الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن عطية: "وهي عند قومٍ جملة في موضعِ الصفةِ لبقرة، أي: لا ذلولٌ مثيرةٌ"، وقالَ أيضاً:"ولا يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ في موضعِ الحالِ لأنها من نكرةٍ" اهـ، أمَّا قولُه:"في موضع الصفةِ" فإنه يلزم منه أنَّ البقرةَ كانت مثيرةً للأرض، وهذا لم يَقُلْ به الجمهور، بل قال به بعضُهم.
وأمَّا قولُه: "لا يجوز أن تكونَ حالاً يعني مِن {بَقَرَة} لأنها نكرةٌ"، فالجوابُ: أنَّا لا نُسَلِّم أنها حالٌ من {بَقَرَة} ، بل من الضميرِ في {ذَلُولٌ} كما تقدَّم شرحه، أو نقولُ: بل هي حالٌ من النكرة قد وُصِفَتْ وتخصَّصَتْ بقوله: {لَا ذَلُولٌ} ، وإذا وُصِفَت النكرةُ ساغَ إتيانُ الحالِ منها اتفاقاً.
وقيل: إنها مستأنفةً، واستئنافُها على وجهين، أحدُهما: أنها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي: هي تثير، والثاني: أنها مستأنفةٌ بنفسِها من غير تقديرِ مبتدأ، بل تكونُ جملةً فعليةً ابتُدئ بها لمجرد الإِخبار بذلك". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
أولاً: أقوال العلماء في إعراب جملة: {تُثِيرُ الْأَرْضَ} مِن قوله - تعالى-: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} :
(1)
الدر المصون (1: 429).::
1 -
أنها في محل نصب حال من الضمير المستتر في {ذَلُولٌ} ، تقديره: لا تذل حال إثارتها الأرض.
قاله: مكيّ بن أبي طالب
(1)
، وأبو البقاء
(2)
، والسمين الحلبي
(3)
، وغيرهم
(4)
.
ومنعه ابنُ عطية قائلاً: "ولا يجوز أن تكون هذه الجملة في موضع الحال؛ لأنها من نكرة". اهـ
(5)
وردّ عليه أبو حيان بكلامٍ طويل، ملخصه: أن سيبويه صرّح في عدة مواضع من كتابه
(6)
بجواز مجيء الحال من النكرة وإن لم توصف
(7)
.
(1)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 98).
(2)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 76).
(3)
ينظر: الدر المصون (1: 429).
(4)
ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (1: 555)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 26)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (1: 62).
(5)
المحرر الوجيز (1: 163).
(6)
ينظر: الكتاب (2: 79، 117)
(7)
ينظر: تفسير أبي حيان (1: 413).::
أماّ السمين فقد ردّ على ابن عطية قائلاً: "لا نُسَلِّم أنها حالٌ من بقرة، بل من الضميرِ في {ذَلُولٌ} كما تقدَّم شرحه، أو نقولُ: بل هي حالٌ من النكرة قد وُصِفَتْ وتخصَّصتْ بقوله: {لَا ذَلُولٌ}، وإذا وُصِفَت النكرة ساغَ إتيانُ الحالِ منها اتفاقاً". اهـ
(1)
2 -
أنها في موضع رفع صفة لـ {ذَلُولٌ} ، أي: لا ذلول مثيرة، وهذه الصفة داخلة في حيّز النفي، والمقصود نفي إثارتها الأرض.
قاله: الراغب الأصفهاني
(2)
، والزمخشري
(3)
، والفخر الرازي
(4)
، وأبو حيان
(5)
، وغيرهم
(6)
.
قال الراغب: "وقوله: {تُثِيرُ الْأَرْضَ} صفة لقوله: {ذَلُولٌ}؛ لأنه يُراد نفي الإثارة عنها، لا إثباتها لها". اهـ
(7)
(1)
الدر المصون (1: 429).
(2)
ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (1: 228).
(3)
ينظر: تفسير الزمخشري (1: 151).
(4)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (3: 549).
