الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[4]: قال ابنُ عطية في معرض تفسيره لقوله- تعالى-: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}
[الكهف: 19]: "واللام في قوله: {لِيَتَسَاءَلُوا} لام الصيرورة؛ لأنّ بعثهم لم يكن لنفسِ تساؤلهم". اهـ
(1)
وقال السمين الحلبي عن هذه اللام: "قيل: هي للصَّيْرورة، لأنَّ البعثَ لم يكنْ للتساؤلِ، قاله ابنُ عطية، والصحيحُ أنها على بابِها مِن السببية". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
تحدث العلماء عن اللام في قوله: {لِيَتَسَاءَلُوا} واختلفوا في نوعها على قولين:
الأول: أنها لام الصيرورة والعاقبة.
قاله: البَغَوِيّ
(3)
، وابن عطية
(4)
، والقرطبي
(5)
، وغيرهم
(6)
.
(1)
المحرر الوجيز (3: 505).
(2)
الدر المصون (7: 462).
(3)
ينظر: تفسير البغوي (5: 159)، والبغوي هو الحسين بن مسعود بن محمد الفرّاء البَغَوِيّ، محيي السنة، أبو محمد، الإمام، العلاّمة، الحافظ، المفسّر، الفقيه الشافعيّ، من تصانيفه:(معالم التنزيل) في التفسير، و (الجمع بين الصحيحين)، توفي سنة 510 هـ. ينظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان (2: 136)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (19: 439)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 49).
(4)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 505).
(5)
ينظر: تفسير القرطبي (10: 374).
(6)
ينظر: تفسير ابن جُزَيّ (1: 461).
قال البَغويّ: "اللام فيه لام العاقبة؛ لأنهم لم يُبْعَثُوا للسؤال". اهـ
(1)
الثاني: أنها لام التعليل (السببية).
قاله: الفخر الرازي
(2)
، والسمين الحلبي
(3)
، وغيرهما
(4)
.
قال الفخر الرازي: "فإنْ قيل: هل يجوزُ أنْ يكونَ الغرضُ مِنْ بعثهم أنْ يَتَسَاءَلُوا ويتنازعوا؟ قلنا: لا يَبْعُدُ ذلك؛ لأنهم إذا تساءلوا انكشف لهم مِنْ قدرة الله -تعالى- أمورٌ عجيبة وأحوال غريبة، وذلك الانكشاف أمْرٌ مطلوبٌ لِذاتِه". اهـ
(5)
ويُفهم من كلام مكي بن أبي طالب
(6)
، وكذا المنتجب الهمذاني
(7)
أنها للتعليل.
قال مكيّ: "ليسأل بعضهم بعضاً، ونُعرّفهم عظيم قدرتنا؛ فيزدادوا بصيرة في أمرهم، وفي إيمانهم؛ إذ لبثوا مدة عظيمة من الزمان، وهم في هيئهم لم يتغيروا، ولا تغيرت ثيابهم".
…
اهـ
(8)
(1)
تفسير البغوي (5: 159).
(2)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (21: 445).
(3)
ينظر: الدر المصون (7: 462).
(4)
ينظر: تفسير أبي السعود (5: 213)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب الإبراهيم (ص: 295)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 239).
(5)
تفسير الفخر الرازي (21: 445).
(6)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (6: 4346).
(7)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (4: 255).
(8)
الهداية إلى بلوغ النهاية (6: 4346).::
ولام الصيرورة والعاقبة والمآل تشبه لام التعليل
(1)
، ولذلك هي عندَ أكثر البصريين صنفٌ مِن أصناف لام التعليل أو لام كي
(2)
، بينما جعلها الكوفيون صنفاً مستقلاً عن لام التعليل
(3)
.
حتى إن الزمخشري - وهو بصري- جعَلَ اللامَ في قوله - تعالى-: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] للتعليل، وجعل هذا التعليل على سبيل المجاز دون الحقيقة، حيث قال:"اللام في {لِيَكُونَ} هي لام كي التي معناها التعليل، كقولك: "جئتك لتكرمني" سواء بسواء، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا، ولكن: المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته، شبه بالداعي الذي يفعل الفاعلُ الفعلَ لأجلِه". اهـ
(4)
وقد فرّق علماء اللغة بين لام التعليل ولام العاقبة فقالوا بأنه في لام التعليل يكون الفعل الذي بعدها مراداً لفاعل الفعل الذي قبلها، كما في قوله- تعالى-:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]
(5)
.
(1)
ينظر: معجم حروف المعاني في القرآن، لمحمد الشريف (ص: 816).
(2)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام (1: 283).
(3)
ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي (ص: 121).
(4)
تفسير الزمخشري (3: 394).
(5)
ينظر: أضواء البيان، للشنقيطي (3: 45).::
وأمّا لام العاقبة فالفعل الذي بعدها غير مراد لفاعل الفعل الذي قبلها
(1)
، كما في قوله:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]؛ فهم لم يلتقطوه لذلك إنما التقطوه ليكون لهم فرحاً وسرورا، ولكنه صار لهم عدوًا وحزنا
(2)
.
والراجح- والله أعلم- أن اللام في قوله {لِيَتَسَاءَلُوا} لام التعليل (السببية)؛ فسياق الآيات في بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، ولابد من بعثهم لتتجلى لهم قدرة الله، فهذا التساؤل هو الذي يكشف لهم قدرة الله، والتساؤل لا يمكن أن يقع أثناء نومهم، فبُعثوا ليقع بينهم هذا التساؤل الذي نتج عنه معرفتهم بما جرى عليهم، ويقينهم بعظيم قدرة الله، وزيادة إيمانهم.
وهذا جاء على مراد الله - تعالى- فقد أراد وقوع التساؤل بينهم كما أراد بعثهم.
وعليه: فاستدراك السمين الحلبي وارد على ابن عطية.
* * *
(1)
ينظر: اللامات، للزجاجي (ص: 119)، الكليات، للكفوي (ص: 781).
(2)
ينظر: اللامات، للزجاجي (ص: 119)، مغني اللبيب، لابن هشام (1: 282)، تفسير ابن كثير (6: 222).::