الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلاقات بينه وبين مماليك مصر والشام، وعقد صلح بين الدولتين في عام 736 هـ (1).
ثم بعد ذلك جاء السلطان حسن بزرك الجلائري (738 - 757 هـ) فأسس "الدولة المغولية الجلائرية" وذلك بعد الخلاف بينه وبين المنافسين له، فاستطاع أن يستولي على بغداد وانتهى في عهده حكم "الأسرة المغولية الإِيلخانية" التي أسسها هولاكو وأبناؤه وأحفاده، وقد شاع الظلم في عهده مما دعى أهل العراق إلى الهجرة خارجها، لكنه تعدل في النهاية وأقام العدل مما دفع كثيرًا من النازحين عن العراق على العودة إليها وذلك في سنة 748 هـ (2)، وهي أقرب سنة من وفاة العلامة الأدمي كما ذكرنا آنفًا.
كما شهدت هذه الفترة وعلى الأخص الفترة التي عاصرت الأدمي عدة حوادث ربما تلقي الضوء على الغموض الذي اكتنف أخبار هذا العالم الجليل، فمن ذلك ما يأتي:
طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة (749 ه
ـ)
يشير تاريخ ابن قاضي شهبة إلى ذلك بقوله (3):
"في هذه السنة كان الطاعون العظيم الذي عم المشارق والمغارب
(1) انظر: مقدمة محقق كتاب "إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل"، للعلامة عبد الرحيم بن عبد اللَّه الزريراني الحنبلي (ت 741 هـ)، تحقيق الشيخ د. عمر بن محمد السبيل رحمه الله، مكة المكرمة، (الكتاب رقم 28)، ص 47 - 55.
(2)
المصدر السابق (ص 47 - 55).
(3)
تقي الدين أبو بكر أحمد بن قاضي شهبة الأسدي الدمشقي، "تاريخ ابن قاضي شهبة"، المجلد الثاني، 741 - 750 هـ، (1340 هـ - 1349)، تحقيق عدنان درويش، 1994 م - دمشق، ص 541 - 549.
ومات فيه من العلماء والأعيان وغيرهم خلائق لا يحصيهم إلَّا الذي خلقهم. وقد كان للطاعون مدد عظيمة لم يقع في هذه البلاد. حدثني بعض مشايخنا عن والده أنه قال: ما كنا نعرف حقيقة الطاعون قبل سنة تسع وأربعين. . . ".
ويضيف أيضًا:
"وفي أواخره كان الطاعون العام بأقطار البلاد وامتد إلى أواخر المحرم من العام القابل، مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس، وفي بعض تواريخ المصريين أنه كان يموت بالقاهرة كل يوم فوق العشرين ألف إنسان".
وجاء مثل ذلك في تاريخ ابن تغري بردي "النجوم الزاهرة"(1) بقوله:
"كانت هذه السنة (سنة تسع وأربعين وسبعمائة) كثيرة الوباء والفساد بمصر والشام، ومع هذا كان الوباء الذي لم يقع مثله في سابق الأعصار، فإنه كان ابتداء بأرض مصر آخر أيام التخضير في فصل الخريف في أثناء سنة ثمان وأربعين، فما أهلَّ المحرم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر واشتد الوباء بديار مصر في شعبان ورمضان وشوال وارتفع في نصف ذي القعدة، فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف نفس إلى عشرين ألف نفس في كل يوم. وعملت الناس التوابيت والدكك لتغسيل الموتى للسبيل بغير أجر وحمل أكثر الموتى على ألواح الخشب وعلى السلالم والأبواب، وحفرت الحفائر وألقي فيها الموتى، فكانت الحفيرة يدفن فيها الثلاثون والأربعون وأكثر. . . ".
(1) جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، "النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة"(9/ 195)، المؤسسة المصرية العامة - القاهرة.
ويضيف:
"ولم يكن هذا الوباء كما عهد في إقليم دون إقليم، بل لمَّ أقاليم الأرض شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، جميع أجناس بني آدم وغيرهم حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البر. . . ".
. . . ويستطرد بقوله عن بغداد التي عاش فيها الأدمي:
". . . ثم وقع ببغداد أيضًا، فكان الإِنسان يصبح وقد وجد بوجهه طلوعًا فما هو إلَّا أن يمد يده على موضع الطلوع فيموت في الوقت". وذكر مثل ذلك ابن الوردي في تاريخه وقد أشار إليه شعرًا:
ماذا الذي يصنعُ الطاعونُ في بلد
…
في كلِّ يومٍ لهُ بالظلمِ طاعون
وقد مات ابن الوردي بطاعون حلب في 17 ذي الحجة 749 هـ (1).
والخلاصة: أن هذا الوباء يفسر لنا غموض تاريخ تلك الفترة، فلعل الأدمي رحمه الله ممن مات بسببه. كما شهدت هذه الفترة أيضًا نزاعات سياسية وحروب وتبدل سلاطين وأمراء وقواد كما يظهر ذلك في حوادثها في تاريخ الذهبي وغيره (2). وقد سبقها ظهور أكبر فتنة في العالم الإِسلامي وهي فتنة المغول الذين خرجوا حوالي سنة 654 هـ واستمروا إلى دخول بغداد بقيادة الطاغية هولاكو سنة 656 هـ، قال الذهبي (3):
(1) زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي، "تاريخ ابن الوردي"(1/ 49)، 1969 م، المطبعة الحيديرية - النجف.
(2)
الإِمام الحافظ شمس الدين الذهبي، "كتاب دول الإِسلام"(743 - 748)، تحقيق فهيم شلتوت، محمد مصطفى إبراهيم، 1974 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، انظر: الجزء الأول، ص 245 - 251.
(3)
المصدر السابق، ص 158 - 160، يشير الإمام الذهبي رحمه الله إلى سبب دخولهم بقوله: أشار الوزير ابن العلقمي الرافضي على الخليفة المستعصم باللَّه =