الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفعول، وهو حالٌ من الكتاب معطوف على قوله:{مُصَدِّقًا} ، وعلى هذا يتجه أنَّ المؤتَمَنَ عليه هو محمد عليه السلام.
قال: "وكذلك مشى مكي رحمه الله".
قلت: وما قاله أبو محمد ليس فيه ما يَرُدُّ على الطبري، فإنَّ الطبري استشكل كونَ (مهيمَنا) حالاً من الكاف على قراءة مجاهد، وأيضاً فقد قال ابن عطية بعد ذلك:"ويحتمل أن يكون {مُصَدِّقًا} و {وَمُهَيْمِنًا} حالَيْن من الكاف في {إِلَيْكَ}، ولا يَخُصُّ ذلك قراءةَ مجاهد وحده كما زعم مكي"، فالناس إنما استشكلوا كونَهما حالين من كاف {إِلَيْكَ}
…
؛ لقلق التركيب". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
أولاً: قراءة مجاهد وتفسيره:
قرأ مجاهد (ومهيمَناً) بفتح الميم الثانية: اسم مفعول، وهي قراءة شاذة، مخالفة لما اتفق عليه العشرة
(2)
.
وقيل في توجيه في قراءة مجاهد أن معناها: هيمن عليه اللَّهُ - سبحانه-
(3)
.
(1)
الدر المصون (4: 290).
(2)
ينظر: معاني القرآن، للنحاس (2: 318)، مختصر في شواذ القرآن، لابن خالويه (ص: 39)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (3: 1767)، تفسير القرطبي (6: 210)، تفسير أبي حيان (4: 282)، فتح القدير، للشوكاني (2: 55)
(3)
ينظر: فتح القدير، للشوكاني (2: 55).
قال الزمخشري في توجيهه لقراءة مجاهد: "والذي هيمن عليه اللَّه عز وجل أو الحفّاظ في كل بلد، لو حُرِّف حَرْف منه أو حركة أو سكون لتنبه عليه كل أحد"
(1)
.
وقال مجاهد في تفسيره لقوله: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]: "مُؤتَمَنٌ على الكتب"
(2)
.
وفي رواية: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} : "مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم مؤتمناً على القرآن، والمهيمن الشَّاهِد على ما قبله من الْكتب"
(3)
.
وأغلب المفسرين يذكرون تفسير مجاهد هذا بعد قراءته مباشرة، أي أنهم يرون أن تفسيره بناء على قراءته لا على قراءة الجمهور
(4)
.
ثانياً: رأي الطبري في قراءة مجاهد وتفسيره:
قال الطبري بعد أن ذكر تفسير مجاهد: "فتأويل الكلام على ما تأوّله مجاهد: وأنزلنا الكتاب مصدقًا الكتبَ قبله إليك، مهيمنا عليه، فيكون قوله:{مُصَدِّقًا} حالا من {الْكِتَابَ} وبعضًا منه، ويكون التصديق من صفة الكتاب، والمهيمن حالاً من الكاف التي في {إِلَيْكَ} ،
(1)
تفسير الزمخشري (1: 640).
(2)
تفسير مجاهد (ص: 310).
(3)
تفسير الطبري (10: 381)، تفسير ابن أبي حاتم (4: 1150)، الأسماء والصفات، للبيهقي (1: 168)، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي (3: 95).
(4)
ينظر: معاني القرآن، للنحاس (2: 318)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (3: 1767)، تفسير القرطبي (6: 210).
وهي كناية عن ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء في قوله:{عَلَيْهِ} عائدة على الكتاب"
(1)
.
ثم قال: "وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدق، فلا يكون إلا من صفة ما كان المصدِّق صفةً له، ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد، لقيل: وأنزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديه من الكتاب مهيمنًا عليه؛ لأنه لم يتقدم من صفة الكاف التي في {إِلَيْكَ} بعدَها شيءٌ يكون {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} عطفًا عليه، وإنما عطف به على المصدق، لأنه من صفة {الْكِتَابَ} الذي من صفته المصدق.
