الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني:
[254]
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تَلَقَّوا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَينِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ"(1).
وَفِي لَفْظٍ: "هُوَ بِالخيَارِ ثَلاثًا"(2).
قوله: "لا تلقَّوا الركبان": "لا" ناهية. "تلقَّوا" أصله: "تتلقيوا" فحُذف منه "التاء" الأصلية، وبقيت "تاء" المضارعة؛ لأنها جاءت لمعنًى، ثم إنّ "التاء" لما تحرّكت وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا، ثم حُذِفت؛ لسكونها وسكون "الواو".
و"تلقي الركبان": هو أن [يَستقبِلَ](3) الحضَريُّ البدويَّ قبل وصوله إلى البلد، ويخبره بكَسَاد ما معه كذبًا؛ ليشتري منه سلعتَه بالوَكْسِ، أو أقل من ثمن المِثْل، وذلك تغريرٌ محرَّمٌ (4).
"ولا يبعْ بعضُكم على بيعِ بعضٍ": معناه: أن يحصُلَ التراضي بين المتبايعين، ويتراكنا، فيجيءُ مَن يُفسدُ ذلك التراضي، ويقول: عندي في السلعة كذا، لما هو أكثرُ من الذي تراضيا عليه.
فـ "لا" ناهية، و"يبع" مجزوم بالنهي، و"بعضُكم" الفاعل. و"على بعض" متعلِّق بـ "لا يبع"، ومعنى الاستعلاء ظاهر في التفسير المتقدّم.
قوله: "ولا تناجشوا": معطوفٌ على ما قبله.
(1) أخرجه البخاري (2150) في البيوع، ومسلم (1515)(11) في البيوع.
(2)
أخرجه مسلم (1524)(24)، (25) في البيوع.
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من "النهاية" لابن الأثير.
(4)
انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 266).
و"النَّجَشُ": "أن يمدَح السّلعة لينفقَها، أو يزيدَ في ثمنِها، وهو لا يُريد شراءها لنفع غيره فيها". والأصل فيه: "تنفيرُ الوحش من مكانٍ إلى مكانٍ". ومنه في الحديث: "لَا تَطلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى ينْجُشُها ثَلثمائة وَسِتّون مَلكًا"(1)، أي:"يَستثيرونها"(2).
قوله: "ولا يبعْ حاضرٌ لبادٍ": "حاضر"[صفة](3) لموصوفٍ محذوفٍ، أي:"لا يبع رجلٌ حاضرٌ لرجلٍ بادٍ". وحَذْفُ الموصوفِ إذا عُلِم جائزٌ (4). وقد تقدّم ذكر المواضع التي يُحذف فيها الموصوف في الثاني من "التيمم"، وفي الثامن من "باب صفة الصلاة".
قوله: "ولا تُصَرّوا [الإبلَ] (5) ": قال القاضي: كذا ضبطنا هذا الحرف على المتقنين من شيوخنا "تُصَرُّوا" بضمِّ "التاء"، وفتح "الصاد" المهملة، وبعد "الراء" واو وألِف، وفتح "لام""الإبل"، على المفعول. وكان بعضهم -وهو شيخنا (6) أبو محمّد بن عتاب، وحكاه لنا عن أبيه- يقول؛ ليقرِّبَ فهمَه على الطلبة، ويرفعَ إشكالَه: هو مثل: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32](7). وهو الصّوابُ على مذهب الكافّةِ في شرح "المصرَّاة" واشتقاقها.
قال القاضي: وقد رُوّيناه عن بعضهم في غير "مسلم": "لا تَصُرُّوا الإبلَ" بفتح
(1) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة"(4/ 1149، 1150)، من حديث ابن المسيب، وهي في هذا الكتاب:"ينخسها" لا "ينجشها"؛ فلعله تصحيف في أحدهما.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 21).
(3)
سقط من النسخ.
(4)
انظر: البحر المحيط (1/ 504).
(5)
كذا بالنسخ. وتقدّم بالمتن أنها: "الغنم". ولكن هذا وارد في "صحيح مسلم".
(6)
هذا من كلام القاضي عياض.
(7)
انظر: مشارق الأنوار (2/ 43).
"التاء" وضم "الصاد"، من "الصَّرِّ". وعن بعضهم: بضم لام "الإبل"، و"تُصَرّ" بغير "واو" بعد "الراء" على ما لم يسمَّ فاعلُه، من "الصَّر" أيضًا، وهو:"الربطُ"(1).
