر: الصّحاح (5/ 2100، 2101).
(4)
بالنسخ: "الوجئ"، وما أثبتناه وفق قاعدة الهمزة المتطرفة إذا سُبقت بساكن، فهي =