الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمينُ الحلبيّ: "قوله: {وَأَنْهَارًا} عطفٌ على {رَوَاسِيَ} لأنَّ الإلقاءَ بمعنى الخلق، وادِّعاءُ ابن عطية أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ، أي: وجَعَل فيها أنهاراً، ليس كما ذكره، وقدَّره أبو البقاء: وشَقَّ فيها أنهارا
(1)
، وهو مناسبٌ". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
أولاً: أقوال العلماء في إعراب {أنهاراً} من قوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا} :
في إعراب {أنهارًا} ثلاثة أقوال:
1 -
أنَّ قوله: {أنهارًا} معطوف على {رَوَاسِيَ} ، لأنّ الإلقاء بمعنى الجعل؛ إذ الإلقاء جعْلٌ مخصوص.
قاله: الطبري
(3)
، ومكي بن أبي طالب
(4)
، والفخر الرازي
(5)
، والسمين
(6)
، وغيرهم
(7)
.
(1)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 792).
(2)
الدر المصون (7: 202).
(3)
ينظر: تفسير الطبري (17: 184).
(4)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (6: 3965).
(5)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (20: 191).
(6)
ينظر: الدر المصون (7: 202).
(7)
ينظر: تفسير الخازن (3: 71)، تفسير النيسابوري (4: 250)، نظم الدرر، للبقاعي (11: 126)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (2: 222)، تفسير الآلوسي (7: 358)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (14: 293)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (5: 279)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 277)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 14)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 269)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 154).
قال الطبري: "عطف بالأنهار على الرواسي، وأعمل فيها ما أعمل في الرواسي، إذ كان مفهومًا معنى الكلام والمراد منه". اهـ
(1)
وقال الفخر الرازي: " {وَأَنْهَارًا} معطوفٌ على قوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} ، والتقدير: وألقى رواسيَ وأنهارًا.
وخَلْقُ الأنهار لا يَبْعُدُ أَنْ يُسمى بالإلقاء، فيقال: ألقى الله في الأرض أنهارا كما قال: {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [ق: 7]، والإلقاء معناهُ الجَعْلُ ألا تَر أنه - تعالى- قالَ في آيةٍ أخرى:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت: 10] ". اهـ
(2)
2 -
أنَّ {أنهارًا} منصوب بفعل مضمَر، أي: وجعل أو وخلقَ أنهارًا.
قاله: ابنُ عطية
(3)
، وضعّفه: السمين الحلبي
(4)
.
قال ابن عطية: "وقوله: {أَنْهاراً} منصوب بفعل مضمر، تقديره: وجعل أو وخلق أنهارا".
ثم قال: "وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص لـ {أَلْقى}، ولو كانت {أَلْقى} بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار". اهـ
(5)
(1)
تفسير الطبري (17: 184).
(2)
تفسير الفخر الرازي (20: 191).
(3)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 384).
(4)
ينظر: الدر المصون (7: 202).
(5)
المحرر الوجيز (3: 384).
فقوله: {أنهارًا} عند ابن عطية ليس معطوفاً على {رواسي} ، ولكنه عطف جملة على جملة، والتقدير: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وجعل أنهارًا.
3 -
أنَّ {أنهارًا} مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: وشقّ أنهارًا.
قاله: أبو البقاء
(1)
، واستحسنه السمين الحلبي
(2)
.
قال أبو البقاء: "أي: وشقَّ أنهارًا". اهـ
(3)
قال السمين معلقًا على هذا التقدير: "وهو مناسِبٌ ". اهـ
(4)
ففي هذا القول إضمار فعل كقول ابن عطية، مع اختلاف الفعل المقدر.
ثانياً: الترجيح:
الراجح أنّ قوله: {أنهارًا} معطوف على {رَوَاسِيَ} منصوب، فهو أقوى الأقوال لأنه لا إضمار فيه.
(1)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 792).
(2)
ينظر: الدر المصون (7: 202).
(3)
التبيان في إعراب القرآن (2: 792).
(4)
الدر المصون (7: 202).
والعامل في {أنهارًا} هو الفعل {ألقى} ، وذلك باعتبار المعنى، قال مكي بن أبي طالب:"ولا يحسن حمله على {ألقى} لأنه لا يقال: ألقى الله الأنهار والسبل، ولكن حمل على المعنى؛ لأن معنى {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ}: جعل فيها رواسي، فعطف {وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا} على هذا المعنى". اهـ
(1)
أمّا قول ابن عطية بأن أنهارًا مفعول به لفعل مقدر، والتقدير: وجعل أنهارًا، فليس بضعيف كما قال السمين، بل هو جائز، وهو أولى من التقدير الآخر الذي استحسنه: شَقّ أنهارًا، لأن (جَعَلَ) له ما يشهد له بخلاف (شَقّ)؛ قال- تعالى-:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} [الرعد: 3]، وقال:{وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا} [النمل: 61].
ولكن الخطأ إنما هو فيما قاله ابن عطية بعد ذلك، حيث ادعى الإجماع على إضمار فعل، وقال بأن في هذا الإجماع دليل على أنّ {ألقى} ليست بمعنى (جعل) أو (خلق)
(2)
.
والسمين لم يوضح ذلك في استدراكه على ابن عطية، وصرّح بذلك أبو حيان حيث قال:"وأيّ إجماع في هذا، وقد حُكِيَ عن المتأولين أنَّ {أَلْقَى} بمعنى: خَلقَ وجَعَل". اهـ
(3)
(1)
الهداية إلى بلوغ النهاية (6: 3965).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 384).
(3)
تفسير أبي حيان (6: 514).
فهذا الإجماع الذي ادعاه ابنُ عطية لا يصح، وقد صرّح الجمهور
(1)
بأنَّ {ألقى} في الآية بمعنى (جَعلَ) و (خَلَقَ).
قال الزجّاج: "المعنى: وجعل فيها رَوَاسيَ وأنهاراً وسُبُلاً، لأن معنى ألقى في الأرض رواسي: جعل فيها رواسي، ودليل ذلك قوله: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7] ". اهـ
(2)
وقال الزمخشري: " {وَأَنْهَارًا}: وجعل فيها أنهاراً، لأن ألقى فيه معنى: جعل، ألا ترى إلى قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} [النبأ: 6، 7] ". اهـ
(3)
وما ذكره العلماء بأنّ {ألقى} بمعنى (جَعلَ) هو الصحيح - خلافاً لابن عطية-، بدليل آية النبأ - السابق ذكرها-، وقوله- تعالى-:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} [الرعد: 3]، وقوله:{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31]، وقوله:{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} [النمل: 61]، وقوله:{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا} [فصلت: 10]، وقوله:{وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} [المرسلات: 27].
* * *
(1)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (3: 193)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (6: 3965) الملخص في إعراب القرآن، للخطيب التبريزي (ص: 189)، تفسير الزمخشري (2: 598)، الفريد، للمنتجب الهمذاني (4: 106)، تفسير القرطبي (10: 91)، تفسير البيضاوي (3: 222)، تفسير أبي السعود (5: 104)، روح البيان، لإسماعيل حقي (5: 20)، فتح القدير، للشوكاني (3: 184).
(2)
معاني القرآن وإعرابه (3: 193).
(3)
تفسير الزمخشري (2: 598).