الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[18]: قال ابن عطية عند حديثه عن القراءات الواردة
(1)
في قوله - تعالى-: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ
لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 137]: "وقرأ ابن عامر: {وكذلكَ زُيِّن} بضم الزاي، {قتلُ} بالرفع، {أولادَهم} بنصب الدال، {شركائِهم} بخفض الشركاء، وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف القتل إلى الفاعل وهو الشركاء، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله
(2)
:
(1)
قرأ الجمهور {زَيّنَ لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم شركاؤُهم} ؛ {زَيّن} : مبني للفاعل، و {شركاؤُهم}: فاعله، و {قتلَ أولادهم}: مفعول به، و {أولادِهم} مجرور بالإضافة. وقرأ ابن عامر:{زُيّنَ لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائِهم} ؛ {زُيّن} مبني للمفعول، {قتلُ} نائب فاعل وهو مضاف، {أولادَهم} مفعول للمصدر {قتلُ} ، و {شركائِهم} مضاف إليه. ينظر: السبعة، لابن مجاهد (ص: 270)، التيسير، للداني (ص: 107)، تفسير البغوي (2: 162)، زاد المسير، لابن الجوزي (2: 81)، تفسير أبي حيان (4: 657)، النشر، لابن الجزري (2: 263)، الإتحاف، للدمياطي (ص: 274)، فتح القدير، للشوكاني (2: 188).
(2)
البيت لأبي حية النميري، وهو في الكتاب، لسيبويه (1: 179)، والمقتضب، للمبرد (4: 377)، والخصائص، لابن جني (2: 407)، والانصاف، للأنباري (2: 353)، والشاهد فيه: بكف يوماً يهودي، والأصل: بكف يهودي يوماً.
كَمَا خَطَّ الْكِتَابَ بِكَفِّ يَوْمًا
…
يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ
(1)
فكيف بالمفعول في أفصح الكلام؟ ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش وهو
(2)
:
فَزَجَجْتُهَا بمَزَجَّةٍ
(3)
…
زجَّ القَلُوصَ
(4)
أَبي مَزادَه
(5)
وفي بيت الطرماح
(6)
وهو قوله
(7)
:
يَطُفْنَ
(8)
بِحُوزِيِّ
(9)
المَرَاتِعِ
(10)
لَمْ تُرَعْ
(11)
…
بِوَادِيهِ مِنْ قَرْعِ
(12)
القِسِيَّ
(13)
الكَنَائِنِ
(14)
".
(15)
(1)
يزيل: يفرق. ينظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة: زيل (11: 316).
(2)
هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها، وهو في الخصائص، لابن جني (2: 408)، والإنصاف، للأنباري (2: 349)، خزانة الأدب، للبغدادي (4: 415).
(3)
يُقَال زججته زجّاً: إِذا طعنته بالزُج، وَهِي الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح والسهم. ينظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة: زجج (2: 285).
(4)
القلوص: الناقة الشابة. ينظر: الصحاح، للجوهري، مادة: قلص، (3: 1054).
(5)
محل الاستشهاد: زج القلوص أبي مزادة؛ فصل بين المضاف وهو (زجَّ) وبين المضاف إليه وهو (أبي مَزادَة) بالمفعول وهو (القَلُوص).
(6)
الطِّرِمَّاح بن حكيم بن الحكم الطائي، أبو نَفر، الشاعر، الشامي المولد والمنشأ، كوفي الدار، خارجي المذهب، توفي سنة 125 هـ. ينظر: البيان والتبيين، للجاحظ (1: 61)، تاريخ دمشق، لابن عساكر (24: 465)، الوافي بالوفيات (16: 245).
(7)
البيت في ديوان الطرماح (ص: 269)، وفي الخصائص، لابن جني (2: 408)، والإنصاف، للأنباري (2: 351).
(8)
يطفن: يَدُرْنَ. ينظر: مقاييس اللغة، لابن فارس، مادة: طوف (3: 432)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: طوف (9: 225).
(9)
الحُوزِيُّ: المُتَوَحِّدُ، وَهُوَ مِنْ حُزْتُ الشَّيْءَ إِذا جَمَعْتَهُ، والمراد به الفحل الذي تجعله الظباء رأساً لهن. ينظر: الصحاح، للجوهري، مادة: حوز (3: 875)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: حوز (5: 341).
(10)
المراتع: جمع مرتع وهو المرعى، يريد أنه منفرد بهذه الأماكن يرتع فيها ما شاء. ينظر: لسان العرب، لابن منظور مادة: رتع (8: 112).
