الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و"نون" التأكيد تختص بالأمر والنهي والاستفهام والعرض والتحضيض والقسم، وقلَّ مجيئها في النفي (1). وتقدم القول عليها في
الحديث الخامس
من الأول.
قوله: "حَكَمٌ": هو بفتح "الحاء" و"الكاف".
وأما "الحُكْمُ" بالتسكين: فهو مصدر "حَكَمَ"، "يَحْكُمُ"، "حُكْمًا"(2).
وسُمِّي "الحاكم" حاكما؛ لأنه يمنع الظالم.
وقيل: هو من "حكمتُ الفرس" و"أحكمته"، إذا "قدعتُه" و"كففتُه".
ومن هذا "الحَكَمُ" بفتح "الحاء" و"الكاف".
ومنه الحديث: "مَا مِنْ آدَمِيِّ إِلَّا وَفِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ"(3). وفي رواية: "فِي رَأْسِ كُلِّ عبدٍ حَكَمَة، إِذَا هَمَّ بِسَيّئة"، بفتح "الحاء" و"الكاف"(4).
ومنه قولهم: "في بيته يُؤْتَى الحَكَمُ"(5).
الحديث الخامس:
[371]
: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " ثَلاثًا. قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقَالَ:"أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّوَرِ"، فَمَا زَالَ يُكَرَّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ (6).
تقدّم إعراب السّند، و"بَكْرَة" لا ينصرف للعَلَمية والتأنيث.
(1) انظر: الجنى الداني (ص 142، 143).
(2)
انظر: الصحاح (5/ 1901).
(3)
حسن: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" برقم (12939)، وحسَّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (538).
(4)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 419، 420)، ولسان العرب (12/ 142 - 144).
(5)
من أمثال العرب. انظر: لسان العرب (12/ 142).
(6)
رواه البخاري (2654) في الشهادات، ومسلم (87) في الأيمان.
قوله: "ألا أنبئكم": "ألا" استفتاح وتنبيه.
"أنبئكم" بمعنى: "أخبركم"، يتعدَّى إلى مفعولين، الثاني بحرف الجر، وقد يتعدى إليه بنفسه، كقوله تعالى:{فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} [التحريم: 3] أي: "بهذا"، فعدَّاه إليه بنفسه.
وقد يتعدى إلى ثلاثة إذا دخل على المبتدأ والخبر، ولا يجوز الاقتصار على الأول والثاني، ولا على الأول والثالث، لأن الثاني والثالث مبتدأ وخبر، فلا يحذف المبتدأ دون الخبر، ولا الخبر دون المبتدأ، فلا يجوز في:"أنبأت زيدًا العلمَ" وتحذف "حسنًا"، ولا:"أنبأت زيدًا حسنًا"، فلو قلت:"أنبأت زيدا"، فقط أو:"أنبأت العلم حسنًا"، جاز (1).
وقد تقدم الكلام على "أنبأ" و"أخبر" في الخامس من "باب فضل الجماعة".
قوله: "ثلاثًا": [صفة لمصدر محذوف، أي: "قال](2) ذلك قولًا ثلاثًا"، أو: "ثلاث مرات"، ثم حذف المضاف. ويحتمل أن يكون "ثلاثًا" بَدَل من "أكبر الكبائر"، أي: "ألا أنبئكم بثلاث"، فيكون مجرورا، ويحتمل الرفع، أي: "فهي ثلاثٌ". ويحتمل النصب على الحال من "أكبر الكبائر"، أي: "في حال كونها ثلاثا".
و"أكبر" أفعل التفضيل، استُعمل هنا بالإضافة، والتقدير:"ألا أنبئكم بخصال أكبر الكبائر"، وتقدم الكلام على "أفعل" التفضيل وما يتعلق به في الحديث الأول من "الصلاة".
قوله: "قلنا: بلى": "بلى" حرف جواب، وتقدّمت في الحديث [الثالث](3) من "باب الذكر".
(1) انظر: التعليقة على كتاب سيبويه (1/ 76)، وشرح المفصل (4/ 302).
(2)
قطع بالأصل، يظهر منه كلمة:"مصدر". والمثبت مما فهم من كلام المصنِّف.