(5)
ينظر: تفسير أبي حيان (1: 411).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (1: 291)، تفسير البيضاوي (1: 87)، الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1: 287)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (1: 70)، تفسير أبي السعود (1: 112)، روح البيان، لإسماعيل حقي (1: 160)، تفسير الآلوسي (1: 290)، التفسير المنير، للزحيلي (1: 187)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 16)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (1: 62)، قواعد التفسير، لخالد السبت (ص: 694).
(7)
تفسير الراغب الأصفهاني (1: 228).
3 -
أنها في موضع رفع صفة لـ {بَقَرَة} ، أي: هي بقرةٌ لا ذلولٌ مثيرة.
ذكره ابن عطية
(1)
، والقرطبي
(2)
، وغيرهما
(3)
.
وهذا القول جائز لمن أثبت أن البقرة مثيرة، وجعَلَ جملة {تُثِيرُ الْأَرْضَ} مثبتة غير داخلة في النفي
(4)
، خلافًا للجمهور.
4 -
أنها جملة مستأنفة، والمراد: إثبات الإثارة، واستئنافُها على وجهين، أحدُهما: أنها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي: هي تثير، والثاني: أنها مستأنفةٌ بنفسِها من غير تقديرِ مبتدأ، بل تكونُ جملةً فعليةً ابتُدئ بها لمجرد الإِخبار بذلك
(5)
.
نقل هذا القول ابن عطية ولم يضعفه
(6)
، أما الجمهور فقد ضعفوه لعدة أسباب سيأتي ذكرها.
(1)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 163).
(2)
ينظر: تفسير القرطبي (1: 453).
(3)
ينظر: إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 11)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (1: 32).
(4)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 76).
(5)
ينظر: الدر المصون (1: 429).
(6)
ينظر: المحرر الوجيز (1: 163).
ولعلَّ هذا القول قد أُخذ من قراءة أبي حاتم السجستاني؛ حيث كان يقف على (لَا ذَلُولٌ) ثم يبتدئ {تُثِيرُ الْأَرْضَ} خلافاً للجمهور
(1)
، فالجملة على قراءته مثبتة، أي: هي تثير الأرض.
ثانيًا: مناقشة الأقوال:
القول بأنّ جملة {تُثِيرُ الْأَرْضَ} في محل نصب حال من الضمير المستتر في {ذَلُولٌ} ، والقول بأنها في محل رفع صفة لـ {ذَلُولٌ} كلاهما صحيح من الناحية المعنوية، ومن الناحية الصناعية النحوية، ولكن القول الثاني هو الأوضح والأقرب لظاهر الآية.
أمّا القول بأنها في موضع رفع صفة لـ {بَقَرَة} ، وكذا القول بأنها جملة مستأنفة فيلزم منهما أن تكون البقرة مثيرة، وجمهور المفسرين مِن السلف والخلف على أن البقرة لم تكن مثيرة
(2)
، وأن الجملة داخلة في النفي.
(1)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات، للباقولي (ص: 32)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 77)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام (1: 503).
(2)
ينظر: تفسير الطبري (2: 212)، معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1: 152)، تفسير ابن أبي حاتم (1: 142)، إعراب القرآن، للنحاس (1: 60)، تفسير الماوردي (1: 141)، الوجيز، للواحدي (1: 112)، تفسير الراغب الأصفهاني (1: 228)، كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات، للباقولي (ص: 32)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 77)، تفسير ابن جُزي (1: 86)، تفسير أبي حيان (1: 411)، البرهان، للزركشي (4: 352)، تفسير الجلالين (1: 15).
قال أبو العالية: " {تُثِيرُ الْأَرْضَ} يعني: ليست بذلول فتثير الأرض". اهـ
(1)
وقال الزجاج: "معناه ليست بذلول ولا مثيرة". اهـ
(2)
وقال الماوَرْدِيّ
(3)
: "وقيل: {تُثِيرُ} فعل مستأنف، والمعنى إيجاب الحرث لها، وأنها كانت تحرث ولا تسقى، وليس هذا الوجه بشيء، بل نفي عنها جميع ذلك". اهـ
(4)
وقال أبو حيان مضعفًا القول بأنها مُثْبَتَة: "رُدّ هذا القول مِن حيث المعنى، لأن ما كان يحرث لا ينتفي كونه ذَلُولاً". اهـ
(5)
وقال بعض العلماء في تضعيفهم لقراءة أبي حاتم السجستاني: أن التي تثير الأرض لا يُعدم منها سقي الحرث، ومتى أثارت الأرض كانت ذلولاً
(6)
.
