الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمينُ الحلبيّ: "أعاد الضمير على التجارة دونَ اللهو؛ لأنها الأهمُّ في السبب.
قال ابن عطية: "وقال: {إِلَيْهَا} ولم يقل: إليهما؛ تَهَمُّماً بالأهمِّ، إذ كانت هي سببَ اللهوِ ولم يكن اللهوُ سبَبَها.
وتأمَّل أنْ قُدِّمِتْ التجارةُ على اللهو في الرؤية؛ لأنها أهمُّ وأُخِّرت مع التفضيل؛ لتقعَ النفسُ أولاً على الأَبْيَن" انتهى.
وفي قولِه: "لم يَقُلْ إليهما" ثم أَجابَ بما ذكرَ نَظَرٌ لا يَخفى؛ لأنَّ العطفَ بـ (أو) لا يُثنَّى معه الضميرُ ولا الخبرُ ولا الحالُ ولا الوصف؛ لأنها لأحدِ الشيئَيْن، ولذلك تأوَّل الناسُ {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135]، وإنما الجوابُ عنه: أنه وَحَدَّ الضميرَ لأنَّ العطفَ بـ (أو)، وإنما جيءَ بضميرِ التجارة دونَ ضمير اللهوِ وإن كان جائزاً؛ لِما ذكَره ابنُ عطيةَ مِن الجواب، وهو الاهتمام كما قاله غيرُ واحد". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
أولاً: مرجع الضمير في {إِلَيْهَا} :
ذهب الجمهور
(2)
ومنهم: ابن عطية والسمين الحلبي إلى أنّ الضمير (الهاء) عائد إلى التجارة، وهي أول المتعاطفين - التجارة واللهو-.
(1)
الدر المصون (10: 332).
(2)
ينظر: معاني القرآن، للفراء (3: 157)، معانى القرآن، للأخفش (1: 88)، الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه (ص: 115)، تفسير السمرقندي (3: 449)، تفسير الماوردي (6: 12)، التفسير الوسيط، للواحدي (4: 301)، تفسير السمعاني (5: 436)، تفسير الراغب الأصفهاني (1: 177)، تفسير البغوي (5: 95)، تفسير الزمخشري (4: 537)، المحرر الوجيز (5: 310)، كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات، للباقولي (ص: 841)، تفسير الفخر الرازي (30: 544)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (6: 152)، تفسير القرطبي (1: 325)، تفسير البيضاوي (5: 212)، تفسير ابن جزي (2: 375)، تفسير أبي حيان (1: 299)، الدر المصون (10: 332)، تفسير الجلالين (1: 742)، تفسير أبي السعود (8: 250)، فتح القدير، للشوكاني (5: 271)، تفسير الآلوسي (14: 299)، أضواء البيان، للشنقيطي (8: 185 - 187)، التفسير الوسيط، لطنطاوي (14: 390)، المجتبى، لأحمد الخراط (4: 1321).
وقيل: الضمير عائد على جملة ما رأوا من اللهو والتجارة.
ذكره السمرقندي
(1)
قولاً محتملاً
(2)
.
وقيل: الضمير للرؤية، المدلول عليها بقوله:{رَأَوْا} .
ذكره الآلوسي
(3)
ولم يرجحه
(4)
.
وقيل: الضمير راجع إلى اللهو، باعتبار المعنى، والسر فيه: أنَّ التجارة إذا شغلت المكلّف عن الذكر عُدت لهواً، وتُعد فضلاً إن لم تشغله.
نقله بعض العلماء
(5)
عن الطِّيبي
(6)
.
(1)
نَصْر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السَّمَرْقَنْدِيّ، أبو اللَّيْث، الإمام، المحدّث، الفقيه، من أئمة الحنفية، ومن الزهّاد، من مصنفاته: تفسير القرآن و (خزانة الفقه) و (تنبيه الغافلين)، توفي سنة 373 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (16: 322)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لعبد القادر القرشي (2: 196)، طبقات المفسرين، للداوودي (2: 346).
(2)
ينظر: تفسير السمرقندي (3: 449).
(3)
محمود بن عبد الله الحُسَينيّ الآلُوسِيّ، شهاب الدين، أبو الثناء، المفسّر، الأديب، أفتى للحنفية في بغداد، وله عدة مصنفات، منها:(روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، و (غرائب الاغتراب) تحدث فيه عن رحلاته والشيوخ الذين لقيهم، وفيه عدة أبحاث، توفي سنة 1270 هـ. ينظر: جلاء العينين، لنعمان الآلوسي (1: 57 - 59)، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق الميداني (ص: 1450).
