الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب](1) الأَيمان والنّذور
الحديث الأوّل:
[355]
: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلْ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِّلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا. وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"(2).
تقدّم ذِكر "الكتاب" واشتقاقه، و"الحديث الأوّل" وإعرابه أوّل الكتاب.
قوله: "قال: قال": فاعل "قال" الأولى ضمير "عبد الرحمن"، وفاعل "قال" الثانية "رسُول اللَّه".
و"قال" الأولى محلّها رفع خبر "أنَّ" مُقدَّرة، و"أنَّ" المقدَّرة معمولة لمتعلق حرف الجر. و"قال" الثانية معمولة لـ "قال" الأولى.
و"يا عبد الرحمن" معمول لـ "قال" الثّانية.
وجملة "لا تسأل الإمارة" من تمام المقول، و"لا" ناهية، و"تسأل" مجزوم بالنهي، و"الإمارة" مفعول به، والفاعل مُستتر يعود على "عبد الرحمن"، وكُسِرت "اللام" لالتقاء الساكنين.
قوله: "فإنّك إن أُعطيتَها": "الفاء" عاطفة. و"إنَّك": "إن" واسمها، و"إنْ" حرف شرط، و"أُعطيتَها" فعل ماض مبني لما لم يُسمَّ فاعلُه، ومفعولان أولهما قائمٌ مقام الفاعل.
(1) بالأصل: "باب". والمثبت هو ما في نسخ العمدة، وما شرح عليه ابن فرحون. إلا أنه يحيل عليه في مواضع أخرى على أنه باب. وهو مجرد اصطلاح. فليتنبه.
(2)
رواه البخاري (6622) في الإيمان والنذور، ومسلم (1652) في الأيمان.
وجوابُ الشرط: "وُكِلْتَ إليها". والجملة الشّرطية في محلّ خبر "إنّ".
يقال: "وَكَلَهُ إلى نفسه"، "وَكْلًا" و"وُكُولًا"، و"هذا الأمر موكول إليَّ"(1)، ومنه قول النابغة:
كِليني لهَمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ
…
وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب (2)
[قوله](3): " [إنْ] (4) أعطيتها عن مسألة": يحتمل أن تكون "عن" بمعنى "الباء"، أي:"بمسألة"، أي:"بسبب مسألة"، قال امرؤ القيس:
تَصُدُّ وتُبْدِى عَنْ أَسِيلٍ وتَتَّقى
…
بناظرةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ (5)
أي: "بأسيل".
وجاءت "عن" بمعنى "بَعْدَ". ويتوجَّه هنا، أي:"بعد مسألة".
ومنه قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19]، أي:"بعد طبق"(6). ومنه قول العجاج:
وَمنْهَل وَرَدْته عَنْ منْهَل (7)
أراد: "بعد منهل".
(1) انظر: الصحاح (5/ 1845).
(2)
البيت من الطويل. انظر: المعجم المفصل (1/ 450).
(3)
بياض بالأصل. وسقط من (ب).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
البيت من الطويل. انظر: المعجم المفصل (6/ 531).
(6)
انظر: البحر المحيط (10/ 434).
(7)
البيت من الرجز. ويُروى: "بمنهل تجبينه عن منهل". انظر: أمالي ابن الشجري (2/ 611، 612)، مغني اللبيب (ص 197)، المعجم المفصل (11/ 453).
قوله: "وإن أعطيتها عن غير مسألة": يحتمل أيضًا ما تقدّم، أي:"بغير مسألة"، ولا [ترد] (1) "بَعْد" هنا. و"أُعنت عليها": جوابُ الشّرط.
قوله: "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها": تقدّمت "إذا" في الحديث الثّاني من أوّل الكتاب، والرّؤية هنا عِلمية، و"غيرها" المفعول الأوّل، و ["خيرًا"](2) المفعول الثّاني، و"منها" يتعلّق [بـ "خير"](3)، و"خير" أفعل التفضيل، وقد تقدّمت في الثامن من "باب الجنابة".
وجوابُ "إذا": "فَكَفِّرْ"، و"عن يمينك" يتعلّق [بـ "كَفِّرْ"](4).
و"عن" معناها [المجاوزة](5)، وتقدّمت في الثّالث من "باب الصفوف"، والمعنى:"كفِّر عن حُكمها وما يترتب عليها من [الإثم"] (6).
قوله: "وائْتِ": معطوف على "كفِّر"، و"الذي هو خير" مفعول "ائت"، والعائد هنا مبتدأ، وليس في الصلة طول؛ فوجب إظهارُه.