(3)
غير واضحة بالأصل. وفي (ب): "الأول".
قوله: "قال: الإشراكُ باللَّه": أي: "هي الإشراكُ باللَّه"، فرفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، و"باللَّه" يتعلّق بالمصدر.
و"عقوق الوالدين" معطوف عليه، وهو مصدر:"عَقَّ"، يقال:"عَقَّ والده يَعُقُّه"، "عُقُوقًا" فهو "عَاقٌّ"، إذا "آذَاهُ وعصاه وخرج عليه"، وهو ضد البِرِّ به، وأصله من "العق"، الذي هو "الشق" و"القطع"(1).
قوله: "وكان متكئًا فجلس": أي: "كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئا"، جملة من "كان" واسمها وخبرها معترضة.
قوله: "فقال": معطوف على "جلس".
"ألا وقول الزور": كرر "ألا" تنبيها على استقباح "الزور" وهجانة فاعله، وكرره "ثلاثا" دون الأوَّلَيْنِ؛ لأن الناس يهون عليهم أمره، فيظنون أنه دون ما سبقه، فهوّل فيه صلى الله عليه وسلم وعظّم أمره عنده ونفَّر عنه حتى كرر ثلاثًا، فحصل في مبالغة النهي عنه بثلاثة أشياء: الجلوس وكان متكئًا، واستفتاحه بـ "ألا" التي تفيد تنبيه المخاطب وإقباله على سماعه، وتكرير ذكره ثلاثا، ثم أكّد تأكيدًا رابعًا بقوله:"قول الزور، وشهادة الزور"، وهما في المعنى واحد.
ويحتمل أن يكون "قول الزور" أعم؛ ليدخل فيه "الكذب" وغيره، ثم ثنى بـ "شهادة الزور"؛ لأنها أخص وأقوى في الفساد.
ويلزم على هذا أن يكون أربعًا، وقد قال:"بأكبر الكبائر ثلاثا" على أحد التأويلين المتقدمَيْنِ؛ فيُشكل.
قوله: "فما زال يكرّرها": أي: "يكرر: ألا وقول الزور، وشهادة الزور"؛ فيكون الضمير يعود على "الخصلة الثالثة"، وهي مجموع القولين. ويحتمل أنه كرر
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 277)، الصحاح (4/ 528).
"شهادة الزور"؛ فيعود الضّمير عليها لا غير.
و"ما زال" تقدم الكلام عليها في الثاني من "باب فضل الجماعة". وهذه هنا من أخوات "كان"، تحتاج إلى اسم وخبر، اسمها ضمير "النبي صلى الله عليه وسلم"، وخبرها في جملة "يكرّرها".
وأصل "زال" هذه: "زوِل" بكسر "الواو"، ومضارعها:"يزال"، فَأَلِفُهُ منقلبة عن "واو" مكسورة، من باب "خاف، يخاف".
و[أمّا](1)"زال" بمعنى: "تنحَّى"، ألفُه منقلبة عن "واو" مفتوحة، ومضارع هذه:"يزول"(2).
قوله: "حتى قلنا": بمعنى: "إلى أن قلنا"، وتتعلق هي بـ "يكررها".
وتكرّرت "حتى" في الأحاديث، والكلام عليها في ثاني حديث من أوّل الكتاب.
قوله: "ليته سكت": "سكت" جملة في محل خبر "ليت"، والجملة معمولة للقول، ولم يتقدّم كلام على "ليت".
وهي حرف تَمَنٍّ يتعلّق بالمستحيل غالبًا، كقوله:
فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَومًا
…
فَأُخبِرُهُ بِما فَعَلَ المَشيبُ (3)
(1) في الأصل: "ما".
(2)
انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1720)، ولسان العرب (11/ 313)، وتاج العروس للزبيدي (29/ 146، 145).
(3)
البيت من الوافر، وهو لأبي العتاهية. ويروى فيه:"ألا ليت".
انظر: التذكرة الحمدونية (6/ 20)، تاج العروس للزبيدي (5/ 83)، مغني اللبيب (ص 376)، والمعجم المفصل (1/ 329).