الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أنه منصوبٌ على الظرف، قال ابن عطية:"ويصحُّ أن تكون {أَرْبَعِينَ} ظرفاً من حيث هي عددُ أزمنة" اهـ، وفي هذا نظر؛ كيف يكون ظرفاً للتمام، والتمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوز بعيد: وهو أنَّ كلَّ جزءٍ من أجزاء الوقت سواء كان أولاً أم آخراً إذا نقص ذهب التمامُ.
الرابع: أن ينتصب على التمييز، قال الشيخ:"والأصل: فتمَّ أربعون ميقاتُ ربه، ثم أسند التمام إلى ميقات، وانتصب (أربعون) على التمييز" اهـ
(1)
، فهو منقولٌ من الفاعلية، يعني فيكون كقولِه:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، وهذا الذي قاله وجَعَلَه هو الذي يظهر يُشكل بما ذكره هو في الردِّ على الحَوْفيّ، حيث قال هناك: إن الثلاثين لم تكن ناقصةً فتتمّ
(2)
، كذلك ينبغي أن يُقالَ هنا إن الأربعين لم تكن ناقصةً فتتمَّ، فكيف يُقَدِّر: فتمَّ أربعون ميقات ربه؟ فإنْ أجابَ هنا بجواب فهو جوابٌ هناك لِمَنْ اعترض عليه". اهـ
(3)
دراسة الاستدراك:
أولاً: أقوال العلماء في إعراب {أَرْبَعِينَ} من قوله: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} :
1 -
أنّ {أَرْبَعِينَ} منصوب على أنه حال من الميقات، أي: فتم ميقات ربه بالغًا هذا العدد، أو: فتم ميقات ربه معدودًا أربعين ليلة.
(1)
تفسير أبي حيان (5: 161).
(2)
قال أبو حيان في تفسيره (5: 160): " والهاء في (وَأَتْمَمْناها) عائدة على المواعدة المفهومة من (واعدنا)، وقال الحَوفي: الهاء والألف نصب بِأَتْمَمْنَاهَا، وهما راجعتان إلى (ثلاثين) اهـ، ولا يظهر؛ لأن الثلاثين لم تكن ناقصة فتُمّمت بعشر". اهـ
(3)
الدر المصون (5: 448).
قاله: مكي بن أبي طالب
(1)
، والزمخشري
(2)
، والباقولي
(3)
، وعبد الرحمن الأنباري
(4)
، والفخر الرازي
(5)
، وأبو البقاء
(6)
، والمنتجب الهمذاني
(7)
، والسمين الحلبي
(8)
، وغيرهم
(9)
.
(1)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 301).
(2)
ينظر: تفسير الزمخشري (2: 151).
(3)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات (ص: 292).
(4)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن (1: 316).
(5)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (14: 352).
(6)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 593).
(7)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (3: 124).
(8)
ينظر: الدر المصون (5: 447).
(9)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 449)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 593)، تفسير البيضاوي (3: 33)، تفسير النسفي (1: 601)، الدر المصون (5: 447)، إعراب القرآن العظيم، لزكريا الأنصاري (ص: 287)، تفسير أبي السعود (3: 269)، روح البيان، لإسماعيل حقي (3: 227)، فتح القدير، للشوكاني (2: 276)، تفسير الآلوسي (5: 42)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (9: 86)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (9: 66)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (3: 448)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 175)، التفسير المنير، للزحيلي (9: 81)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (2: 98)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 167).
قال مكي: "انتصب الأربعون على أنه في موضع الحال، كأنه قال: فتمّ ميقات ربه معدودًا أربعين ليلة، أو مقدراً هذا القدر". اهـ
(1)
وقال الأنباري: " {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} منصوب على الحال، كأنه قال: فتم ميقات ربه معدودًا أربعين ليلة". اهـ
(2)
وضعّف أبو حيان هذا الوجه قائلاً: "فعلى هذا لا تكونُ الحال {أَرْبَعِينَ}، بل الحالُ هذا المحذوفُ فيُنافى قوله". اهـ
(3)
ورد السمين على أبي حيان بأنه لا تنافي في قول الزمخشري؛ لأن النحاة ينسبون الحكم للمعمول الباقي بعد حذف عامله المنوب عنه
(4)
.
2 -
أنّ {أَرْبَعِينَ} مفعول به للفعل (تمّ) اللازم؛ لأنه بمعنى الفعل (بلغَ) المتعدي.
