الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
اختلف المفسرون في قوله: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هل هو من كلام الطائفة، أم خطاب من الله - تعالى- للمؤمنين؟
فذهب الجمهور إلى أن ذلك من قول الطائفة
(1)
، ثم اختلفوا في تفصيل هذا القول؛
فقال بعضهم: هو قول رؤساء اليهود وأحبارهم للسفلة منهم
(2)
، وقال آخرون: هو قول يهود خيبر ليهود المدينة
(3)
.
قال الطبري: "يعني بذلك - جلَّ ثناؤه-: ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم فكان يهوديًّا.
وهذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من اليهود: {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} ". اهـ
(4)
وقال الفخر الرازي: "المعنى: ولا تُصَدِّقُوا إلا نبيّاً يُقَرِّرُ شرائع التوراة، فأمّا مَن جاء بتغيير شيءٍ من أحكام التوراة فلا تُصَدِّقُوه". اهـ
(5)
(1)
ينظر: تفسير الطبري (6: 511)، تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (1: 296)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (2: 1048)، تفسير الماوردي (1: 401)، التفسير الوسيط، للواحدي (1: 450)، تفسير السمعاني (1: 332)، تفسير البغوي (1: 456)، تفسير الزمخشري (1: 373)، المحرر الوجيز (1: 454)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 294)، تفسير الفخر الرازي (8: 259)، تفسير القرطبي (4: 112)، تفسير الخازن (1: 259)، تفسير أبي حيان (3: 212)، الدر المصون (3: 256)، تفسير ابن كثير (2: 59)، الدر المنثور، للسيوطي (2: 241)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (1: 369)، فتح القدير، للشوكاني (1: 402)، تفسير القاسمي (2: 335)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (3: 280).
(2)
ينظر: تفسير البغوي (1: 456)، تفسير القرطبي (4: 112)، فتح القدير، للشوكاني (1: 402).
(3)
ينظر: تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (1: 296)، تفسير الماوردي (1: 401)، تفسير القرطبي (4: 112).
(4)
تفسير الطبري (6: 511).
(5)
تفسير الفخر الرازي (8: 259).
وقال الشوكاني في قوله: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} : " هذا من كلام اليهود بعضِهم لبعض، أي: قال ذلك الرؤساء للسفلةِ: لا تُصَدِّقُوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن تبع دينَكم مِن أهل الملة التي أنتم عليها، وأمّا غيرهم ممن قد أسلم فأظهِروا لهم خداعًا وجهَ النهار واكفروا آخره؛ ليَفتَتِنُوا". اهـ
(1)
وقد نقل ابنُ عطية إجماعَ المفسرين على أنّ ذلك من مقول الطائفة
(2)
، واعترض عليه السمين قائلاً:"وليس بسديدٍ؛ لما نقله الناسُ مِن الخلاف". اهـ
(3)
ولم يتفرد ابنُ عطية بنقل الإجماع على ذلك، فقد وافقه الفخر الرازي
(4)
، وغيره
(5)
.
قال الفخر الرازي: "اتفقَ المفسرون على أنّ هذا مِن بقية كلام اليهود". اهـ
(6)
وقد رجّح الطبري أنّ يكون كل ما جاء في الآية هو خبر من الله عن قول الطائفة باستثناء قوله: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} وقال: "وإنما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التي ذكرناها؛ لأنه أصحها معنًى، وأحسنُها استقامةً، على معنى كلام العرب، وأشدُّها اتساقًا على
(1)
فتح القدير (1: 402).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 454).
(3)
الدر المصون (3: 256).
(4)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (8: 259).
(5)
ينظر: تفسير النيسابوري (2: 187).
(6)
تفسير الفخر الرازي (8: 259).
نظم الكلام وسياقه، وما عدا ذلك من القول فانتزاع يبعُد من الصحة على استكراه شديدٍ للكلام". اهـ
(1)
وذكر بعض المفسرين
(2)
أن قوله: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هو خطاب من الله للمؤمنين لا حكاية عن اليهود.
ثم ذكروا في تفسيرها أوجهًا:
الأول: أنّ المعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دين الإسلام، ويكون ذلك تبييناً أن هذه الشريعة أكمل الشرائع.
والثاني: أن يكون ذلك حثًّا على موالاة المؤمنين، ونهيا عن مخالطة الكافرين، نحو:
…
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113].
والثالث: أن يكون فيه مع المعنى المتقدم حثّ على أن لا يصاحب المؤمن من لا تكون طريقتُه طريقتَه
(3)
.
والرابع: أنّ ذلك خطاب من الله للمؤمنين؛ تثبيتاً لقلوبِهم وتسكيناً لجَأْشهم؛ لئلا يَشُكُّوا عندما يقوم اليهود بالتلبيس وإثارة الشبهات
(4)
.
(1)
تفسير الطبري (6: 516).
(2)
هذا القول نقله عدد من المفسرين عن غيرهم دون نسبة. ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (2: 647)، تفسير أبي حيان (3: 212)، الدر المصون (3: 256)، تفسير الآلوسي (2: 212).
(3)
ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (2: 647).
(4)
ينظر: الدر المصون (3: 256).
والخامس: أن المعنى: لا تفشوا أسرار الحق إلا إلى أهله، ولا تقروا بمعاني الحقيقة للمحجوبين من الناس فيقعون فيكم، ويقصدون سفك دمائكم
(1)
.
وكلُّ تلك الأوجه متكلفة وغير لائقة بالسياق، وعليه: فقول الجمهور هو الراجح، وجعْل قوله:{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} من قول الطائفة هو الموافق لتفسير السلف
(2)
، واللائق بسياق الآيات.
أماّ الإجماع الذي نقله ابن عطية فقد وقع من المفسرين المتقدمين؛ فإنهم لم يذكروا إلا قولاً واحداً، أمّا بعض المتأخرين الذي ذكروا الاحتمال الآخر وهو أن يكون خطاب من الله للمؤمنين فلم يرجحوا هذا القول ولم ينسبوه لعالمٍ معينّ.
* * *
(1)
ينظر: تفسير الآلوسي (2: 212).
(2)
مَن فسّر الآية مِن السلف جعل قوله: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم) من قول اليهود، وممن قال بذلك: قتادة، والحسن، وابن زيد، والربيع، والسدي. ينظر: تفسير الطبري (6: 511)، تفسير ابن المنذر (1: 253)، تفسير ابن أبي حاتم (2: 680)، تفسير الماوردي (1: 401)، الدر المنثور، للسيوطي (2: 241).