الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[3]: قال ابنُ عطية عند تفسيره لقوله - تعالى-: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ
وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6]: "والقَرْن الأمة المقترنة في مدة من الزمان، ومنه قوله عليه السلام:(خير النّاس قَرني) الحديث
(1)
.
واختلف الناس في مدة القرن كم هي؟ فالأكثر على أنها مائة سنة
…
وقيل: القرن ثمانون سنة، وقيل: سبعون، وقيل: ستون
…
".
إلى أن قال: "وهذا كله ضعيف، وهذه طبقات وليست بقرون، إنما القرن أن يكون وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال، ويظهر ذلك من قوله - تعالى-: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} ". اهـ
(2)
وقال السمينُ الحلبي في معنى القرن: "الظاهر أنه القوم لأنَّ غالب ما يُطلق عليهم، والغَلَبة مؤذنةٌ بالأصالة غالباً.
وقال ابن عطية: "القرن أن يكون وفاة الأشياخ وولادة الأطفال، ويَظْهر ذلك من قوله -تعالى-: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} " اهـ، فجعله معنى، وليس بواضح". اهـ
(3)
دراسة الاستدراك:
(1)
متفق عليه: رواه البخاري في صحيحه (5: 2) كتاب المناقب، باب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ح (3650)، ومسلم في صحيحه (4: 1964) كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ح (2535).
(2)
المحرر الوجيز (2: 269).
(3)
الدر المصون (4: 540).
تعددت أقوال العلماء في المراد بالقَرْن، وجميع أقوالهم في ذلك تندرج تحت معنيين رئيسين:
أولهما: أنّ القَرْن هم القوم أو الأمة من الناس في مدة من الزمان قلّتْ المدة أو كثرت.
قاله: الطبري
(1)
، والزجّاج
(2)
، والواحدي
(3)
، والراغب
(4)
، والفخر الرازي
(5)
، والقرطبي
(6)
، والسمين الحلبي
(7)
، وغيرهم
(8)
.
قال الزجاج: "القرن أهلُ مُدةٍ كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم، قَلَّت السنُونَ أو كثرت.
والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيركم قَرْنِي)
(9)
". اهـ
(10)
وقال الراغب الأصفهاني: "القَرْن: القوم المقترنون في زمن واحد". اهـ
(11)
(1)
ينظر: تفسير الطبري (11: 263).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه (2: 229).
(3)
ينظر: التفسير الوسيط (2: 253).
(4)
ينظر: المفردات، مادة: قرن (1: 667).
(5)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (12: 484).
(6)
ينظر: تفسير القرطبي (6: 391).
(7)
ينظر: الدر المصون (4: 540).
(8)
ينظر: تفسير ابن فورك (1: 87)، تفسير البغوي (2: 110)، تفسير أبي حيان (4: 426)، فتح القدير، للشوكاني (2: 115)، تفسير الآلوسي (4: 89).
(9)
سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(10)
معاني القرآن وإعرابه (2: 229).
(11)
المفردات، مادة: قرن (1: 667).
وقال الفخر الرازي: "الأقرب أنّه غيرُ مُقَدَّرٍ بزمانٍ مُعيَّن لا يقعُ فيه زيادةٌ ولا نقصان، بل المراد أهل كلّ عصر". اهـ
(1)
والثاني: أن القرن المدة من الزمان، واختلفوا في تحديد هذه المدة.
فقال الجمهور: مائة سنة، وقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: سبعون، وقيل: ستون، وقيل: أربعون، وقيل: ثلاثون، وقيل: عشرون
(2)
.
وضعّف ابنُ عطية تلك الأقوال في تحديد مدة القرن، وقال بأن القرن يكون بوفاة
الأشياخ وولادة الأطفال
(3)
.
واستدرك عليه السمين ذلك؛ فقال بأنّ ما ذهب إليه غير واضح
(4)
.
والراجح: أنّ القَرْن في القرآن يراد به القوم أو الأمة من الناس؛ سمّوا بذلك لاقترانهم في مدة من الزمن.
(1)
تفسير الفخر الرازي (12: 484).
(2)
ينظر: تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (2: 59)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (3: 1962)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (2: 9)، تفسير البيضاوي (2: 154).
(3)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 269).
(4)
ينظر: الدر المصون (4: 540).
وممن رجّح هذا المعنى: الزجّاج
(1)
، والفخر الرازي
(2)
، والقرطبي
(3)
، والسمين
(4)
، والآلوسي
(5)
.
أمّا ما قاله ابنُ عطية بأنّ القرن يكون بوفاة الأشياخ وولادة الأطفال بدليل {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} : فهذا لا يساعده على ما ذهب إليه، وليس المراد بالإنشاء في {وَأَنْشَأْنَا} وفاة الأشياخ وولادة الأطفال؛ لأن ذلك أمر مستمر في البشر، وليس فيه عظة ولا تهديد، ولكن العبرة في أنْ يُهلك الله قوماً ثم يُنشئ من بعدهم قوماً آخرين فيهم الصغير والكبير، كما أنشأ قريشًا في ديار جُرْهم، وكما أنشأ ثمودًا بعدَ عاد
(6)
.
فالذي يظهر أن معنى إهلاك القرن: إهلاك أمة مِن الأمم، عاشوا زمناً لا يُشترط فيه وفاة الأشياخ وولادة الأطفال، بل يُهلكهم الله إذا شاء متى شاء وإن لم يُتوفى شيوخهم ويولد أطفالهم.
والقولُ بأن القرن في الآية هو الزمن قولٌ ضعيف؛ فإن الإهلاك لا يقع على الزمن نفسه بل على القوم الذين هم في ذلك الزمن، فالذين قالوا هو الزمن اضطروا إلى تقدير مضاف، فالتقدير عندهم: كم أهلكنا من قبلهم مِن أهل قرن، وهذا كله تكلف لا حاجة إليه.
(1)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه (2: 229).
(2)
ينظر: تفسير الفخر الرازي (12: 484).
(3)
ينظر: تفسير القرطبي (6: 391).
(4)
ينظر: الدر المصون (4: 539).
(5)
ينظر: تفسير الآلوسي (4: 89).
(6)
ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (7: 140).
ثم إنّ الله -تعالى- وصفَ القرنَ في آخر الآية بـ {آخَرِينَ} وهذا لا يُمكن أن يُطلق على الزمن، بل على القوم.
قال الآلوسي: "المراد بالقرن هنا: الأهل من غير تجشم تقدير مضاف أو ارتكاب تَجَوُّز". اهـ
(1)
أمّا (القرن) في الاصطلاح العام فيُطلق على الزمن وعلى القوم، وفي غير القرآن يُطلق القرن غالبًا على مائة عام من الزمن
(2)
.
* * *
(1)
تفسير الآلوسي (4: 89).
(2)
وهذا قول الجمهور في مدة القرن. ينظر: المحرر الوجيز (2: 268)، تفسير القرطبي (6: 391)، تفسير أبي حيان (4: 426)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (7: 137).