الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمينُ الحلبي: "قوله: {إِلَّا قَلِيلًا} منصوبٌ على الاستثناء، وفي المستثنى منه أربعةُ أقوالٍ، أظهرُها: أنه لفظ {خَائِنَةٍ} ، وهمُ الأشخاصُ المذكورون في الجملة قبله، أي: لا تزالُ تَطَّلع على مَنْ يَخون منهم إلا القليلَ، فإنه لا يخون فلا تَطَّلِعُ عليه.
والثاني: ذكره ابن عطية أنه الفعل، أي: لا تزال تطَّلع على فِعْل الخيانة إلا فعلاً قليلاً، وهذا واضح إنْ أُريد بالخيانة أنها صفة للفعلة المقدرة كما تقدَّم، ولكن يُبْعِدُ ما قاله ابنُ عطية قولُه بعدَه {مِنْهُمْ} .
الثالث: أنه {قُلُوبَهُمْ} في قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} ، قال صاحبُ هذا القول: والمرادُ بهم المؤمنون، لأن القسوة زالَتْ عن قلوبهم.
وهذا فيه بُعْدٌ كبير، لقوله:{لعنَّاهم} .
الرابع: أنه الضمير في {مِنْهُمْ} مِن قوله -تعالى-: {عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} قاله مكيّ
(1)
".
…
اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
تحدث المفسرون والمعربون عن الاستثناء في قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} ، وفي هذه المسألة خمسة أقوال:
1 -
أنَّ الاستثناء في الأشخاص، والمعنى: إلاّ قليلاً منهم لم يخونوا ولم ينقضوا العهد، وهم مَن أسلم منهم، ويُحتمل أن يكون هذا القليل من الذين بقوا على كفرهم لكنهم لم يخونوا.
(1)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 221).
(2)
الدر المصون (4: 225).
وهو قول جمهور المفسرين
(1)
، ولم يصرِّحوا هل المستثنى منه هو لفظ {خَائِنَةٍ} أم هو الضمير في منهم.
وقد ذكروا القولين المحتملين في {خَائِنَةٍ} : أن يكون مصدر بمعنى خيانة، أو المراد فرقة خائنة.
وقد نُقل عن مجاهد أنّ المراد بقوله {خَائِنَةٍ} : فرقة خائنة؛ لأن الآية في اليهود
(2)
.
قال الراغب الأصفهاني: "قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} أي: جماعة قليلة". اهـ
(3)
وقال البغوي: " {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} لم يخونوا ولم ينقضوا العهد، وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب". اهـ
(4)
2 -
أنَّ الاستثناء من الهاء والميم في {خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} .
(1)
ينظر: تفسير السمرقندي (1: 376)، تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (2: 16)، تفسير الثعلبي (4: 38)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (3: 1646)، تفسير السمعاني (2: 22)، المفردات، للراغب الأصفهاني (1: 680)، تفسير البغوي (2: 31)، تفسير الزمخشري (1: 616)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (1: 528)، تفسير الفخر الرازي (11: 325)، تفسير البيضاوي (2: 119)، تفسير الجلالين (1: 138)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (1: 362)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (2: 18)، تفسير المظهري (3: 67)، مراح لبيد، للجاوي (1: 257)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (6: 145).
(2)
ينظر: تفسير الطبري (10: 131)، تفسير السمعاني (2: 22).
(3)
المفردات (1: 680).
(4)
تفسير البغوي (2: 31).
قاله: الطبري
(1)
، والنحاس
(2)
، ومكي بن أبي طالب
(3)
، والقرطبي
(4)
، وغيرهم
(5)
.
قال الطبري: " قوله: {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} استثناء من الهاء والميم اللتين في قوله: {عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} ". اهـ
(6)
وعلى هذا القول والذي يليه فالاستثناء في الأشخاص كالقول الأول.
3 -
أنَّ الاستثناء من لفظ: {خَائِنَةٍ} .
قاله: أبو البقاء
(7)
، والمنتجب الهمذاني
(8)
، والسمين الحلبي
(9)
، وغيرهم
(10)
.
