الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
أولاً: أقوال العلماء في معنى (كاد) في النفي والإثبات:
1 -
أن إثباتها إثبات للمقاربة دون الفعل، ونفيها نفي للمقاربة ويلزم منه نفي الفعل.
قاله: السمين الحلبي
(1)
، وابن هشام
(2)
، والسيوطي
(3)
، وغيرهم
(4)
.
قال ابنُ هشام: "والصواب أن حكمها حكم سائر الأفعال في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات، وبيانه أن معناها المقاربة، ولا شكّ أن معنى كَاد يفعل: قَارب الْفِعْل، وَأَن معنى مَا كَاد يفعل: مَا قَارب الْفِعْل، فخبرها منفي دائماً، أما إذا كانت منفية فواضح؛ لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلاً حصول ذلك الفعل، ودليله:{إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]، ولهذا كان أبلغ من أن يُقال: لم يرهَا؛ لأن مَن لم يرَ قد يُقَارب الرؤية.
وأما إذا كانت المقاربة مثبتة؛ فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عُرفاً عدم حصوله، وإلا لَكانَ الإخبار حينئذٍ بحصوله لا بمقاربة حصوله". اهـ
(5)
2 -
أن إثباتها نفي، ونفيها إثبات.
(1)
ينظر: المصدر السابق، الموضع نفسه.
(2)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1: 869).
(3)
ينظر: الإتقان (2: 255)، همع الهوامع (1: 483).
(4)
ينظر: تاج العروس، للزبيدي، مادة: كود (9: 118)، المعجم الوسيط، مادة: كاد (2: 804).
(5)
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1: 869).::
قاله: ابن فارس
(1)
، وابن عطية
(2)
، وأبو البقاء
(3)
، وغيرهم
(4)
.
قال ابنُ فارس: "إذا وقعت (كاد) مجردة فلمْ يقعْ ذلك الشيء؛ تقول: كَادَ يفعل؛ فهذا لم يفعل، وإذا قُرنتْ بِجَحْدٍ فقد وقع، إذا قلتَ: ما كاد يفعله؛ فقد فَعَلَه، قال اللَّهُ -سبحانه-: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] ". اهـ
(5)
3 -
أن نفي الماضي إثبات؛ بدليل:
…
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]، ونفي المضارع نفي بدليل {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] مع أنهُ لم يَرَ شيئاً.
ذكره بعض العلماء وضعّفوه
(6)
.
4 -
أن إثباتها إثبات للمقاربة دون الفعل، ونفيها نفي، وقد يُستخدم النفي للدلالة على وقوع الفعل بعُسر أو بعد إبطاء ونحو ذلك.
قاله: الفراء
(7)
، والأخفش
(8)
، والطبري
(9)
، وعبد القاهر
(10)
الجُرجاني
(11)
، وابن مالك
(12)
، وغيرهم
(13)
.
(1)
ينظر: مقاييس اللغة، مادة: كود (5: 145).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 103).
(3)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 36).
(4)
ينظر: زاد المسير، لابن الجوزي (1: 41).
(5)
مقاييس اللغة، مادة: كود (5: 145).
(6)
ينظر: ينظر: اجتماع الجيوش الإسلامية، لابن القيم (2: 61)، الإتقان، للسيوطي (2: 255).
(7)
ينظر: معاني القرآن، للفراء (2: 71).
(8)
ينظر: معانى القرآن، للأخفش (1: 331).
(9)
ينظر: تفسير الطبري (16: 549)، (19: 199).
(10)
عبد القاهر بن عبد الرحمن الجُرْجَانِيّ، أبو بكر، شيخ العربية، النحويّ، واضع أصول البلاغة، من تصانيفه:(دلائل الإعجاز)
…
و (أسرار البلاغة)، توفي سنة 471 هـ. ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء، للأنباري (ص: 264)، طبقات الشافعية، للسبكي (5: 149)، سير أعلام النبلاء (18: 432)، بغية الوعاة، للسيوطي (2: 106).