فإن ظنّ ظان أن (المصدق) على قول مجاهد وتأويلهِ هذا من صفة الكاف التي في {إِلَيْكَ} ، فإن قوله:{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك، وأن يكون (المصدق) من صفة الكاف التي في {إِلَيْكَ}؛ لأن الهاء في قوله:{بَيْنَ يَدَيْهِ} ، كناية اسم غير المخاطب، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {إِلَيْكَ} ، ولو كان (المصدق) من صفة الكاف، لكان الكلام: وأنزلنا إليك الكتاب مصدِّقًا لما بين يديك من الكتاب ومهيمنا عليه، فيكون معنى الكلام حينئذٍ كذلك". اهـ
(2)
(1)
تفسير الطبري (10: 381).
(2)
تفسير الطبري (10: 382).
ثالثاً: استدراك ابن عطية على الطبري:
ذهب ابن عطية إلى أن اعتراض الطبري غير وارد على قراءة مجاهد؛ لأن ما قاله الطبري يصدق على قراءة الجمهور بكسر الميم الثانية في {وَمُهَيْمِنًا} مع حمل المعنى على تفسير مجاهد، ومجاهد إنما يقرأ بفتح الميم الثانية، وإذا كان ذلك كذلك فما قاله مجاهد في معنى (ومهيمَناً) صحيح لا يُرد
(1)
.
رابعاً: موافقة السمين للطبري ورده على ابن عطية:
لم يوافق السمينُ ابنَ عطية في اعتراضه على الطبري؛ فذهب إلى تأييد الطبري في اعتراضه على مجاهد حيث قال: "وما قاله أبو محمد ليس فيه ما يَرُدُّ على الطبري، فإنَّ الطبري استشكل كونَ (مهيمَنا) حالاً من الكاف على قراءة مجاهد، وأيضاً فقد قال ابن عطية بعد ذلك: "ويحتمل أن يكون مصدقاً ومهيمناً حالَيْن من الكاف في {إِلَيْكَ} ، ولا يَخُصُّ ذلك قراءةَ مجاهد وحده كما زعم مكي"، فالناس إنما استشكلوا كونَهما حالين من كاف {إِلَيْكَ} لقلق التركيب". اهـ
(2)
والأقرب للصواب هو عدم ورود استدراك ابن عطية على الطبري؛ لأن الطبري استشكل تفسير مجاهد ويُحتمل أن مجاهداً عندما ذكر هذا المعنى بناه على القراءة المتواترة، ويُحتمل أنه بناه على القراءة الشاذة، والأصل أن المفسر إذا ذكر معاني القرآن فإنما يذكرها على المتواتر المعروف من القراءة لا على الشاذ
(3)
.
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 200).
(2)
الدر المصون (4: 290).
(3)
ينظر: استدراكات ابن عطية على الطبري، لشايع الأسمري (ص: 556).
وأيضاً فإن هذا المعنى الذي ذكره مجاهد مُشكل حتى وإن حُمل على القراءة الشاذة، فإن قوله - تعالى- {وَمُهَيْمِنًا} على هذا القراءة حال من الكاف في {إِلَيْكَ} ، وهذا لا يتجه كما قال الطبري
(1)
والسمين الحلبي
(2)
؛ فإن {مُصَدِّقًا} حال من الكتاب لا حال من الكاف في {إِلَيْكَ} ؛ إذ لو كان حالاً منها لكان التركيب: لما بين يديك؛ بكاف الخطاب، وتأويله على أنه من الالتفات من الخطاب إلى الغيبة بعيد عن نظم القرآن
(3)
.
ومما يزيد في ضعف قراءة مجاهد وتفسيره ما جاء عن ابن عباس: " المُهَيْمِنُ: الأمين، القرآن أمينٌ على كل كتابٍ قبله".
(4)
* * *
(1)
ينظر: تفسير الطبري (10: 381).
(2)
ينظر: الدر المصون (4: 290).
(3)
ينظر: تفسير أبي حيان (4: 282).
(4)
تفسير الطبري (10: 379)، تفسير ابن أبي حاتم (4: 1150)، الأسماء والصفات، للبيهقي (1: 167).