(4)
ينظر: تفسير الآلوسي (14: 299).
(5)
لم أجده في كتبه المطبوعة. ينظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (7: 45)، تفسير الآلوسي (14: 299).
(6)
الحسين بن محمد بن عبد الله الطِّيبي، الإمام المشهور، من علماء الحديث والتفسير، كان آية في استخراج الدقائق من الكتاب والسنة، من أشهر مصنفاته:(شرح مشكاة المصابيح) و (التبيان في المعاني والبيان)، توفي سنة 743 هـ. ينظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (2: 185)، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني (1: 229).
والراجح: أن الضمير عائد على التجارة، والخبر عن التجارة واللهو معاً، ومِن عادة العرب أنْ يُخبروا عن أحد الشيئين وهو لهما
(1)
.
فانفضاضهم كان من أجل التجارة أصالةً، واللهو إنما كان من أجل قدومها، وقد قال -تعالى- بعد ذلك:{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} فهذا يُشعر أن التجارة هي الأصل، والرزق ثمرة التجارة، فكان هذا بيانًا قرآنيًا لعود الضمير على التجارة دون اللهو
(2)
.
ثانيًا: سبب تخصيص التجارة بإعادة الضمير إليها:
أعيد الضمير إلى التجارة لأنّ ميلهم كان إلى التجارة، وغالب انفضاضهم لها دون اللهو؛ فكانت هي الأهم عندهم، وهي سبب اللهو ولم يكن اللهو سببها، والتجارة أقوى سببًا في الانفضاض عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن، لعبد الرحمن الأنباري (2: 366).
(2)
ينظر: تفسير البيضاوي (5: 212)، أضواء البيان، للشنقيطي (8: 185 - 187)، التفسير الوسيط، لطنطاوي (14: 390).
(3)
ينظر: معاني القرآن، للفراء (3: 157)، تفسير السمرقندي (3: 449)، تفسير الماوردي (6: 12)، تفسير الراغب الأصفهاني (1: 177)، تفسير البغوي (5: 95)، المحرر الوجيز (5: 310)، تفسير البيضاوي (5: 212)، الدر المصون (10: 332)، تفسير الجلالين (1: 742)، تفسير أبي السعود (8: 250)، فتح القدير، للشوكاني (5: 271)، تفسير الآلوسي (14: 299)، أضواء البيان، للشنقيطي (8: 185 - 187)، المجتبى، لأحمد الخراط (4: 1321).
قال البيضاوي: "وإفراد التجارة بردِّ الكناية؛ لأنها المقصودة، فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا يستقبلون به العير". اهـ
(1)
وقال أبو السعود: "وتخصيصُ التجارةِ برجع الضمير لأنها المقصودة، أو لأنَّ الانفضاض للتجارةِ معَ الحاجةِ إليها والانتفاعِ بها إذا كانَ مذموماً فما ظنُّكَ بالانفضاضِ إلى اللهو وهو المذموم في نفسه". اهـ
(2)
ثالثًا: مسألة: إعادة الضمير بعد المتعاطفين بـ (أَوْ):
هذه المسألة هي الموضوع الرئيس للاستدراك، فالسمين الحلبي يرى أن العطف بـ (أَوْ) لا يُثنى معه الضمير، وإنما يكون لأحد الشيئين؛ خلافاً لابن عطية الذي يدل ظاهر كلامه على جواز إعادة الضمير لكلا الشيئين.
ففي هذه المسألة قولان رئيسان:
أولهما: أنه عند العطف بـ (أَوْ) يجوز إعادة الضمير على أحد المتعاطفين، وعلى كلٍّ منهما.
قاله: الفراء
(3)
، وابن قتيبة
(4)
، والزمخشري
(5)
، وابن عطية
(6)
، والقرطبي
(7)
.
(1)
تفسير البيضاوي (5: 212).
(2)
تفسير أبي السعود (8: 250).
(3)
ينظر: معاني القرآن (3: 157).
(4)
ينظر: غريب القرآن (1: 466).
(5)
ينظر: تفسير الزمخشري (4: 537).
(6)
ينظر: المحرر الوجيز (5: 310).
(7)
ينظر: تفسير القرطبي (1: 325).
