الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
اختلف المعربون في إعراب قوله: {قُرْبَانًا آلِهَةً} ، ولهم في ذلك عدة أقوال، أشهرها أربعة:
أولها: أنَّ {قُرْبَانًا} مفعول لأجله للفعل {اتَّخَذُوا} ، والمعنى: لأجل التقرب بها، و {آلِهَةً} مفعول ثانٍ للفعل {اتَّخَذُوا} ، والمفعول الأول محذوف وهو عائد الموصول، أي: الذين اتخذوهم.
قاله: النحاس
(1)
، ومكي بن أبي طالب
(2)
، والمنتجب الهمذاني
(3)
، وغيرهم
(4)
.
وضعّف ابنُ هشام هذا الوجه؛ إذ استبعد أن يكون {قُرْبَانًا} مفعول لأجله؛ لأنّ المفعول لأجله لا يكون إلا مصدرًا أو اسم مصدر، قال: "والقربان اسم لما يتقرب به
(5)
، وليس اسمًا للحدث". اهـ
(6)
(1)
ينظر: إعراب القرآن (4: 114).
(2)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (2: 669).
(3)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (5: 613).
(4)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 310)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (26: 56).
(5)
القُرْبانُ في اللغة: ما تَقَرَّبْتَ به إلى الله تبتغي به قُرْباً ووسيلة. ينظر: العين، للخليل بن أحمد، مادة: قرب (5: 153)، تهذيب اللغة، للأزهري، مادة: قرب (9: 110).
(6)
أسئلة وأجوبة في إعراب القرآن (ص: 13).
الثاني: أنَّ {قُرْبَانًا} مفعول ثانٍ، و {آلِهَةً} مفعول أول، والتقدير: الذين اتخذوا من دون الله آلهة قرباناً.
قاله: الباقولي
(1)
.
وضُعّف بأنه يُؤدي إلى خلوّ الكلام من الراجع إلى {الَّذِينَ}
(2)
.
الثالث: أنَّ {قُرْبَانًا} هو المفعول الثاني لـ {اتَّخَذُوا} ، و {آلِهَةً} بدل من {قُرْبَانًا} ، وأول مفعوليّ {اتَّخَذُوا} الراجع إلى {الَّذِينَ} محذوف، أي: اتخذوهم.
قاله: ابنُ عطية
(3)
، وأبو البقاء
(4)
، والبيضاوي
(5)
، وغيرهم
(6)
.
وجعله الزمخشري فاسدَ المعنى
(7)
، وردَّ عليه أبو حيان بأنَّ المعنى صحيح على ذلك الإعراب
(8)
.
(1)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات (ص: 771).
(2)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (28: 27).
(3)
ينظر: المحرر الوجيز (5: 103).
(4)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 1158).
(5)
ينظر: تفسير البيضاوي (5: 116).
(6)
ينظر: تفسير الجلالين (1: 671)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (4: 16)، تفسير المظهري (8: 415)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (26: 194)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (5: 219).
(7)
ينظر: تفسير الزمخشري (4: 310).
(8)
ينظر: تفسير أبي حيان (9: 448).
وبيّن وجهَ فساد المعنى على هذا الإعراب عددٌ من العلماء، منهم: السمين الحلبي
(1)
، وابن هشام
(2)
، وأبو السعود
(3)
، وابن عجيبة
(4)
.
قال السمين: "ووجهُ الفسادِ - والله أعلم- أنَّ القُرْبان اسمٌ لِما يُتَقرَّبُ به إلى الإله، فلو جعلناه مفعولاً ثانياً، وآلهةً بدلاً منه لَزِمَ أنْ يكونَ الشيءُ المتقرَّبُ به آلهةً، والفَرضُ أنه غيرُ الآلهةِ، بل هو شيءٌ يُتقرَّب به إليها فهو غيرُها، فكيف تكون الآلهةُ بدلاً منه؟ هذا ما لا يجوزُ". اهـ
(5)
وقال ابنُ هشام: " وَوجهه أَنهم إِذا ذموا على اتخاذهم قربانًا من دون الله اقتضى مفهومه الحث على أن يتخذوا الله -سبحانه- قربانا كما أنّك إذا قلت: "أتتخذ فلانًا معلما دوني" كنتَ آمرا لهُ أن يتخذك معلمًا له دونه والله -تعالى- يتقرَّب إليه بغيره، ولا يتقرب به إلى غيره". اهـ
(6)
وقال أبو السعود: "ولا مساغَ لجعلِ {قُرْبَانًا} مفعولاً ثانياً و {آلِهَةً} بدلاً منه لفسادِ المعنى؛ فإنَّ البدلَ وإن كان هو المقصود لكنه لابد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه، ولا ريب أن في قولنا: اتخذوهم من دون الله قرباناً أي: متقربًا به مما لا صحة له قطعًا؛ لأنه - تعالى- متقرب إليه لا متقرب به، فلا يصح أنهم اتخذوهم قرباناً متجاوزين الله في ذلك".اهـ
(7)
(1)
ينظر: الدر المصون (9: 677).