قاله: أبو البقاء
(5)
، والمنتجب الهمذاني
(6)
، وغيرهما
(7)
وجهاً محتملاً.
قال المنتجب في أوجه انتصاب {أَرْبَعِينَ} : "على أنه مفعول به لقوله: (فتمَّ) على تضمين (تمَّ) معنى: بلغَ.
(1)
مشكل إعراب القرآن (1: 301).
(2)
البيان في إعراب غريب القرآن (1: 316).
(3)
تفسير أبي حيان (5: 161).
(4)
ينظر: الدر المصون (5: 447).
(5)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 593).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (3: 124).
(7)
ينظر: إعراب القرآن العظيم، لزكريا الأنصاري (ص: 287)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (2: 98)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 342)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (1: 393).
فإن قلت: ما حملك على هذا التضمين، وهلاّ تركته على حاله ونصبت الأربعين كما زعم بعضهم؟ قلت: حملني على ذلك عدم تعديه؛ لأن (تمّ) فعل غير متعد، و (بلغ) في معناه، وهو متعدٍ". اهـ
(1)
3 -
أنّ {أَرْبَعِينَ} ظرف مِن حيث هو عدد أزمنة.
جوّزه: الكرماني
(2)
، وابن عطية
(3)
.
وضعّفه السمين الحلبي وغيره
(4)
.
قال السمين: "وفي هذا نظر كيف يكون ظرفاً للتمام، والتمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوز بعيد: وهو أنَّ كلَّ جزءٍ من أجزاء الوقت سواء كان أولاً أم آخراً إذا نقص ذهب التمامُ". اهـ
(5)
4 -
أنّ {أَرْبَعِينَ} تمييز مُحَوَّل مِن الفاعل، وأصله: فتمّ أربعون ميقات ربه، أي كمل، ثم أسند التمام للميقات، وانتصب (أربعون) على التمييز.
قاله: أبو حيان
(6)
.
(1)
الفريد في إعراب القرآن المجيد (3: 124).
(2)
ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل (1: 421).
(3)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 449).
(4)
ينظر: الدر المصون (5: 447)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروزأبادي (5: 239)، تفسير الآلوسي (5: 42)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (3: 448).
(5)
الدر المصون (5: 447).
(6)
ينظر: تفسير أبي حيان (5: 161).
وعلّق عليه السمين قائلاً: "وهذا الذي قاله وجَعَلَه هو الذي يظهر يُشكل بما ذكره هو في الردِّ على الحَوْفي، حيث قال هناك: إن الثلاثين لم تكن ناقصةً فتتمَّ، كذلك ينبغي أن يُقالَ هنا: إن الأربعين لم تكن ناقصةً فتتمَّ، فكيف يُقَدِّر: فتمَّ أربعون ميقات ربه؟ فإنْ أجابَ هنا بجواب فهو جوابٌ هناك لِمَنْ اعترض عليه". اهـ
(1)
ثانيًا: الترجيح:
يصح أن يكون قوله: {أَرْبَعِينَ} حالاً، أي: فتم ميقات ربه معدودًا أربعين ليلة، وقد تقرر في علم النحو أن الحال قد تكون دالة على عدد، و {أَرْبَعِينَ} هنا حال دالة على عدد
(2)
.
و (أربعين) هنا حال؛ لأنها تدل على الهيئة التي كان عليها ذلك التمام.
ويصح أيضاً أن يكون {أَرْبَعِينَ} مفعول به على تضمين (تمّ) معنى: بَلَغَ.
أمّا القول بأن {أَرْبَعِينَ} ظرف من حيث هو عدد أزمنة - وهو الوجه الذي جوزه ابن عطية- فهو قول ضعيف كما قال السمين، فيبعد أن يكون ظرفاً؛ لأن الفعل (تمّ) لم
(1)
الدر المصون (5: 448).
(2)
ينظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام (2: 254)، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (2: 247)، شرح التصريح على التوضيح، لخالد الأزهري (1: 576).
يحصل في الأربعين، أي أن التمام لم يحدث إلا بانقضاء الليلة الأخيرة، والليالي السابقة لها لم تكن ظرفًا للفعل (تمّ)؛ لأن التمام لم يحدث فيها وإنما حدث في الليلة الأربعين.
وليس المعنى: تمّ في أربعين، والتمام لم يقع في كل جزء من أجزاء الأربعين ليلة ولا في بعضها، بل بآخر جزء من تلك الأزمنة
(1)
.
* * *
(1)
ينظر: الدر المصون (5: 447)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (3: 448).