الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[5]: قال ابنُ عطية في معرض تفسيره لقوله -تعالى-: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}
[الأنبياء: 40]: "قوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ} استدراك مُقدّر قبله نفي، تقديره: إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتةً". اهـ
(1)
وقال السمينُ الحلبيّ: "وقوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ} إضرابُ انتقال، وقال ابن عطية: "(بل) استدراكٌ مقدرٌ قبلَه نفيٌ، تقديرُه: إنَّ الآياتِ لا تأتي على حَسَب اقتراحهم" اهـ، وفيه نظرٌ؛ لأنه يَصيرُ التقديرُ: لا تأْتيهم الآياتُ على حسب اقتراحِهم، بل تأتيهم بغتةً، فيكون الظاهرُ أن الآياتِ تأتي بغتةً، وليس ذلك مُراداً قطعاً". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
(1)
المحرر الوجيز (4: 83).
(2)
الدر المصون (8: 160).::
ذهب ابنُ عطية إلى أنّ قوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ} استدراك مقدر قبله نفي، والتقدير: إن الآيات
(1)
لا تأتي بحسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة.
ولم يوافقه السمينُ فيما ذهب إليه؛ إذ بناءً على قوله يكون التقدير: لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم، بل تأتيهم بغتة، فيكون المعنى: أن الآيات تأتيهم بغتة، وليس هذا هو المعنى المراد قطعاً، ولا يوافق ذلك ما نصّ عليه المفسرون في معنى الآية.
وما قاله ابن عطية مخالف لقول الجمهور؛ حيث ذهبوا إلى أنّ (بل) في الآية إضراب انتقالي
(2)
، لا استدراك مقدر قبله نفي.
فـ (بل) في الآية للإضراب الانتقالي التوكيدي، وفائدتها: الانتقال من جملة إلى جملة أخرى أهم من الأولى.
(3)
وما بعد (بل) هنا مبين للآية السابقة: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء: 39] وزائد عليها.
قال الفيروزأبادي: "وعلى هذا قوله: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ} إلى قوله: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} أي: لو يعلمون ما يعلمون ما هو زائد على الأوّل، وأَعظم منه وهو أن تأتيهم بغتة". اهـ
(4)
(1)
يريد الآيات المذكورة في قوله: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)[الأنبياء: 37].
(2)
ينظر: الدر المصون (8: 160)، تفسير النيسابوري (5: 22)، التحرير والتنوير (17: 71)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (17: 31)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (6: 310)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 286)، معجم حروف المعاني، لمحمد الشريف (ص: 499).
(3)
ينظر: تفسير النيسابوري (5: 22)، معجم حروف المعاني، لمحمد الشريف (ص: 499).
(4)
بصائر ذوي التمييز (2: 270).::
وقال ابنُ عاشور: "و (بَل) للإضراب الانتقالي مِن تهويل ما أُعِدَّ لهم إلى التهديد بأنّ ذلك يحِلُّ بهم بغتةً وفجأة، وهو أشدُّ على النفوس؛ لعدم التَّهَيُّؤِ له". اهـ
(1)
وقد أصابَ السمينُ في استدراكه على ابن عطية؛ إذ أن التقدير الذي ذكره ابنُ عطية يؤول إلى معنى غير صحيح؛ فليست الآيات هي التي تأتي بغتة، وأهل التفسير وإن اختلفت ألفاظهم في تفسير ضمير {تَأْتِيهِمْ} ، فذلك من باب اختلاف التنوع، وكل ما قالوه يؤول إلى معنى واحد، وليس من بين أقوالهم أن الآيات هي التي تأتي بغتة.
فقال بعضهم: الساعة هي التي تأتيهم بغتة
(2)
، وهي المدلَّل عليها بسؤالهم:{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38]، وفسرها بعضهم بالعقوبة
(3)
، وقال آخرون: هي النار
(4)
، وقيل: هي العدة أو الحين أو الوعد
(5)
.
(1)
التحرير والتنوير (17: 71).
(2)
ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (3: 80)، تفسير يحيى بن سلام (2: 313)، معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (3: 393)، تفسير السمرقندي (2: 426)، تفسير القرآن العزيز، لابن أبي زمنين (3: 147)، تفسير الثعلبي (6: 276)، التفسير الوسيط، للواحدي (3: 238)، تفسير السمعاني (3: 381)، تفسير البغوي (3: 289)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (3: 191)، تفسير الفخر الرازي (22: 146)، تفسير النسفي (2: 405)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (17: 31)، المجتبى، لأحمد الخراط (2: 721).
(3)
ينظر: تفسير القشيري (2: 503)، تفسير القرطبي (11: 290)، تفسير أبي حيان (7: 432).
(4)
ينظر: تفسير الطبري (18: 445)، تفسير الزمخشري (3: 118)، تفسير ابن جزي (2: 23)، تفسير أبي حيان (7: 432)، تفسير ابن كثير (5: 343).
(5)
ينظر: تفسير الزمخشري (3: 118)، تفسير البيضاوي (4: 52)، تفسير أبي السعود (6: 68)، فتح القدير، للشوكاني (3: 482)، تفسير الآلوسي (9: 49)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (17: 71).::
قال المنتجب الهمذاني: "المنويّ راجع إلى (النَّارَ)، أو إلى الوعد؛ لأنه في معنى النار، وهي التي وُعِدوها، أو على تأويل العدة والموعدة، أو إلى الحين؛ لأنه في معنى الساعة، أو إلى الساعة وإن لم يجرِ لها ذكر؛ لكونها معلومة". اهـ
(1)
وكل تلك المعاني التي ذكروها لا توافق تقدير ابن عطية، بل وإن هذا التقدير يُناقض ما قاله ابنُ عطية نفسه بعد ذلك؛ حيث قال:"والضمير للساعة التي تُصيّرهم إلى العذاب، ويحتمل أن يكون للنار" اهـ
(2)
، فأين هذا من تقدير: إن الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم، بل تأتيهم بغتة؟
* * *
(1)
الفريد في إعراب القرآن المجيد (4: 489).
(2)
المحرر الوجيز (4: 83).::