(11)
لم ترع: لم تخف. ينظر: الصحاح، للجوهري، مادة: روع (3: 1223)، لسان العرب، مادة: روع (8: 135).
(12)
قرع: ضرب. ينظر: مقاييس اللغة، لابن فارس، مادة: قرع (5: 72)، لسان العرب، مادة: قرع (8: 263).
(13)
القسي: جمع قوس. ينظر: الصحاح، للجوهري، مادة: قوس (3: 967)، لسان العرب، مادة: قوس (6: 185).
(14)
الكنائن: جمع كِنَانَة وهي التي توضع فيها السهام. ينظر: العين، للخليل بن أحمد، مادة: كنّ (5: 281)، لسان العرب، مادة: كنن (13: 362).
(15)
محل الاستشهاد بالبيت قوله "قرع القسي الكنائن" فإن الرواية فيه بنصب "القسي" وجر "الكنائن" فيكون تخريجه على أن قوله "قرع" مصدر مضاف إلى قوله "الكنائن" الذي هو فاعل المصدر، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله "القسي" الذي هو مفعول المصدر.
ثم ذكر ابن عطية بعضَ القراءات الأخرى الواردة في الآية
(1)
.
وقال السمين الحلبي: "وقرأ ابن عامر: {زُيِّن} مبنياً للمفعول، {قَتْلُ} رفعاً على ما لم يُسَمَّ فاعله، {أولادَهم} نصباً على المفعول بالمصدر، {شركائِهم} خفضاً على إضافة المصدر إليه فاعلاً.
وهذه القراءة متواترة صحيحة، وقد تجرَّأ كثير من الناس على قارئها بما لا ينبغي، وهو أعلى القراء السبعة سنداً وأقدمهم هجرة"
(2)
.
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 349).
(2)
الدر المصون (5: 162).
ثم ذكر السمين بعض ما قيل في تضعيف هذه القراءة، ونقل قول ابن عطية -السابق ذكره- بنصه، ثم قال:"وهذه الأقوال التي ذكرتُها جميعاً لا ينبغي أن يُلْتفت إليها لأنها طَعْنٌ في المتواتر، وإن كانت صادرةً على أئمةٍ أكابرَ، وأيضاً فقد انتصر لها مَنْ يقابلهم، وأورد من لسانِ العرب نظمِه ونثره ما يشهد لصحة هذه القراءة لغةً"
(1)
.
ثم نقل بعض الأقوال في الدفاع عن القراءات المتواترة عموماً وهذه القراءة على وجه الخصوص.
وقال بعد ذلك: "وقد سُمِعَ ممَّنْ يُوثق بعربيته: "تَرْكُ يوماً نفسِك وهواها سَعْيٌ في رَداها" أي: تَرْكُ نفسِك يوماً مع هواها سَعْيٌ في هَلاكها، وأمَّا ما ورد في النظم من الفصل بين المتضايفين بالظرف وحرف الجر وبالمفعول فكثير، وبغير ذلك قليلٌ"
(2)
.
وساق عددًا من الأمثلة من كلام العرب شعرًا ونثرًا مما فيه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وبالمفعول وبغيرهما؛ ليثبت صحة قراءة ابن عامر لغوياً
(3)
، وأطال في ذلك وأجاد.
إلى أن قال: "وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن قراءة ابن عامر صحيحة من حيث اللغة كما هي صحيحة من حيث النقل"
(4)
.
وختم السمينُ حديثه عن قراءة ابن عامر بنقل قول أبي شامة
(5)
في دفاعه عن هذه القراءة
(6)
، حيث قال أبو شامة ما ملخصه: أن {شُرَكَاؤُهُمْ} رُسمت في مصاحف أهل
(1)
الدر المصون (5: 166).
(2)
المصدر السابق (5: 168).
(3)
ينظر: المصدر السابق (5: 169 - 175).
(4)
المصدر السابق (5: 175).
(5)
عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي، الشافعي، شهاب الدين، أبو القاسم، المعروف بأبي شامة؛ لشامة كانت فوق حاجبه الأيسر، الشيخُ، الإمام، العلاّمة، الحجة، المؤرخ، والحافظ ذو الفنون، من كبار علماء القراءات والحديث والفقه واللغة، من مصنفاته: إبراز المعاني من حرز الأماني، وتاريخ دمشق، توفي سنة 665 هـ. ينظر: غاية النهاية، لابن الجزري (1: 365)، بغية الوعاة، للسيوطي (2: 77).
(6)
ينظر: الدر المصون (5: 176).