الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقل السمين الحلبي قولَ ابن عطية السابق بنصِّه، ثم قال: "وهذا الذي قاله قريبٌ من تفسير الغفران، لأنَّ الغَفْرَ التغطيةُ والستر، ومنه: المِغْفَرُ
(1)
، ولكن قد فُرِّقَ بينهما بأنَّ العفوَ يجوزُ أن يكونَ بعد العقوبةِ فيجتمعُ معها، وأمّا الغفران فلا يكونُ مع عقوبة". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
ذهب العلماء إلى أن العفو في اللغة يطلق على المحو
(3)
، والترك
(4)
، والتسهيل
(5)
.
ولم يقل أحدٌ من العلماء بأن العفو يطلق على التغطية والستر، إنما يذكرون الستر في معنى الغفران، وخالفهم ابنُ عطية في ذلك حيث ذكر التغطية في معنى العفو
(6)
.
وقد فَرّقَ بين العفو والغفران غيرُ واحدٍ من العلماء
(7)
، منهم: أبو هلال العسكري
(8)
(9)
، والقرطبي
(10)
.
(1)
هو ما يُغطى به الرأس ويُلبس تحت القلنسوة. ينظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة: غفر (5: 25)، القاموس المحيط، للفيروزأبادي، مادة: غفر (1: 451).
(2)
الدر المصون (1: 356).
(3)
ينظر: تفسير السمعاني (1: 80)، المفردات، للراغب الأصفهاني (1: 574)، الفريد، للمنتجب الهمذاني (1: 259)، تفسير القرطبي (1: 397)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: عفا (15: 72)، تفسير أبي حيان (1: 325)، تفسير أبي السعود (1: 101).
(4)
ينظر: التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه، ليحيى بن سلام (ص: 190)، مقاييس اللغة، لابن فارس، مادة: عفو (4: 56)، المفردات، للراغب الأصفهاني (1: 574)، تفسير أبي حيان (1: 325).
(5)
ينظر: معاني القرآن، للنحاس (1: 175)، أحكام القرآن، للجصاص (4: 317)، المفردات، للراغب الأصفهاني (1: 574)، تفسير أبي حيان (1: 325).
(6)
المحرر الوجيز (1: 144).
(7)
ينظر: الدر المصون (1: 356)، الكليات، للكفوي (ص: 632).
(8)
الحسن بن عبد الله بن سهل العَسْكَريّ، أبو هلال، اللغوي، الأديب، له مصنفات كثيرة، منها:(جمهرة الأمثال) و (الفروق اللغوية)، توفي بعد 395 هـ. ينظر: معجم الأدباء، لياقوت الحموي (2: 918)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 43).
(9)
ينظر: الفروق اللغوية (ص: 235).
(10)
ينظر: تفسير القرطبي (1: 397).
قال أبو هلال العسكريّ: "الغفران يَقتَضي إسقاط العقاب، وإسقاط العقاب هو إيجاب الثَّواب، فلا يستحق الغفران إلا المؤمن المستحق للثَّواب، ولهذا لا يستعمل إلا في الله، فيُقال: غفر الله لك، ولا يُقال: غفر زيد لك، إلاّ شاذًا قليلا".
ثم قال: "والعفو يقتضي إسقاط اللوم والذم، ولا يقتضي إيجاب الثواب، ولهذا يُستعمل في العبد فيُقال: عفا زيدٌ عن عَمْرو، وإذا عفا عنه لم يجب عليه إثابته". اهـ
(1)
وقال القرطبي: "العفو: عفو الله عز وجل عن خلقه، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران؛ فإنه لا يكونُ معه عقوبةٌ البتَّةَ". اهـ
(2)
ولكن لقول ابن عطية وجهٌ من الناحية الاصطلاحية الشرعية؛ لأن العفو والغفران لماّ تقارب معنياهما تداخلا واستعملا في صفات الله سبحانه وتعالى على وجه واحد، فيقال: عفا الله عنه، وغفر له؛ بمعنى واحد
(3)
.
أما من الناحية اللغوية: فالتغطية ليست من معاني العفو، إنما هي من معاني الغفران
(4)
.
* * *
(1)
الفروق اللغوية (ص: 235).
(2)
تفسير القرطبي (1: 397).
(3)
ينظر: الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري (ص: 236).
(4)
ينظر: غريب القرآن، لابن قتيبة (ص: 14)، تهذيب اللغة، للأزهري، مادة: غفر (8: 112)، مقاييس اللغة، لابن فارس، مادة: غفر (4: 385)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: غفر (5: 25).