الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
موضوع هذا الاستدراك هو إعراب قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} ، وهذه المسألة للعلماء فيها أربعة أقوال:
1 -
أنّ {يَوْمَ} عطف على محل {فِي مَوَاطِنَ} ، والمعنى: ونصركم يوم حنين.
قاله: مكي بن أبي طالب
(1)
، والكِرماني
(2)
، وعبد الرحمن الأنباري
(3)
، وأبو البقاء
(4)
، والسمين
(5)
، وغيرهم
(6)
.
قال مكي: "نصب {يَوْمَ} على العطف على موضع {فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ}
(7)
، تقديره: ونصركم يوم حُنَين". اهـ
(8)
وهذا أظهر الأوجه، ولم أجد أحدًا مِن العلماء ضعّفه.
2 -
أنّ {يَوْمَ} منصوب بفعل مضمر، والتقدير: ونصركم يومَ حنين.
(1)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 326).
(2)
ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل (1: 450).
(3)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن (1: 337).
(4)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 639).
(5)
ينظر: الدر المصون (6: 35).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (3: 251)، تفسير البيضاوي (3: 76)، تفسير أبي السعود (4: 55)، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (4: 312)، روح البيان، لإسماعيل حقي (3: 405)، فتح القدير، للشوكاني (2: 396)، تفسير الآلوسي (5: 266)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (10: 155)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 198)، المجتبى، لأحمد الخراط (2: 390).
(7)
قوله: (فِي مَوَاطِنَ) محله النصب على الظرفية.
(8)
مشكل إعراب القرآن (1: 326).
قاله: الزمخشري
(1)
، وابنُ جُزَي
(2)
، وغيرهما
(3)
.
قال الزمخشري في احتجاجه لهذا الوجه: "الواجب أن يكون {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} منصوباً بفعل مضمر لا بهذا الظاهر، وموجب ذلك أنّ قوله: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ} بدل من {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصح، لأنّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن، ولم يكونوا كثيراً في جميعها، فبقى أن يكون ناصبه فعلا خاصاً به". اهـ
(4)
وقال ابنُ جُزَي: "وهذا أحسن لوجهين: أحدهما: أن قوله: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} مختص بحنين، ولا يصح في غيره من المواطن؛ فيضعف عطف {يَوْمَ حُنَيْن} على المواطن؛ للاختلاف الذي بينهما في ذلك، والآخر: أن مواطن ظرف مكان، و {يَوْمَ حُنَيْن} ظرف زمان، فيضعف عطف أحدهما على الآخر، إلا أن يريد بالمواطن الأوقات". اهـ
(5)
وقد رُدّ على ذلك بأن إبدال قوله: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} منه لا يمنع أن يعطف على موضع {فِي مَوَاطِنَ} فإنه لا يقتضي تشاركهما فيما أضيف إليه المعطوف حتى
(1)
ينظر: تفسير الزمخشري (2: 259).
(2)
ينظر: تفسير ابن جزي (1: 334).
(3)
ينظر: تفسير أبي السعود (4: 55)، البحر المديد، لابن عجيبة (2: 369)، فتح القدير، للشوكاني (2: 396)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (1: 451).
(4)
تفسير الزمخشري (2: 259).
(5)
تفسير ابن جزي (1: 334).
يقتضي كثرتهم وإعجابهم بها في جميع المواطن؛ فالعطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف
(1)
.
أمّا عطف الزمان على المكان والعكس فهو جائز على القول الراجح ولا مانع منه طالما أمن اللبس، نحو: قابلتك أمام بيتك هذا ويوم الخميس
(2)
.
وقد استحسن السمينُ قولَ الزمخشري وشَرَحَه ثمّ استدرك حيث قال: "وتقديره أن الفعلَ مقيدٌ بظرفِ المكان، فإذا جعلنا {إذ} بدلاً من {يَوْم} كان معمولاً له؛ لأنَّ البدلَ يَحُلُّ مَحَلَّ المبدل منه، فيلزم أنه نصرهم إذ أعجبتهم كثرتُهم في مواطن كثيرة، والفرض أنهم في بعض هذه المواطن لم يكونوا بهذه الصفة، إلا أنه قد ينقدح فإنه - تعالى- لم يقل: في جميع المواطن حتى يلزم ما قال". اهـ
(3)
3 -
أنّ {يَوْمَ} معطوف على لفظ {مَوَاطِنَ} ، بتقدير: وفي يوم، فانحذف حرف الجر.
ذكره ابن عطية
(4)
، واستبعده السمين الحلبي وقال:" وهذا لا حاجةَ إليه" اهـ
(5)
.
ووجه ضعفه أنّ {مَوَاطِنَ} مجرورة بـ {في} ، و {يَوْم} منصوب على الظرفية، فلو كان معطوفًا عليه لجُرّ
(6)
.
(1)
ينظر: تفسير البيضاوي (3: 76)، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (4: 312)، فتح القدير، للشوكاني (2: 397)، تفسير الآلوسي (5: 267).
(2)
ينظر: الدر المصون (6: 35)، مغني اللبيب، لابن هشام (1: 616)، حاشية الصبان على شرح الأشمونى (2: 197)، فتح القدير، للشوكاني (2: 396)، النحو الوافي، لعباس حسن (3: 661)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (4: 79).
(3)
ينظر: الدر المصون (6: 36).
(4)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 19).
(5)
الدر المصون (6: 35).
(6)
ينظر: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (4: 312).
4 -
أنّ {يَوْمَ} مفعول به لفعل محذوف تقديره: أذكر، أي: واذكروا يوم حنين.
قاله: الباقولي
(1)
، والفخر الرازي
(2)
، وغيرهما
(3)
.
قال الفخر الرازي: "أي: واذكروا يومَ حُنَيْنٍ مِن جملة تلك المواطن حالَ ما أعجبتكم كثرتكم". اهـ
(4)
والراجح: أنّ {يَوْمَ} عطف على موضع {فِي مَوَاطِنَ} ، والتقدير: ونصركم يوم حنين؛ فهذا أصح الأوجه لسلامته من جهتي المعنى والصناعة النحوية.
ويصح أيضًا أن يكون {يَوْم} منصوب بفعل مضمر تقديره: ونصركم، وإن كان في كلام مَن اختار هذا الوجه بعض مناقشة إلا أن معناه يؤول لنفس معنى القول الراجح: ونصركم يومَ حُنين.
أمّا القول بأن {يَوْم} مفعول لفعل مقدر: أذكر، فهو قول محتمل، ولكن لا ضرورة هنا تقتضي إضمار فعل تقديره: أذكر.
أمّا العطف على لفظ {مَوَاطِنَ} وهو الوجه الذي ذكره ابن عطية فهو أضعف الأقوال؛ لأنّ لفظ {مَوَاطِنَ} مجرور، و {يَوْم} منصوب، فلو كان معطوفاً عليه لجاء مجرورًا.
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في محله، فالعطف هنا ليس على لفظ {مَوَاطِنَ} المجرور، وإنما على محل {فِي مَوَاطِنَ} المنصوب على الظرفية.
* * *
(1)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات (ص: 319).
(2)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (16: 18).
(3)
ينظر: تفسير النسفي (1: 672)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (2: 222).
(4)
تفسير الفخر الرازي (16: 18).