ولكن الأحسن إعادة الضمير إلى أحدهما دون الآخر
(1)
، والأجود من ذلك كله: إعادة الضمير للآخر من المتعاطفين
(2)
.
قال الفراء: "ولو قيل: انفضوا إليهما، كما قال: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] كانَ صوابًا، وأجود من ذلكَ في العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز". اهـ
(3)
الثاني: أنّ العطف بـ (أَوْ) لا يُثنى معه الضمير، وإنما هي لأحد الشيئين.
قاله: الأخفش
(4)
، وأبو حيان
(5)
، والسمين الحلبي
(6)
، وغيرهم
(7)
.
قال الأخفش: " (أَوْ) إنما يخبر فيه عن أحد الشيئين، وأنت في (أَوْ) بالخيار، إن شئت جعلت الكلام على الأول وإن شئت على الآخر، وأن تحمله على الآخر أقيس؛ لأنك إن تجعل الخبر على الاسم الذي يليه - الخبر- فهو أمثل مِن أن تجاوزه إلى اسم بعيد منه". اهـ
(8)
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 28).
(2)
ينظر: معاني القرآن، للفراء (3: 157)، تفسير القرطبي (1: 325).
(3)
معاني القرآن (3: 157).
(4)
ينظر: معانى القرآن، للأخفش (1: 87).
(5)
ينظر: تفسير أبي حيان (1: 299).
(6)
ينظر: الدر المصون (10: 332).
(7)
ينظر: تفسير الآلوسي (14: 299)، المجتبى، لأحمد الخراط (4: 1321).
(8)
معانى القرآن (1: 87).
وقال أبو حيان: "الأصل في العطف بالواو مطابقة الضمير لما قبله في تثنية وجمع، وأمّا العطف بـ (أَوْ) فلا يعود الضمير فيه إلا على أحدِ ما سبق". اهـ
(1)
وأصحاب هذا القول تكلفوا في تأويل ما جاء في قوله - تعالى-: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135]؛ ليوافق مذهبهم، فذكروا في ذلك عدة توجيهات، منها: أنَّ (أَوْ)
هنا بمعنى (الواو)، وقال آخرون: إن الضمير يعود على الغنى والفقر المدلول عليهما بلفظِ الغني والفقير، والتقديرُ: فاللَّهُ أولى بغِنى الغني وفَقْر الفقير، وقيل: الضمير يعود على الخصمين تقديره: إن يكنِ الخصمان غنياً أو فقيراً فالله أوْلى بهذين الخصمين
(2)
.
وهذا كله تكلف لا حاجة إليه، والأصل: الاعتماد على ظاهر الآية دون اللجوء للتقديرات.
والراجح: أنّ العطف بـ (أو) يجوز معه تثنية الضمير وتوحيده، وأقوى الوجهين: إعادة الضمير على أحد المتعاطفين، واختيار أحدهما دون الآخر إنما يكون بحسب الفائدة والأهمية.
ويدل على جواز تثنية الضمير ما جاء في قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135]؛ ويدل على ذلك أيضاً القراءة الشاذة في الآية: (انفضوا إليهما)
(3)
.
وقد أخطأ الذين أوّلوا ما جاء في القرآن ليوافق مذهبهم اللغوي والنحوي، فالقواعد إنما تُؤخذ من القرآن، ولا يُؤول ما جاء في القرآن ليوافق أقيسة اللغويين.
(1)
تفسير أبي حيان (1: 299).
(2)
ينظر: الدر المصون (4: 116)، تفسير الآلوسي (14: 300).
(3)
وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن أبي عبلة. ينظر: تفسير الزمخشري (4: 537)، زاد المسير، لابن الجوزي (4: 285)، تفسير أبي حيان (10: 176)، الدر المصون (10: 333).
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية ليس في محله؛ فإن تثنية الضمير عند العطف بـ (أو) جائز، غاية الأمر أنه خلاف الأولى والأقوى والأغلب في القرآن.
فتثنية الضمير في المتواتر لم ترد إلا في موضع واحد
(1)
هو قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} ، أمّا في سائر مواضع العطف بـ (أو) كانت إعادة الضمير فيها لأحد المتعاطفين، الأول أو الآخر.
فمن الإعادة على الأول دون الآخِر: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]؛ حيث أعاد على أول المتعاطفين: التجارة.
ومن الإعادة على الآخر: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112] فقال: {بِهِ} أي الإثم؛ فأعاد على الآخِر من المتعاطفين.
* * *
(1)
ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسيوطي (3: 228).