الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحليل الاستدراك ودراسته:
رأى ابن عطية أن التاء في (يطتاف) أدغمت بعد الإسكان في الطاء (يطّاف)، أي أنه يرى إدغام الثاني في الأول.
وعارضه السمين في ذلك فقال: إنما يدغم الأول في الثاني.
وهذا هو الراجح، وهو رأي أبي حيان أيضاً، حيث قال:"أدغمت الطاء في التاء بعد قلبها إلى طاء". اهـ
(1)
وهذا التوجيه فيه ضعف عند ابن عطية حيث قال: "لأن الأصلي أدغم في الزائد وذلك ضعيف". اهـ
وهذا ليس بضعيف لأن تاء (يفتعل) تقلب طاءً إذا كان قبلها طاء
(2)
، ويلزم ذلك
(3)
، وبعد قلب التاء طاء تدغم الطاء فيها
(4)
.
فالعرب تقول في (يطتلب) مثلاً: يطّلب؛ أبدلوا من التاء طاء لأنها من مخرجها، فأدغموا الطاء في الطاء، وصار الإدغام هاهنا لازماً لسكونه
(5)
.
والأصل في كلام العرب ظهور الأصلي وعدم إدغامه في الزائد، وأما في مثل هذه الحالة فقد قلبوا الزائد إلى جنس الأصلي وأدغموه
(6)
.
(1)
تفسير أبي حيان (2: 67).
(2)
ينظر: المفصل في صنعة الإعراب، للزمخشري (1: 554).
(3)
يلزم قلب تاء الافتعال إلى مقارب لها موافق لصفتها، لأنها لو بقيت مع مقاربتها للطاء لأدى إما إلى إدغامها وهي لا تدغم في التاء لما فيها من الإطباق الذي يفوت بالإدغام، وإما إلى إظهارها فيعسر النطق بها معها لقربها ومنافاتها في صفاتها؛ لأن التاء حرف شديد والطاء رخو، وأيضاً فإن التاء مهموس والطاء مجهور، فقلبوها مع الطاء لمخالفتها لها في الجهر والرخاوة. ينظر: الإيضاح في شرح المفصل، لابن الحاجب (2: 513).
(4)
ينظر: المفصل في صنعة الإعراب، للزمخشري (1: 554).
(5)
ينظر: شرح المفصل، لابن يعيش (5: 553).
(6)
ينظر: المصدر السابق (5: 555).
ومثّل ابن عطية على إدغام الثاني في الأول بـ {مُدَّكِر} ، وانتقده السمين في ذلك؛ لأنه بناءً على قوله كان يلزم أن يقول (مُذَّكِر) وليس (مُدَّكر)، وهذا صحيح.
فابن عطية يرى إدغام الثاني (التاء) في الأول (الذال) في (مذتكر) فتكون (مذّكر)، من غير إبدال، كقوله في (يطتاف): بإدغام الثاني (التاء) في الأول (الطاء) فتكون (يطّاف).
وقال السمين بأن (مذّكر) لغة ردئية، وأن الجيدة بالمهملة (مدّكر)، أصلها (مذتكر) قلبت تاء الافتعال بعد الذال دالاً (مذدكر) فاجتمع متقاربان، فقلب أولهما (الذال) لجنس الثاني (الدال)، وأدغمت الدال في الدال.
والصحيح أن (مذّكر) ليست بلغة رديئة، وإنما هي غير شائعة.
فتاء الافتعال تُقلب مع الذال دالاً وجوباً، نحو قولهم في (مذتكر):(مذدكر).
ويجوز فيه بعد قلب التاء قلبان، أحدهما: أن تُقلب الذال دالاً (مددكر) وتدغم في الدال التي بعدها، فتصيران في اللفظ دالاً واحدة مشددة (مدّكر) وهذا شرط الإدغام، لأنهم يقلبون الحرف الأول إلى جنس الثاني ثم يدغمونه فيه
(1)
.
وإنما جاز قلب الأول إلى جنس الثاني؛ لأن الأول أصلي والثاني زائد، فكرهوا إدغام الأصلي في الزائد، فقلبوا الزائد إلى جنس الأصلي وأدغموه.
والوجه الثاني: أن تقلب الدال ذالاً (مذذكر) وتدغم، فيكون اللفظ به ذالاً معجمة (مذّكر)
(2)
.
وقد قال الفراء
(3)
: "وبعض بني أسد يقولون: مذكر". اهـ
(4)
(1)
ينظر: شرح المفصل، لابن يعيش (5: 555).
(2)
ينظر: المصدر السابق، الموضع نفسه.
(3)
يحيى بن زياد بن عبد الله الأَسَدِيُّ مولاهم الكوفي، أبو زكريَّا، المعروف بالفراء، العلاّمة، النحويّ، وكان مع تقدمه في اللغة فقيها متكلما، عالما بأيام العرب وأخبارها، له مصنفات عديدة منها:(معاني القرآن) و (المقصور والممدود)، توفي سنة 207 هـ. ينظر: تاريخ العلماء النحويين، للتنوخي (ص: 187)، تاريخ بغداد، للبغدادي (16: 224)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (10: 118).
(4)
معاني القرآن، للفراء (3: 107).