قال الشيخ تقيّ الدّين: لا تصحّ هذه الرّواية (2) مع اتصال ضمير الفاعل، وإنما تصحّ مع إفراد الفعل، ولا نعلم رواية حُذف فيها هذا الضمير.
واللفظة مأخوذة من "صَريتُ في الحوض الماءَ"، إذا "جمعته"، و"صريته" بالتخفيف والتشديد. و"المصراة": هي "التي تربط أخلافُها ليجتمع اللبنُ".
ولا خلاف أنّ التصرية حرام؛ لأجل الغش والخديعة للمشتري (3).
قلتُ: الأصل في "تصروا": "تصرِّيوا"؛ لأنه من "صريت"، استُثقلت الضمة على "الياء"، وقبلها كسرة، فحُذفت، ثم ضُمت "الراء" لأجل "الواو" (4). وأمّا مَن رواه:"لا تَصرّوا" بفتح "التاء": فبيِّنٌ.
والذي قاله الشّيخُ تقيُّ الدِّين صحيحٌ، أنها لا تجوز:"لا تُصرّوا الإبلُ" على بناء الفعل للمفعول، ورفع ["الإبل"](5)، على لُغةِ:"أكَلُوني البراغيث"(6).
فيَحتمِل أنْ يكون "الإبلُ" بالرّفع بَدَلًا من "الواو". ويَحتمِل أن يكون "الواو" علامةً، و"الإبل" مفعول لم يسمَّ فاعلُه.
وعلى ما قاله القاضي: تكون من "صرَّى"، مثل "زكَّى" رباعيًّا؛ فيكون "الواو" فاعلًا في "تصروا"، و"الألِف" مفعول.
(1) انظر: مشارق الأنوار (2/ 43).
(2)
المراد: رواية "لا تُصَرُّوا الإبلُ"، كما سيظهر بعد قليل.
(3)
انظر: إحكام الإحكام (2/ 115).
(4)
انظر: إرشاد الساري (4/ 65)، عقود الزبرجد (3/ 6).
(5)
في المخطوط: "إلا".
(6)
انظر: شرح التسهيل (2/ 116)، شرح المفصل (2/ 269).
قوله: "ومَن ابتاعها": "مَن" مبتدأ، مِن أسماء الشرط، والخبرُ في فعل الشرط، على المختار، وقد تقدّم الكلام على "مَن" الشّرطية، وعلى خبرها، في الحديث العاشر من أوّل الكتاب، وفي الرابع منه.
و"ابتاعها" فعل، وفاعل، ومفعول، الفاعل: ضمير مُستتر يعود على "من"، والمفعول: ضمير "المصرَّاة".
قوله: "فهو": جوابُ الشرطِ.
قوله: "بخير النظرين": حرف الجر يتعلق بالخبر، و"الباء" للإلصاق (1)، أي:"فهو مشترٍ بخير النظرين". ويحتمل أن تكون "الباء" بمعنى "في"، أو بمعنى "على"(2). و"النظرين" مضاف إليه، وعلامةُ الجر:"الياء".
و"النظرين"[بمعنى](3)"الأمرين"، إما إمساك المبيع أو رَدُّه، أيهما كان خيرًا واختاره فَعَلَه، وهذا نظرٌ معنويٌّ، لا صوريٌّ.
قوله: "بعد أن يَحْلُبَها": العامل في "بعد" الخبرُ المقدَّرُ، أي:"فهو كائن بخير النظرين". و"بعد أن يحلبها" مَقدَّر بمَصْدر، أي:"بعد حَلْبِها".
قوله: "إن رَضِيَها أَمْسَكَها": هذه الجملة مفسِّرة لـ "خير النظرين". فـ "أمسكها" جواب الشرط، وجوابُ [الثانية] (4):"رَدَّها".
[قوله](5): "وصَاعًا من تمرٍ": ويحتمل أن تكون "واو" العطف على الضّمير المفعول في "ردّها".
(1) انظر: مغني اللبيب (ص/ 137).
(2)
انظر: مغني اللبيب (ص/ 141، 142).
(3)
غير واضحة بالأصل، وتشبه:"يعني". والمثبت من (ب).
(4)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "المباينة".
(5)
الظاهر عندي أنها زائدة بالنسخ. فتكون الجملة: "ردّها وصاعًا. . . ".