الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"ولي القَوم"(1).
ومنه الحديث: "من كنتُ مَوْلاه فعَليٌّ مَوْلاه"(2).
وقال الشافعي: يعني بذلك "وَلاء الإِسلام"، كقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11].
وقال عُمر لعليّ: "أَصْبَحْتَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ"(3)، أَي:"وَلِيَّ كلِّ مؤْمن".
وقيل: سَببُ ذلك أَنَّ أُسامةَ قال لعليّ رضي الله عنه: "لستَ مَوْلايَ، إِنما مَوْلايَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم"، فقَالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"مَن كَنْتُ مَوْلاهُ فعَليّ مَوْلَاه"(4).
الحديث الرّابع:
[297]
: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّهَا قالت: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ، خُيِّرَتْ عَلى زَوْجِهَا حِينَ عتقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخبْزٍ وَأدم مِنْ الْبَيْتِ. فَقال:"ألَمْ أرَ البُرْمَةً عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ ". فَقالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَاكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ. فَقالَ:"هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ". وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا: "إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ"(5).
قوله: "كان في بريرة ثلاث سُنَن": الجمْلة من "كان" واسمها وخبرها في محلّ معمُول القَول، و"قالت" في محلّ خبر "أنَّ"، وخبر "كان" في المجرور، و"ثلاث" عَدَد مُؤنّث، ولذلك سَقَطت عَلامة التأنيث.
(1) انظر: الصحاح (6/ 2528 وما بعدها.).
(2)
صحيح: أخرجه أحمد برقم (641)، والنسائي في "السنن الكبرى" برقم (8089)، وصحّحه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (1750).
(3)
رواه أحمد في المسند (18502)، وابن أبي شيبة في المصنّف (32118).
(4)
انظر: النهاية لابن الأثير (5/ 228، 229).
(5)
رواه البخاري (5430) في الأطعمة، ومسلم (1504)(14) في العتق.
و"سُنَن": جمع "سُنَّة". و"السُّنة" وما تصرّف منها: "الطريقة"، وإذا أطلقت في الشّرع فإنّما يُراد بها ما أمَر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ونَدَب إليه قولًا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العَزيز، ولهذا يُقال في أدلّة الشرع:"الكتاب والسّنة"، أيْ:"القرآن والحديث".
قوله: "خُيِّرَتْ": بَدَلٌ من "ثَلاث"، بتقدير:"تخييرها على زوْجها"، وبتقدير:"أنْ خُيِّرَت".
وحذْفُ "أنْ" المصدَريّة كثيرٌ، منه قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24] أي: "أنْ يريَكم"(1).
أو يكون "خُيِّرت" خبر مبتدأ محذوف، أي:"أحدُها: أنها خُيِّرت".
والفعلُ مبنيٌّ لما لم يُسمّ فَاعِله، ومفعُوله الذي لم يُسمّ فاعله: ضميرُ "بَرِيرَة"، ولا بُدّ من تقدير الجملَة بمصْدَر ليكُون خَبرًا مُفردًا.
قوله: "على زوجها": يحتمل أن تكُون "على" بمعنى "في"؛ كقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102](2).
ويحتمل أن تكُون "خُيّرت" تعدّى بـ "على"؛ لأنه ضُمِّن معنى "التبدية"، أي:"بُدِّيت عليه"[بالتحتية](3).
قوله: "حين عتقت": تقدّم الكلام على "حين" في الخامس من "صفة الصّلاة". وهي ظرفُ زمان مُضَاف إلى ماض؛ فيختار بناؤه (4)، كقوله:
(1) انظر: تفسير القرطبي (14/ 18)، شرح التسهيل (1/ 234).
(2)
انظر: البحر المحيط (1/ 522)، وتفسير القرطبي (2/ 42).
(3)
بالنسخ: "بالتحية". ولعل الصّواب ما أثبتناه، أو تكون "بالتخيير"، أو غير ذلك.
(4)
انظر: أوضح المسالك (3/ 133).
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا
…
وقلتُ ألمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ (1)
قوله: "فدخَل عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم": "الفاء" هنا لا تعقيب فيها ولا تسبيب، كما جاءت في قوله تعالى:{خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: 2](2).
قوله: "والبُرْمة على النار": قال ابن الأثير: "البُرمة": "القِدْرُ" مُطلقًا، وجمعها:"بِرَام"، وهي في الأصل:"المتخذة من الحجَر المعروف بالحجاز واليمن"(3).
والجملَة في محلّ الحال من فاعِل "دَخَل"، و"الواو" واو الحال.
قوله: "فدَعَا بطَعَام": "دَعَا" هنا بمعنى: "سأل" و"طلب"، و"الباء" زائدة، أي:"فسأل طعامًا".
ويحتمل أن يكُون "دَعَا" على بابها، وفي الكلام محذوف، أي:"فدَعَا الخَادِم ليأتيه بطَعَام"، فحَذَف المدعو ومُتعلّق حرف الجر لدلالة سياق الكَلَام عليه.
قوله: "فأُتي بخُبز وأدم من أدم البيت": الفعلُ مبني لما لم يُسمّ فاعله، وهو من "أتى، يأتي" المتعدّي لواحدّ، وفيه ضَمير المفعول القائم مقَام الفاعِل.
و"الباء" في "بخبز" باء المصَاحَبة فيهما، أي:"فأتيته [مُصاحبه] (4) "، أو:"أتاه الخادم مصاحبًا لخبز"، فهي "باء" الحال.
و"أدم" معطوفٌ عليه، وهو جمع:"إدام"، كـ "إزار، وأزر".
