الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقدَّره ابنُ عطية:"لعاجَلْناهم" اهـ
(1)
، ولا معنى لهذا ". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
اتفقَ المعربون على أنّ جواب {لَوْلا} في قوله: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} محذوف، واختلفوا في تقديره على قولين:
أولهما: أنَّ الجواب محذوف؛ لدلالة السياق عليه، وتقديره: ما أرسلنا إليهم رسلاً، أو لم نحتج لإرسال الرسل.
قاله: الزجّاج
(3)
، والنحّاس
(4)
، والزمخشري
(5)
، والمنتجَب الهمذاني
(6)
، والبيضاوي
(7)
، وغيرهم
(8)
.
(1)
المحرر الوجيز (4: 290).
(2)
الدر المصون (8: 682).
(3)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه (4: 147).
(4)
ينظر: معاني القرآن (5: 182).
(5)
ينظر: تفسير الزمخشري (3: 418).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (5: 140).
(7)
ينظر: تفسير البيضاوي (4: 180).
(8)
ينظر: تفسير السمرقندي (2: 611)، تفسير القرطبي (13: 293)، تفسير ابن جزي (2: 114)، تفسير أبي السعود (7: 17)، البحر المديد، لابن عجيبة (4: 258)، تفسير المظهري (7: 169)، تفسير الآلوسي (10: 297)، تفسير القاسمي (7: 525)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (20: 135)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (20: 266)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (7: 346)، التفسير المنير، للزحيلي (20: 112)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 391)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (4: 240)، المجتبى، لأحمد الخراط (3: 896)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 399)، المفيد في إعراب القرآن المجيد، لعمر خطيب (ص: 284).
والمعنى: لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم: ربّنا هلاّ أرسلت إلينا رسولاً يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين؛ لما بعثناك إليهم رسولا، وعاقبناهم بكفرهم من غير إنذار سابق على العقاب، ولكن بعثناك إليهم قطعًا لاعتذارهم، وإلزامًا للحجة عليهم، نظير قوله -تعالى-:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
(1)
قال الزجّاج: "أي: لولا ذلك لم يحتج إلى إرسالِ الرسُل، ومواترة الاحتجاج". اهـ
(2)
ولَمّا كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فدخلت {لَوْلا} الامتناعية عليها، فرجع المعنى إلى: ولولا قولهم هذا، إذا أصابتهم مصيبة، لَمَا أرسلناك.
قال الزمخشري: "فإن قلتَ: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول، لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلتُ: القول هو المقصود بأن يكون سببًا لإرسال الرسل، ولكن العقوبة لمَاّ كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول، فأدخلت عليها {لَوْلا} ، وجيء بالقول معطوفًا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويؤول معناه إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة: وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين: لم يقولوا: لوْلا أرسلتَ إلينا رسولاً، وإنما
(1)
ينظر: تفسير ابن جزي (2: 114)، تفسير أبي السعود (7: 17)، تفسير المظهري (7: 169)، تفسير القاسمي (7: 525)، تفسير الآلوسي (10: 297).
(2)
معاني القرآن وإعرابه (4: 147).
السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير، لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم". اهـ
(1)
وقال ابنُ عاشور: "وإنما حِيكَ نَظْمُ الكلام على هذا المِنوالِ ولم يَقُلْ: ولولا أنْ يقولوا ربنا
…
حين تصيبهم مُصيبةٌ؛ لِنُكتةِ الاهتمام بالتحذير مِن إصابة المصيبة، فَوُضِعَتْ في موضع المبتدأ دُونَ موضع الظرف لِتُسَاوِي المبتدأ المقصود مِن جملة شرط {لَوْلا} فيصبح هو وظرفه عُمْدَتَيْنِ في الكلام، فالتقدير هُنا: ولولا إصابتهم بمصيبة يعقبها قولهم: ربنا لَوْلا أرسلت
…
إِلَخ، لَمَا عَبَأنا بإرسالك إليهم؛ لأنهم أهلُ عنادٍ وتصميم على الكفر". اهـ
(2)
والثاني: أنَّ جواب {لَوْلا} محذوف، وتقديره: لعاجلناهم بالعقوبة.
قاله: الثعلبيّ
(3)
، ومكيّ بن أبي طالب
(4)
، والواحدي
(5)
، وابن عطية
(6)
، وغيرهم
(7)
.
(1)
تفسير الزمخشري (3: 419).
(2)
التحرير والتنوير (20: 135).
(3)
ينظر: تفسير الثعلبي (7: 253).
(4)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (8: 5542).
(5)
ينظر: التفسير الوسيط (3: 401).
(6)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 290).
(7)
ينظر: تفسير البغوي (3: 537)، زاد المسير، لابن الجوزي (3: 386).
قال مكيّ: "جواب لولا محذوف، والتقدير: لولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلناك إليهم يا محمد إذا حلّ عليهم العذاب على كفرهم قبل إرسالك إليهم: هلاّ أرسلت إلينا رسولاً من قبل أن يحل بنا سخطك {فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ لعاجلهم العذاب". اهـ
(1)
وقال ابنُ عطية: "جواب {لَوْلا} محذوف يقتضيه الكلام، تقديره: لعاجلناهم بما يستحقونه". اهـ
(2)
وقال ابنُ الجوزي: "جواب {لَوْلا} محذوف، تقديره: لولا أنهم يحتجُّون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة". اهـ
(3)
واعترض السمينُ الحلبي على هذا التقدير قائلاً: "ولا معنى لهذا ". اهـ
(4)
والراجح: أن جواب الشرط محذوف، تقديره: لما أرسلنا رسلاً، ويَبعُد أن يكون المعنى: لولا قولهم واحتجاجهم لعاجلناهم بالعقوبة، فالتقدير الثاني الذي ذكره ابنُ عطية وغيره ليس له ما يقويه، بخلاف التقدير الأول، فقد ورد في مواضع أخرى مِن القرآن آياتٌ معناها يقوي التقدير الأول، وفيها إثبات أنّ إرسال الرسل جاء قطعاً لمعاذير القوم وإلزاماً للحجة عليهم، حتى لا يقولوا: ما جاءنا مِن رسول، ولولا قولهم هذا لما أرسل الله الرسلَ إليهم رسولاً بعد آخر، قال - تعالى-:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}
(1)
الهداية إلى بلوغ النهاية (8: 5542).
(2)
المحرر الوجيز (4: 290).
(3)
زاد المسير (3: 386).
(4)
الدر المصون (8: 682).
[النساء: 165]، وقال - تعالى-:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: 19].
ويجوز في تقدير جواب الشرط المحذوف الجمع بين المعنيين: المعاجلة بالعقوبة وترك إرسال الرسل، أي: لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلنا إليهم رسولاً
(1)
، أمّا الاقتصار على المعاجلة بالعقوبة فلا يظهر، وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في محله.
* * *
(1)
ينظر: تفسير الجلالين (1: 514)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (4: 240).