(2)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1: 695).
(3)
ينظر: تفسير أبي السعود (8: 87).
(4)
ينظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (5: 343).
(5)
الدر المصون (9: 677).
(6)
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1: 695).
(7)
تفسير أبي السعود (8: 87).
وقال ابنُ عجيبة: "ووجه فساده: أن اتخاذهم آلهة منافٍ لاتخاذهم قرباناً؛ لأن القُربان مقصود لغيره، والآلهة مقصودة بنفسها، فتأمله". اهـ
(1)
الرابع: أنَّ {قُرْبَانًا} حال، و {آلِهَةً} المفعولُ الثاني للاتخاذ، والمفعول الأول محذوف وهو عائد الموصول، أي: الذين اتخذوهم.
قاله: الزمخشري
(2)
، والقرطبي
(3)
، والسمين الحلبي
(4)
، وأبو السعود
(5)
، وغيرهم
(6)
.
قال السمين: "والتقدير: فهَلاَّ نَصَرهم الذين اتَّخَذُوْهم مُتَقَرَّباً بهم آلهةً". اهـ
(7)
وقال أبو السعود: "والتقديرُ: فهلاَّ نصرهُم وخلَّصُهم من العذابِ الذين اتخذُوهم آلهةً حالَ كونِها متقرَّباً بها إلى الله -تعالى-، حيثُ كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ". اهـ
(8)
(1)
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد (5: 343).
(2)
ينظر: تفسير الزمخشري (4: 310).
(3)
ينظر: تفسير القرطبي (16: 209).
(4)
ينظر: الدر المصون (9: 677).
(5)
ينظر: تفسير أبي السعود (8: 87).
(6)
ينظر: تفسير النسفي (3: 317)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (4: 162)، روح البيان، لإسماعيل حقي (8: 485)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (5: 343)، فتح القدير، للشوكاني (5: 29)، تفسير الآلوسي (13: 185)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (9: 190)، التفسير الوسيط، لطنطاوي (13: 203)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن (ص: 513)، المجتبى، لأحمد الخراط (3: 1193)، المفيد في إعراب القرآن المجيد، لعمر خطيب (ص: 318)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (3: 229).
(7)
الدر المصون (9: 677).
(8)
تفسير أبي السعود (8: 87).
والوجه الرابع هو الراجح؛ لصحته معنًى وصناعة، ولم أجد أحدًا مِن العلماء ضعّفه.
وما ذكره السمين في بيان فساد المعنى بناء على إعراب ابن عطية كلامٌ وجيه، فجعْلُ {قُرْبَانًا} المفعول الثاني لـ {اتَّخَذُوا} و {آلِهَةً} بدل منه وجهٌ يؤدي إلى معنًى غير صحيح كما وضّح ذلك عددٌ من العلماء.
وهذا الاستدراك يُظهر عناية السمين بالمعنى في الإعراب، فلا بد مِن صحة المعنى بناء على الإعراب حتى يُقبل الوجه الإعرابي؛ فكونه صحيحاً من ناحية الصناعة النحوية لا يجعل منه إعراباً صحيحًا إذا أدى إلى معنىً فاسد.
ولكن يُحمد لابن عطية ذكره احتمالاً ثانياً في إعراب {قُرْبَانًا آلِهَةً} ، وهو أن يكون {قُرْبَانًا} حال، و {آلِهَةً} المفعولُ الثاني للاتخاذ
(1)
، وهذا الاحتمال الثاني هو القول الراجح.
* * *
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (5: 103).