قال ابن الأثير: "الإدَام" بالكسر، و"الأُدْمُ" بالضَّمِّ:"ما يُؤكَلُ مع الخُبْزِ"، أيّ شيء كان. ومنه الحديث:"سَيّدُ إدَاِم أهْل الدّنْيا والآخِرَة: اللَحْم"(5) جَعَل "اللحم"
(1) البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني. انظر: المعجم المفصل (4/ 292).
(2)
انظر: شرح القطر (ص 303).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 121).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
حديث لا يصح: ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 302).
أدْمًا، وبعض الفُقهاء (1) لا يجعَلهُ أدْمًا. (2)
قوله: "من أدم البيت": يتعلّق بصفة لـ "أدم"، والإضافة إضافة تخصيص.
قوله: "فقال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم". "ألم أر البرمة عَلَى النَّارِ؟ ": "الهمزة" للتقرير، والفعل مجزوم بـ "لم"، وعلامة الجزم: حذفُ "الألِف" المنقلبة عن "الياء"، و"على النار" يتعلّق بحَال من "البرمة".
قوله: "وفيها لحم": جملة من مبتدأ وخبر، الخبر في المجرور، وهو في محلّ حال أخرى، والحالُ تتعدّد كما يتعدّد الخبر، ومنعه بعضهم (3)، فتكون حالًا من الضّمير في الحال السابقة التي تعلّق بها "على"، أي:"ألم أر البرمة كائنة على النار؟ "، ففي "كائنة" أو "مُستقرة" ضَمير يصلح أنْ ينتصب عنه الحال.
قوله: "فقالوا: بلى": تقدّم الكَلام على أنّ "بلى" حرف جواب، في الحديث الثّالث من "باب الذِّكر"، وهي لإثبات ما نُفي في السّؤال.
قوله: " [ذلك] (4) لحم": مبتدأ وخبر.
وأتت الإشارة للبعيد بمعنى ما تعتقده من بُعده من أجْل ما فيها، أو تكون استعملت "ذلك" موضع "ذا"، كما قيل في قوله تعالى:{ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [المجادلة: 12] أنها بمعنى "ذا" للقريب (5).
(1) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف. انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 177)، بدائع الصنائع (3/ 57)، البيان والتحصيل (3/ 251).
(2)
انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 31).
(3)
أجاز ابن مالك تعدّد الحال، ومنعه ابن عصفور. انظر شرح التسهيل (2/ 348، 349)، وهمع الهوامع (2/ 315).
(4)
في نص حديث الباب: "ذاك".
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 246)، أوضح المسالك (1/ 141).
قوله: "تُصُدِّق به على بريرة": جملة في محلّ صفة لـ "لحم"، وهو مبني لما لم يُسمّ فاعله.
و"تَفَعَّل" و"تَفَاعَل" يُضمّ فيه الثّاني إذا بُني لما لم يُسمّ فاعله، نحو:"تُعُلّم العلم" و"تُضُورِب بالسّوط"؛ لأنّه لو لم يُضمّ الثّاني من "تُعُلِّم" واقتُصر على ضم "التاء" وحدها، لم يجب قَلب ألِفه واوًا، فيصير مُلبسًا بقولهم:"تُضارِب" للمُخاطب مُضارع "ضَارَب" إذا سُمّي فاعله في الوقف. وإنما قيل في الوقف هذا؛ لأنّ الماضي مبني على الفَتْح والمضارع مُعرَب، فتميز في غير الوقف أحدهما عن الآخر (1).
والمفعول الذي لم يُسمَّ فاعله في المجرور الثّاني؛ لأنّ الفائدة فيه.
ويتعلّق "به" بالفعل، أو يكون "به" القائم مَقَام الفاعل.
و"على بريرة" يتعلّق بالفعل، وهو الظّاهر.
قوله: "فكرهنا أن نُطعمك": "أنْ" حرفُ نصب، و"نطعمك" منصوبٌ بها، وهي مَصدَريّة تقدّر مع منصُوبها بمصْدَر، والتقدير:"فكرهنا إطعامَك". وتقدّم الفرق بين "أنْ" المصدَريّة مع فِعْلها وبين المصدَر الخليِّ من "أنْ" الصّريح، في العاشر من الأوّل.
قوله: "فقال": أي: "النبي صلى الله عليه وسلم". "هو عليها صَدَقة": "هو" مبتدأ، و"عليها" يتعلّق بصفة لـ "صَدَقة"، تقدّم، فانتصب على الحال، و"صدقةٌ" الخبر.
قوله: "وهو منها لنا هَديّة": "هو" مُبتدأ، و"هَديّة" خبره، و"منها" يتعلّق بصفة لـ "هَديّة"، تقدّم، فانتصب على الحال، وبه يتعلّق حرف الجر، و"لنا" يتعلّق به أيضًا،
(1) راجع: الكتاب لسيبويه (4/ 241)، شرح الكافية الشافية (2/ 602، 603)، وشرح ابن عقيل (2/ 113، 114)، المخصص (4/ 141)، شرح المفصل لابن يعيش (4/ 289)، (5/ 287)، شرح التصريح (1/ 436).
ويجوز أن يتعلّق بحال من ضَمير الاستقرار المقَدّر في "منها".
قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ": أي: "في بريرة". ويتعلّق حرف الجر بـ "قال".
و"إنما" حرف ابتداء، ويقال فيها كافة ومكفوفة (1)، وتقدّم الكلام على "إنما" في الحديث الأوّل من الكتاب.
و"الولاء" مبتدأ، وخبره في "لمن أعتق" أي:"كائن أو مستقر لمن أعتق"، وبه يتعلّق حرف الجر، و"من" موصُولة، و"أعتق" في محلّ الصّلة، والعَائد ضَمير الفاعل.
* * *
(1) انظر: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 522)، ونتائج الفكر (1/ 145)، ومغني اللبيب (404)، وهمع الهوامع (1/ 521).