(11)
ينظر: دلائل الإعجاز (1: 274 - 277).
(12)
ينظر: شرح الكافية الشافية (1: 467).
(13)
ينظر: الكليات، للكفوي (1: 749).
قال ابن مالك: "وقد يكون نفيها إعلامًا ببطء الوقوع، والثبوت حاصل كقوله - تعالى-: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] أي: يفقهون ببطء وعسر". اهـ
(1)
(1)
شرح الكافية الشافية (1: 469).
5 -
أن إثباتها إثبات للمقاربة ونفي للفعل، ونفيها إثبات لوقوع الفعل بعد إبطاء.
قاله: مكي بن أبي طالب
(1)
، والواحدي
(2)
، والمنتجب الهمذاني
(3)
، وغيرهم
(4)
.
قال المنتجب: "إذا لم يصحبه حرف نفي قارب الوقوع ولم يقع، وإذا صحبه حرف نفي فهو واقع لا محالة، ولكنه بعد تأخر". اهـ
(5)
6 -
أن إثباتها إثبات للمقاربة دون الفعل، ونفيها إن كانت في كلام واحد فهو لنفي المقاربة، وإن كانت في كلامين اقتضت وقوع الفعل بعد أن لم يكن مقارباً.
قاله: ابن القيم
(6)
.
ثانياً: نقد الأقوال:
هذه الأقوال بينها أوجه اتفاق واختلاف، والأقوال الثلاثة الأخيرة متقاربة، وهي الأقرب للصواب.
(1)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 82).
(2)
ينظر: التفسير الوسيط (1: 97).
(3)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (1: 179).
(4)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (1: 66).
(5)
الفريد في إعراب القرآن المجيد (1: 179).
(6)
ينظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (2: 61).
أما القول الأول - وهو قول السمين- فيعترض عليه بأنه لا يلزم من نفي (كاد) نفي الفعل دائماً، بل الفعل قد يقع كما في قوله:{يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17] وهو يسيغه
(1)
رغماً عنه بعد إبطاء
(2)
.
أما القول الثاني - وهو قول ابن عطية- فيعترض عليه بأن نفيها قد يكون نفياً لا إثباتاً، كما في قوله:{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] فجمهور المفسرين
على أنه لم يرها ولم يكد، وذهب بعضهم إلى أن هذا أبلغ من نفي الرؤية نفسها
(3)
.
وللطبري كلام جيد في هذه المسألة؛ حيث بيّن الأظهر من جهة اللغة، والأظهر من جهة التفسير، فقال: " قد يكون رآها بعد بطء وجهد، كما يقول القائل لآخر: ما كدت أراك من الظلمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدة، وهذا القول أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب (كاد) في كلامها.
والقول الآخر الذي قلنا إنه يتوجه إلى أنه بمعنى لم يرها، قول أوضح من جهة التفسير، وهو أخفى معانيه، وإنما حَسُن ذلك في هذا الموضع، أعني أن يقول: لم يكد يراها مع شدة الظلمة التي ذكر; لأن ذلك مَثَل لا خبر عن كائن كان". اهـ
(4)
أما القول الثالث فلم يرجحه أحد من العلماء، بل وأعرض أغلبهم عن ذكره.
(1)
ينظر: تفسير الطبري (16: 549).
(2)
ينظر: تفسير ابن أبي زمنين (2: 365)، التفسير الوسيط، للواحدي (3: 27)، تفسير القرطبي (9: 351).
(3)
ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (3: 202)، معاني القرآن، للفراء (2: 72)، تفسير الطبري (16: 549)، تفسير ابن أبي حاتم (8: 2615)، التفسير الوسيط، للواحدي (3: 323)، تفسير السمعاني (3: 537)، تفسير الزمخشري (3: 244).
(4)
تفسير الطبري (19: 199).