الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[10]: قال ابن عطية في معرض تفسيره لقوله - تعالى-: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145]: "وقوله: {كِتاباً} نصب على التمييز". اهـ
(1)
وقال السمين الحلبي: "قوله: {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} في نصبِه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنه مصدرٌ مؤكِّد لمضمونِ الجملة التي قبلَه، فعاملُه مضمرٌ تقديرُه: كَتَب الله ذلك كتاباً، نحو:{صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: 88]، {وَعْدَ اللَّهِ} [النساء: 122]، و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24].
والثاني: أنه منصوبٌ على التمييزِ، ذكره ابنُ عطية، وهذا غيرُ مستقيمٍ؛ لأنَّ التمييزَ منقولٌ وغيرُ منقولٍ، وأقسامُه محصورةٌ وليس هذا شيئاً منها، وأيضاً فأين الذاتُ المبهمةُ التي تحتاج إلى تفسير؟ ". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
للعلماء في نصب قوله: {كتابًا} ثلاثة أقوال:
أولها: أنه مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، لتأكيد مضمون ما قبله؛ والمعنى: كَتَبَ الموتَ كتابًا مؤجلاً.
(1)
المحرر الوجيز (1: 518).
(2)
الدر المصون (3: 419).
وهو قول جمهور المفسرين والمعربين
(1)
.
قال الزجاج: " {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} على التوكيد، المعنى: كتب اللَّه ذلك كتاباً مؤَجلاً".
…
اهـ
(2)
ومثله في التوكيد قوله - تعالى-: {صُنْعَ اللَّهِ} لأنه لماّ قال: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] دلّ على أنه خَلْق الله فأكد بقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88].
(3)
وقال الفخر الرازي: "ونظيره قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] لأنّ في قوله:
…
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] دلالة على أنه كَتَبَ هذا التحريم عليكم". اهـ
(4)
الثاني: أن {كتابًا} منصوب على التمييز، وهو قول ابن عطية
(5)
.
(1)
ينظر: معانى القرآن، للأخفش (1: 234)، معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1: 474)، إعراب القرآن، للنحاس (1: 183)، تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (1: 323)، تفسير الثعلبي (3: 179)، مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب (1: 175)، التفسير الوسيط، للواحدي (1: 500)، تفسير السمعاني (1: 363)، تفسير البغوي (1: 518)، تفسير الزمخشري (1: 424)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (1: 196)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 331)، تفسير الفخر الرازي (9: 379)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 297)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (2: 140)، تفسير القرطبي (4: 226)، تفسير البيضاوي (2: 41)، تفسير النسفي (1: 298)، تفسير ابن جزي (1: 166)، تفسير أبي حيان (3: 366)، الدر المصون (3: 419)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (2: 400)، تفسير أبي السعود (2: 94)، روح البيان، لإسماعيل حقي (2: 105)، فتح القدير، للشوكاني (1: 442)، تفسير القاسمي (2: 423)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (4: 114)، إعراب القرآن وبيانه، لمحي الدين درويش (2: 65)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 145)، إعراب القرآن، لأحمد للدعاس (1: 164)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 68)، معرض الإبريز (1: 313)، إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 76).
(2)
معاني القرآن وإعرابه (1: 474).
(3)
ينظر: تفسير الثعلبي (3: 179)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 331)، الدر المصون (3: 419).
(4)
تفسير الفخر الرازي (9: 379).
(5)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 518).
وضعّفه أبو حيان قائلاً: "وهذا لا يظهر؛ فإنَّ التمييز كما قسّمه النحاةُ ينقسم إلى منقولٍ وغيرِ منقول
(1)
، وأقسامه في النوعين محصورة، وليس هذا واحدًا منها". اهـ
(2)
وضعّفه أيضًا السمين الحلبي؛ لأنه ليس قبله ذات مبهمة تحتاج إلى تفسير
(3)
، وقد تقرر في علم النحو أنّ التمييز هو الاسم المنصوب لما أبهم من الذوات
(4)
.
الثالث: أنه منصوب على الإغراء، والتقدير: آمنوا بالقدر المقدور، أو الزَموا كتاباً مؤجلاً وآمِنوا بالقدر.
ذكره الثعلبيّ
(5)
قولاً محتملاً
(6)
، وهو قول بعيد
(7)
؛ فليس المعنى على ذلك
(8)
.
(1)
تمييز النسبة على نوعين: الأول: تمييز محول. وهو ثلاثة أقسام:
1 -
محول عن الفاعل نحو: حَسُنَ الشاب خلقًا.
2 -
محول عن المفعول نحو: وفَّيتُ العمال أجوراً.
3 -
محول عن غيرهما كالمحول عن المبتدأ. النوع الثاني: تمييز غير محول. نحو: امتلأ الإناء ماءً، فـ (ماءً) تمييز غير محول عن شيء، بل هو تركيب وضع ابتداء هكذا. ينظر: شرح قطر الندى، لابن هشام (ص: 240).
(2)
تفسير أبي حيان (3: 366).
(3)
ينظر: الدر المصون (3: 419).
(4)
ينظر: شرح الكافية الشافية، لابن مالك (2: 775)، الآجرومية، لابن آجروم (ص: 19)، الحدود في علم النحو، للشهاب الأبذي (ص: 476).
(5)
أحمد بن محمد بن إبراهيم الثَّعْلَبِيّ، أبو إسحاق، الإمام، الحافظ، العلاّمة، المفسّر، عالماً بارعاً في اللغة، من تصانيفه: تفسيره المسمى (الكشف والبيان في تفسير القرآن)، و (عرائس المجالس) في قصص الأنبياء، توفي سنة 427 هـ. ينظر: معجم الأدباء، لياقوت الحموي (2: 507)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (17: 435)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 28).
(6)
ينظر: تفسير الثعلبي (3: 179).
(7)
ينظر: تفسير أبي حيان (3: 366)، إعراب القرآن وبيانه، لمحي الدين درويش (2: 65).
(8)
ينظر: الدر المصون (3: 419).
والراجح: أن {كتابًا} مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، لتأكيد مضمون ما قبله، وهو الوجه الإعرابيّ الأظهر، والموافق لمعنى الآية، فهي تأكيد أن الموت إنمّا هو بيد الله، ولن يموت أحدٌ إلا بقدر الله، وحتى يستوفي المدة التي قدّرها الله له، وهذه الآية فيها تشجيع للجُبَناء وترغيب لهم في القتال، فإن الإقدام والإحجام لا ينقص مِن العمر ولا يزيدُ فيه
(1)
.
أمّا قول ابن عطية فهو ضعيف من الناحية النحوية، وأمّا القول الثالث فهو بعيد من الناحية المعنوية.
* * *
(1)
ينظر: تفسير ابن كثير (2: 129).