وتقدَّم أنّ الصّلة لا تكون إلّا جملة اسمية أو فعلية أو ظرفًا أو مجرورًا، وأمّا العائد فلا يخلو من أن يكُون مرفوعًا أو منصوبًا أو مخفوضًا.
فإن كان مرفوعًا: لم يجز حذفه إلّا [إذا](7) كان مُبتدأ؛ فإنّه لا يخلو من أن يكُون في صلة "أيّ" أو في غيرها.
(1) غير واضحة بالأصل. وسقط من (ب).
(2)
في النسخ: "خير".
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(5)
في النسخ: "المجاور".
(6)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(7)
سقط من النسخ.
فإن كان في صلة "أيّ" جاز حذفه، نحو قوله تعالى:{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69]، أي:"أيهم هو أشَدّ".
وإن كان في غيرها: فلا يخلو من أن يكون في الصّلة طُول أَوْ لا، فإن كان في الصّلة طول، نحو قولك:"جاءني الذي هو ضارب عمرا يوم الجمعة"، جاز حذفه. وإن لم يكن، نحو قولك:"جاءني الذي قائم"، لم يجز إلّا حيث سُمِع، نحو قوله تعالى:"مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ"(1) بالرّفع.
وما جاء هنا على الأفصَح، ولو حذف "هو" حتى يقول:"الذي خير"، جاز على الوَجْه الضعيف.
ثم إنْ كان الضّمير [منصوبًا](2): فلا يخلو من أن يكُون في صلة الألِف واللام أو في غيرها.
فإن كان في صلة الألِف واللام: لم يجز حذفُه، نحو قولك:"جاء [الضارب زيدًا"] (3)، على مذْهَب مَن جعل الضمير في محلّ نصب، وهو الصحيح.
ثم إنْ كان في صلة غير الألِف واللام: فلا يخلو من أن يكُون فيها ضمير غيره أم لا، فإن كان فيها ضمير غيره لم يجز حذفه، نحو قولك:"جاءني الذي ضربته في داره".
فإن لم يكن في الصلة ضمير غيره: فلا يخلو من أن يكون منفصلًا أو متصلا، فإن كان منفصلًا لم يجز حذفه، نحو قولك:"الذي [ظنني إياه] (4) زيد قائم". وإن
(1) سورة [البقرة: 26]. وهي بالرفع قراءة الضحاك، وإبراهيم بن أبي عبلة، ورؤبة بن العجاج، وقطرب. وهي على هذه القراءة خبر لمبتدأ محذوف تقديره:"هو بعوضة". انظر: البحر المحيط (1/ 198)، وتفسير القرطبي (1/ 243).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(4)
كذا بالأصل. ولعلها: "ظننت إياه".
كان متصلًا جاز حذفه وإثباته، نحو قولك:"جاءني الذي ضربته".
وإن كان مخفوضًا: فلا يخلو من أن يكون مخفوضًا بحرف جرٍّ، أو بإضافة اسم آخر إليه.
فإن كان مخفوضًا بالإضافة: لم يجز حذفه، نحو قولك:"جاءني الذي قام غلامه"، وقد جاء في الشّعر حذف الضّمير والاسم، فقال:
أعُوذ بِاللَّه وآياتِهِ
…
مِن بَاب مَنْ يُغْلَق مِن خَارِج (1)
أي: "من باب مَن يُغلق بابه مِن خَارِج".
وإن كان مخفوضًا بحرف جر: فلا يخلو من أن يكون في موضع رفع أم لا. فإن كان: لم يجز حذفه، نحو قولك:"الذي [سِير بهِ] (2) زيد".
وإن لم يكن: فلا يخلو من أن يكُون في الصّلة ضمير غيره أم لا. فإن كان فيها ضمير غيره لم يجز حذفه؛ لأجل اللبس، نحو قولك:"الذي أحسن إليه غلامه عمرو".
فإن لم يكن ضمير غيره: فلا يخلو الموصول من أن يدخُل عليه حرف خفض من جنس الحرف الذي دخل على الضمير أم لا. فإن لم يدخل: فلا يجوز حذفه، نحو قولك:"جاءني الذي مررت به". وإن دخَل عليه جاز حذفه وإثباته، نحو قولك:"أمر بالذي تمر به"(3).
(1) البيت من السريع، ولا يُعرف قائله. انظر: الهمع للسيوطي (1/ 347)، المعجم المفصل في شواهد العربية (2/ 38).
(2)
غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(3)
انظر: الأصول لابن السراج (1/ 251)، (2/ 337)، شرح ابن عقيل (1/ 163 - 176)، وتوضيح المقاصد (1/ 451 - 459)، شرح المفصل (2/ 391)، المقتضب (3/ 95)، والهمع (1/ 345 وما بعدها)، (3/ 250، 251).