الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمينُ الحلبيّ: "قوله: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} في هذه الواوِ وجهان، أظهرُهما: أنها للعطف قُدِّمَتْ عليها همزةُ الاستفهامِ لأنها لها صدرُ الكلام -كما تقدَّم تحريرُه غيرَ مرةٍ-، والهمزةُ هنا للتقرير.
والثاني: أنها واوُ الحال، دخلت عليها ألفُ التقرير، قاله ابن عطية، وفيه نظرٌ مِن حيث إنها إذا كانت للحالِ كانت الجملةُ بعدَها في محلِّ نصبٍ، وإذا كانت كذلك استدعَتْ ناصباً وليس ثَمَّ ناصبٌ في اللفظ، فلا بدَّ من تقديرِه: والتقدير «أسألْتَ ولم تؤمِنْ» ، فالهمزةُ في الحقيقةِ إنما دخلت على العامل في الحال، وهذا ليس بظاهر، بل الظاهرُ الأولُ، ولذلك أُجيبت بـ {بَلَى} ، وعلى ما قال ابنُ عطية يَعْسُر هذا المعنى". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
تحدث المعربون عن الواو من قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} ولهم فيها قولان رئيسان:
1 -
أنَّها واو الحال، دخلت عليها ألف التقرير.
قاله: ابن عطية
(2)
، ووافقه: القرطبي
(3)
.
وبيّنه ابنُ عاشور حيث قال: " الواوُ فيه واو الحال، والهمزةُ استفهامٌ تقريريّ على هذه الحالة، وعاملُ الحال فعلٌ مقدّر دلَّ عليه قوله: {أَرِنِي}، والتقدير: أأريكَ في حال أنّك لم تُؤمن". اهـ
(4)
(1)
الدر المصون (2: 573).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 353).
(3)
ينظر: تفسير القرطبي (3: 300).
(4)
التحرير والتنوير (3: 38).
وضعّف هذا القول عددٌ من العلماء، منهم: أبو حيان
(1)
، والسمين الحلبي
(2)
، والثعالبي
(3)
.
ووجه الضعف يكمن في أن الواو إذا كانت للحال فلا يتأتى أن يُجاب العامل في الحال بقوله: {بَلَى}
(4)
.
وقال السمين الحلبي: "وفيه نظرٌ من حيث إنها إذا كانَتْ للحالِ كانَتِ الجملةُ بعدَها في محلِّ نصبٍ، وإذا كانتْ كذلك استدعَتْ ناصباً وليس ثَمَّ ناصبٌ في اللفظ، فلا بدَّ من تقديرِه: والتقدير «أسألْتَ ولم تُؤمِن»، فالهمزةُ في الحقيقة إنما دخلت على العامل في الحال، وهذا ليس بظاهر، بل الظاهرُ الأولُ، ولذلك أُجيبت بـ {بَلَى}، وعلى ما قال ابنُ عطية يَعْسُر هذا المعنى". اهـ
(5)
وما قاله السمين كلامٌ وجيه، إلا أنه لا يلزم أن يكون التقدير: أسألت ولم تؤمن، بل قد يكون التقدير كما قال ابن عاشور: أأريك في حال أنك لم تؤمن.
(1)
ينظر: تفسير أبي حيان (2: 643).
(2)
ينظر: الدر المصون (2: 573).
(3)
ينظر: تفسير الثعالبي (1: 513).
(4)
ينظر: تفسير أبي حيان (2: 643).
(5)
الدر المصون (2: 573).
وعلى كلا التقديرين فهذا الوجه ليس بالقوي، فيبعد أن تكون الهمزة داخلة على العامل في الحال، بل الظاهر أن هذا التقرير منسحب على الجملة المنفية فقط، وأنّ الواو للعطف
(1)
.
2 -
أنّ الواو واو العطف، دخلت عليها همزة الاستفهام التقريري، ولا يدخل شيء من حروف الاستفهام على حروف العطف إلا الهمزة؛ لأنها الأصل في حروف الاستفهام.
قاله: عبد الرحمن الأنباري
(2)
، وأبو حيان
(3)
، والسمين الحلبي
(4)
، والشوكاني
(5)
، وغيرهم
(6)
.
ثم منهم مَن قال بأن العطف على مُقدّر، وهذا المقدر يكون بحسب السياق
(7)
.
(1)
ينظر: تفسير الثعالبي (1: 513).
(2)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن (1: 156).
(3)
ينظر: تفسير أبي حيان (2: 643).
(4)
ينظر: الدر المصون (2: 573).
(5)
ينظر: فتح القدير (1: 323).
(6)
ينظر: تفسير الثعالبي (1: 513)، تفسير الآلوسي (2: 26)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (3: 40)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (1: 402)، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (3: 298)، التفسير المنير، للزحيلي (3: 36)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 52)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 44)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 96)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (1: 111).
(7)
ينظر: فتح القدير، للشوكاني (1: 323)، تفسير الآلوسي (2: 26)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 52)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 96).
قال الشوكاني: "قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} عُطِفَ على مُقَدَّر، أي: أَلَمْ تعلم، ولم تُؤمن بأنّي قادرٌ على الإحياء حتى تسألني إِرَاءَتَهُ؟ قال: بَلى علمتُ وآمنتُ بأنّك قادرٌ على ذلك، ولكن سألتُ ليطمئن قلبي". اهـ
(1)
ومنهم مَن قال بأن العطف على ما سبق، والهمزة للاستفهام وأصل محلها بعد الواو، أي: وَألم تُؤمن؟
(2)
والراجح من هذه الأقوال: أنّ الواو عاطفة، والعطف على ما سبق أولى مِن العطف على مُقدر، فقد يُقدر أحدهم فعلاً ليس هو المراد
(3)
، ثم إن العلماء يختلفون في تقدير ذلك الفعل؛ إذ لا نص عليه، بل هو بحسب فهمهم للآية وسياقها، وعليه: فتقدير الجملة المحذوفة غير مطرد
(4)
.
فالأَوْلى أن يكون العطف على ما سبق لا على جملة مُقدرة، أي: وَألم تُؤمن، وهذا مذهب جمهور النحويين في (أوَلمَ) ونحوها: أن الواو فيها حرف عطف، والجملة التي بعد العاطف معطوفة على ما قبلها، وليس هناك جملة محذوفة بين الهمزة والعاطف
(5)
.
والهمزة في الأصل بعد العاطف، ولكنّها قُدمت تنبيهًا على أصالتها في التصدير
(6)
.
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في محله؛ إذ جعْلُ الواو للحال قولٌ فيه بُعد كما تمّ بيانه.
* * *
(1)
فتح القدير (1: 323).
(2)
ينظر: الدر المصون (2: 573)، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (3: 298).
(3)
ينظر: تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (3: 298).
(4)
ينظر: مختصر مغني اللبيب، لمحمد العثيمين (ص: 7).
(5)
ينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، للمرادي (2: 1033)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام (1: 22)، حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3: 154).
(6)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام (1: 22)، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسيوطي (2: 582)، حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (3: 154).