(1)
تفسير الطبري (2: 212)، تفسير ابن أبي حاتم (1: 142).
(2)
معاني القرآن وإعرابه (1: 152).
(3)
عليّ بن محمد بن حَبيب المَاوَرْدِيّ البَصريّ، أبو الحسن، الإمام، العلاّمة، القاضي، الشافعي، له مصنفات كثيرة في علوم متنوعة، منها: تفسيره المسمى (النكت والعيون)، و (الإقناع) و (الحاوي) في الفقه الشافعي، و (الأحكام السلطانية)، توفي سنة 450 هـ. ينظر: تاريخ بغداد، للبغدادي (13: 587)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (18: 64)، طبقات الشافعية، للسبكي (5: 267)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 83).
(4)
تفسير الماوردي (1: 141).
(5)
تفسير أبي حيان (1: 411).
(6)
ينظر: زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 77)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 76)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (1: 291)، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام (1: 503).
فلو كانت تثير الأرض لكانت الإثارة قد ذَلَّلَتْهَا، وَاللَّهُ - تعالى- قد نفى عنها الذُّلَّ بقوله:{لَا ذَلُولٌ}
(1)
.
وقد قيل بأن تلك البقرة وَحْشِيَّة
(2)
، ولهذا وصفها اللَّهُ بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث.
وأيضًا فالقول بأنها مستأنفة مثبَتة ضعيفٌ من الناحية النحوية، فلا يجوز أن يكون {تُثِيرُ} مُستَأنفًا؛ لأن بعده {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} ، فلو كان مُستأنَفًا لَما جمع بين الواو وَ (لا)
(3)
.
قال أبو البقاء: "لأنه عَطَفَ عليه: {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ}: فنفى المعطوفَ; فيجب أن يكونَ المعطوفُ عليه كذلك; لأنه في المعنى واحد، ألا ترى أنّك لا تقول: مَرَرْتُ برجلٍ قائمٍ ولا قاعدٍ، بل تقول: لا قاعدٍ؛ بغير واو، كذلك يجب أن يكون هنا". اهـ
(4)
أي أنها لو كانت مستأنفة مثبَتة لكانت العبارة: تثير الأرض لا تسقي الحرث، لأنه لا يُقال: يقوم زيد ولا يقعد، وإنما يُقال: يقوم زيد لا يقعد، فالواو إنما تجيء بعد النفي نحو: لا
(1)
ينظر: تفسير القرطبي (1: 453)، تفسير ابن كثير (1: 300)
(2)
ينظر: تفسير الطبري (2: 199)، تفسير القرطبي (1: 453)، تفسير أبي حيان (1: 412).
(3)
ينظر: إعراب القرآن، للنحاس (1: 60)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 76)، تفسير القرطبي (1: 453)، الدر المصون (1: 429)، مغني اللبيب، لابن هشام (1: 503).
(4)
التبيان في إعراب القرآن (1: 76).
يقوم ولا يقعد؛ فثبتَ أن قوله: {تُثِيرُ الْأَرْضَ} داخل في النفي؛ ليصح عطف قوله: {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} عليه
(1)
.
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في محله؛ لأن القول بأن جملة {تُثِيرُ الْأَرْضَ} في موضع الحال قول صحيح، وجعْل الجملة في موضع الصفة لبقرة غير جائز من الناحية المعنوية؛ حيث يلزم منه أن تكون البقرة مثيرة، والصواب أن يُقال: هي نعت لـ {ذَلُولٌ} ،
…
ولأن جعْلها جملة مستأنفة مثبتة ضعيف لأسباب تتعلق بالمعنى والصناعة النحوية.
* * *
(1)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات، للباقولي (ص: 32).