الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثمرة" وفيها تفسيرٌ لما أُجمِل؛ لأنَّ "البيعَ" يُطلق على "الشراء"، يقال: "بعتُ الشيءَ"، بمعنى: "اشتريته" (1)، فجاءت الجملة مبيِّنةً لهذا الإجمال.
الحديث الخامس:
[257]
: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حتَّى تُزْهِيَ". قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: "حتَّى تَحْمَرَّ". قَالَ: "أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يسْتَحلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ! "(2).
جملة "نهى" في محلّ خبر "أنّ".
وتقدّم الكلام على "حتى" ومتعلّقها.
قوله: "وما تُزهي؟ ": "ما" استفهامية، و"تُزهي" الخبر عن "ما"، أي:"وما إنماؤها؟ ". فـ "تُزهِي" هنا محكي لفظه، كقوله لمن قال:"رأيتُ زيدًا": "مَن زيدًا؟ "، فـ "زيدًا" خبر عن "من"؛ لأنه حكى لفظ "زيد" الأوّل (3).
وكذلك هنا حكى "تُزهِي" الأوّل؛ فجعله اسمًا خبرًا.
والأصل: "تزهُو"؛ لأنه من "الزهو". فكان لقلب الواو "ياء" مُوجبان، أحدُهما: وقوعها رابعة. والثاني: كسر ما قبلها، فهو كـ "يُدْعي" و"يُغْزي" إذا عُدِّيت بهمزة النقل، فلما انقلبت الواو "ياءً" صار "تُزْهِي"(4).
ويُقال: "زهى النخل" زهوًا. و"أزهى" لُغة (5).
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 174).
(2)
رواه البخاري (2198) في البيوع، ومسلم (1555) في المساقاة.
(3)
انظر: الكتاب لسيبويه (2/ 413)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 49)، شرح الكافية الشافية (4/ 1719).
(4)
انظر: رياض الأفهام (4/ 252).
(5)
انظر: رياض الأفهام (4/ 252)، الصّحاح (6/ 2370).
فقوله: "قال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم": "حتى تحمر"؛ فـ "حتى" حرفُ غاية، و"تحمر" منصُوبٌ بإضمار "أن" بعدها، ويتعلّق بـ "بيع"؛ لأنّه مصْدَر، أي:"عن أن تبيعوا حتى تُزهِي".
قوله: ثم "قال صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن منع اللَّه الثمرة": "أرأيت" هنا بمعنى: "أَخبِرْني"؛ فهي عِلْمية، تتعدّى إلى مفعولين، الثاني [استفهام](1).
ومتى كانت بمعنى "أخبرني" جاز أن لا تلحقها "الكاف"؛ وتختلف "التاء" باختلاف المخاطَب، وجاز أن تلحقها؛ ويكون الاختلاف في "الكاف"، وتبقى "التاء" مفتوحة (2).
ومذهبُ البصريين أنّ "التاء" ضمير الفاعل، و"الكاف" حرف، أغنى الاختلاف فيهما عن اختلاف "التاء".
ومذهبُ الكسائي أنّ "التاء" فاعل، و"الكاف" ضمير المفعول الأوّل.
ومذهبُ الفرّاء أنّ "التاء" حرفُ خطاب، كهي في "أنت"، و"الكاف" بعده في موضع الفاعل استعيرت من ضمائر النصب للرفع (3).
إذا ثبت ذلك: فيحتمل أن يكُون المفعُول الأوّل -على مذهب الكسائي- محذوفًا، تقديره:"أرأيتكم". والمفعولُ الثّاني من معنى قوله: "بم يأخُذ أحَدكم" أي: "يأخُذها بلا عوض".
قوله: "بم": حُذفت "الألِف" من "ما" الاستفهامية على القَاعِدة (4).
وحرف الجر يتعلّق بـ "يستحلّ"، وكان حقّه أن يتأخّر عن العَامل، إلا أنّ
(1) غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "استفهامًا". وقد يكون أصل الجملة: "يكون استفهامًا". وانظر: البحر المحيط (6/ 68).
(2)
انظر: البحر المحيط (4/ 508)، الجنى الداني (ص/ 92)، الهمع (1/ 302).
(3)
انظر: البحر المحيط (4/ 508)، همع الهوامع (1/ 302).
(4)
انظر: مغني اللبيب (ص/ 393).
الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
وتقدّر "الفاء" في قوله: "بم يستحل؟ "، أي:"فبم يستحل؟ "؛ فيكون جَوابًا. وحَذْفُ "الفاء" من الجواب كثير (1)، منه قوله:
مَن يَفْعَل الحسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها
…
. . . . . . . . . . (2)
ومنه قوله في الحديث: "إنّك إنْ تَذَرَ وَرَثتَكَ أَغْنيَاءَ خَيرٌ مِن أنْ تَذَرَهُم عَالةً"(3)، أي:"فهو خيرٌ"(4).
والصّوابُ الذي اختاره أبو حيّان أن يكُون الجواب في مثل هذا محذوفًا (5)، أي:"إن منع اللَّه الثمرة فأخبروني ماذا يصنع. . .؟ ".
ونظيره: "أنت ظالم إن فعلت"، أي:[". . . إن فعلت فأنت ظالم"](6).
وقد اختار الزّمخشري في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} (7)
(1) انظر: شواهد التوضيح (ص 193)، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص 55)، سر صناعة الإعراب (1/ 275)، شرح التسهيل (4/ 76)، خزانة الأدب (9/ 49)، أمالي ابن الشجري (1/ 124)، مغني اللبيب (ص 80)، الهمع (2/ 555 وما بعدها).
(2)
صدر بيت من البسيط، وهو لكعب بن مالك، وقيل: لعبد الرحمن بن حسان. وعجزه: "والشَّرُّ بالشَّرَّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ". انظر: الكتاب (3/ 64، 65)، أمالي ابن الشجري (2/ 144)، سر صناعة الإعراب (1/ 275)، المعجم المفصل (4/ 73)، (8/ 182، 207).
(3)
متفقٌ عليه: البخاري (1295)، ومسلم (5/ 1628).
(4)
انظر: شواهد التوضيح (ص/ 193).
(5)
انظر: البحر المحيط (3/ 20).
(6)
هي في البحر المحيط (3/ 20): "أنت ظالِمٌ إن فعلتَ فأنت ظالِمٌ".
(7)
بالنسخ: "أرأيتم".