الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[22]: قال ابنُ عطية في معرض تفسيره لقوله - تعالى-: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
[هود: 44]
: "وقرأ جمهور الناس: {عَلَى الْجُودِيِّ}
(1)
بكسر الياء وشدِّها، وقرأ الأعمش
(2)
وابن أبي عبلة
(3)
(على الجُودِيْ) بسكون الياء، وهما لغتان". اهـ
(4)
وقال السمين الحلبي: "وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة بتخفيف (الجُوْدِيْ).
قال ابن عطية: "وهما لغتان"، والصواب أن يقال: خُفِّفَتْ ياءُ النسب، وإن كان لا يجوزُ ذلك في كلامهم الفاشي". اهـ
(5)
دراسة الاستدراك:
ذَكَرَ أغلبُ المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية المرادَ بالجوديّ
(6)
دون تفصيل للفظ الكلمة، وما إذا كان (الْجُودِيِّ) في الأصل نسبة إلى الجود والياء ياء النسب أم غير ذلك
(7)
.
(1)
قرأ الجماعة: {عَلَى الْجُودِيِّ} بياء مشددة، وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة والمطوعي:(الجوديْ) بسكون الياء. ينظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لابن جنّي (1: 323)، زاد المسير، لابن الجوزي (2: 376)، تفسير أبي حيان (6: 161)، الإتحاف، للدمياطي (ص: 321).
(2)
سُلَيمانُ بنُ مِهْرَانَ الأَسَدِيُّ الكَاهِلِيُّ مولاهم، أبو محمد، المعروف بالأَعْمَش، التابعي، الإمام، الحافظ، شيخ المقرئين والمحدثين، كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح، ومن أعلم الناس بالفرائض، توفي سنة 148 هـ. ينظر: تاريخ بغداد، للبغدادي (10: 5)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (6: 226)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (1: 315).
(3)
إبراهيم بنُ أبي عَبْلَةَ العُقَيْلِيُّ الشَّامِيُّ المَقْدِسِيُّ، أبو إسحاق، التابعيّ، الإمامُ، القدوة، قال ابن الجزري:"له حروف في القراءات واختيار خالف فيه العامة في صحة إسنادها إليه نظر" اهـ، توفي سنة 151 هـ وقيل غير ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (6: 323)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (1: 19).
(4)
المحرر الوجيز (3: 176).
(5)
الدر المصون (6: 334).
(6)
جبل مطلّ على جزيرة ابن عمر في الجانب الشرقي من دجلة من أعمال الموصل، عليه استوت سفينة نوح-عليه السلام، قال ياقوت الحموي:" ياؤه مشددة" اهـ، وقيل: الجودي اسم لكل جبل. ينظر: تفسير الطبري (15: 334)، تفسير ابن أبي حاتم (6: 2037)، تفسير الماوردي (2: 474)، تفسير البغوي (4: 179)، معجم البلدان، لياقوت الحموي (2: 179).
(7)
ينظر: تفسير الطبري (15: 334)، تفسير الماوردي (2: 474)، تفسير البغوي (4: 179)، زاد المسير، لابن الجوزي (2: 377).
ومنهم مَن قال بأن في (الجودي) لغتان: بتشديد الياء وتسكينها، دون إشارة إلى أن الياء في الجودي هي ياء النسب المشددة أو أن الجودي في الأصل منسوب إلى الجود.
قال بذلك: مكيُّ بن أبي طالب
(1)
، وابن عطية
(2)
.
قال مكيّ: "وفي الجودي لغتان: تشديد الياء، وتخفيفها". اهـ
(3)
أما جمهور العلماء الذين تحدثوا عن هذه اللفظة فقد أثبتوا أن الجودي في الأصل منسوب إلى الجود، والياء فيها مشددة، وهي ياء النسب، وتخفيفها شاذ.
وممن قال بذلك: الأخفش
(4)
، وابن جنّي
(5)
، وأبو البقاء
(6)
، وأبو حيان
(7)
، والسمين
(8)
، وغيرهم
(9)
.
(1)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (5: 3403).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 176).
(3)
الهداية إلى بلوغ النهاية (5: 3403).
(4)
ينظر: معاني القرآن (1: 383).
(5)
ينظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1: 323).
(6)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 700).
(7)
ينظر: تفسير أبي حيان (6: 161).
(8)
ينظر: الدر المصون (6: 334).
(9)
ينظر: زاد المسير، لابن الجوزي (2: 376)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (3: 475).
قال الأخفش: "وأما (الجُودِيُّ) فثُقّلَ لأنها ياء النسبة فكأنه أضيف إلى الجُود ". اهـ
(1)
وقال الراغب: " هو في الأصل منسوب إلى الجود". اهـ
(2)
وقال أبو البقاء: "قوله -تعالى-: {عَلَى الْجُودِيِّ}: بتشديد الياء، وهو الأصل". اهـ
(3)
وتشديد ياء النسب واجب لغةً باتفاق أهل اللغة، فلا يجوز تخفيفها؛ لئلا تلتبس بياء المتكلم المضاف إليها، ولأن النِّسبَة تصير لازمة للمنسوب، فصارَت هذه الإضافة - ياء النسب- أشدَّ مبالغة من سائِر الإضافات، فشدَّدُوا ياء النسب؛ ليدلوا على هذا المعنى
(4)
.
أما تخفيف ياء النسب في هذه القراءة فهو لاستثقال الياءين -ياءي النسب-
(5)
، وهذا التخفيف -بحذف إحدى ياءي النسب- قليلٌ شاذ، وبابُه الشعر
(6)
.
قال الفراء عن هذه القراءة: "هي مما كَثُر به الكلام عند أهله فخُفِّف". اهـ
(7)
(1)
معانى القرآن (1: 383).
(2)
المفردات (1: 211).
(3)
التبيان في إعراب القرآن (2: 700).
(4)
ينظر: علل النحو، لابن الوراق (1: 529)، ملحة الإعراب، للحريري (1: 64)، ضياء السالك إلى أوضح المسالك، لمحمد النجار (4: 252).
(5)
في النسب ياءان: الأُولَى منهما ساكنةٌ مدغمة في الأُخرى ويُكسر ما قبلها. ينظر: الأصول في النحو، لابن السراج (3: 63).
(6)
ينظر: المحتسب، لابن جني (1: 323)، الصحاح، للجوهري (2: 461)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (2: 700)، تفسير أبي حيان (6: 161).
(7)
معاني القرآن (2: 16).
فاستدراك السمين على ابن عطية وارد؛ لأن تسكين الياء في هذه القراءة الأَوْلى أن يقال فيه: حذفت إحدى ياءي النسب؛ لاستثقال الياءين، وذلك قليل شاذ.
وقراءة الجمهور بالتشديد قد تعتبر مرجحاً للقول بأن الياء في (الجودي) ياء النسب، وهي قد تخفف كما في قراءة الأعمش وابن أبي عبلة.
وبالجملة فإن الخلاف بين قولي ابن عطية والسمين لا يترتب عليه اختلاف في المعنى، فالجودي هو ذاته في كلا التوجيهين، إنما الخلاف في لفظ الكلمة وأصلها لا في معناها.
* * *