قال المنتجب: " كأنه قال: ولا تزال تطلع على فرقة يخونون إلا قليلاً منهم، وهم الذين آمنوا على ما فُسّر، وأعيد ذكر {مِنْهُمْ} على وجه التأكيد". اهـ
(11)
(1)
ينظر: تفسير الطبري (10: 131).
(2)
ينظر: إعراب القرآن (1: 261).
(3)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (1: 221).
(4)
تفسير القرطبي (6: 116).
(5)
ينظر: تفسير أبي السعود (3: 16)، روح البيان، لإسماعيل حقي (2: 365)، فتح القدير، للشوكاني (2: 26)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (6: 300)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (2: 430).
(6)
تفسير الطبري (10: 131).
(7)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 427).
(8)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (2: 419).
(9)
ينظر: الدر المصون (4: 225).
(10)
ينظر: الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 117).
(11)
الفريد في إعراب القرآن المجيد (2: 419) ..
وقال السمين: "في المستثنى منه أربعةُ أقوال، أظهرُها: أنه لفظ {خَائِنَةٍ}، وهم الأشخاصُ المذكورون في الجملة قبله، أي: لا تزالُ تطَّلع على مَن يخون منهم إلا القليلَ، فإنه لا يخون فلا تطَّلِعُ عليه". اهـ
(1)
4 -
أنَّ الاستثناء في الأفعال، أي: لا تزال تطَّلع على فِعْل الخيانة إلا فعلاً قليلاً.
ذكره ابنُ عطية وجهًا محتملاً
(2)
، وضعفه السمين الحلبي.
قال السمين: " يُبْعِدُ ما قاله ابنُ عطية قولُه بعدَه {مِنْهُمْ} ". اهـ
(3)
يعني أنّ قوله: {مِنْهُمْ} يظهر منه أنّ الاستثناء في الأشخاص لا الأفعال.
ويضعف هذا القول أيضًا أنّ الراجح في المراد بقوله: {خَائِنَةٍ} : جماعة خائنة.
قال الطبري: "وذلك أن الخبر ابتُدِئ به عن جماعتهم فقيل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ} [المائدة: 11]، ثم قيل: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}، فإذ كان الابتداء عن الجماعة، فالختْمُ بالجماعة أولى". اهـ
(4)
5 -
أنَّ الاستثناء من {قُلُوبَهُمْ} في قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} .
ذكره بعض العلماء وضعّفوه
(5)
.
(1)
الدر المصون (4: 225).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (2: 170).
(3)
الدر المصون (4: 225).
(4)
تفسير الطبري (10: 133).
(5)
ينظر: تفسير أبي حيان (4: 206)، الدر المصون (4: 225)، تفسير المظهري (3: 67).
قال أبو حيان: "قيل: الاستثناء من قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}، والمراد به المؤمنون، فإن القسوة زالت عن قلوبهم، وهذا فيه بُعد". اهـ
(1)
فهو ضعيف جدًا وغير ظاهر، لاسيما مع طول الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، ولأنّ جعْل قلوبهم قاسية متفرع عن {نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} ونقض الميثاق يستلزم القساوة البتة
(2)
.
والأقوال الثلاثة الأولى هي الأقوى والأظهر، وجميعها تؤدي لمعنى واحد وهو أن الاستثناء في الأشخاص لا الأفعال.
أمّا القول الرابع الذي جعله ابنُ عطية قولاً محتملاً وضعفه السمين ففيه ضعف للأسباب التي تمّ بيانها.
أمّا القول الخامس فهو أضعف الأقوال ولا وجه يقويه، ولم يرجحه أحد من العلماء، والذين أشاروا إليه ضعّفوه.
وعليه: فاستبعاد السمين للقول الذي ذكره ابنُ عطية في محله، إلا أنَّ ابن عطية لم يُخطئ بذكره لهذا القول -أنّ الاستثناء في الأفعال-؛ فهو قد ذكره احتمالاً ولم يبدأ به ولم يرجحه.
* * *
(1)
تفسير أبي حيان (4: 206).
(2)
ينظر: تفسير المظهري (3: 67).