الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[7]: قال ابنُ عطية في توجيهه للقراءة الواردة في {لَمَا آتَيْتُكُمْ}
(1)
بفتح اللام وتشديد الميم في قوله - تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81]: "ويظهر أن (لمَاّ) هذه هي الظرفية
(1)
قرأ حمزة (لِمَا) بكسر اللام وفتح الميم، وباقي العشرة بفتح اللام والميم (لَمَا): متواترًا، وقُرئَ شاذاً (لَماَّ) بفتح اللام وتشديد الميم، وهي قراءة سعيد بن جُبير والحسن. ينظر: السبعة، لابن مجاهد (ص: 213)، التيسير في القراءات السبع، لأبي عمرو الداني (ص: 89)، تفسير الزمخشري (1: 379)، زاد المسير، لابن الجوزي (1: 300)، تفسير أبي حيان (3: 237)، النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (2: 241)، فتح القدير، للشوكاني (1: 408).
أي لَمّا كنتم بهذه الحال، رؤساء الناس وأماثلهم، أخذ عليكم الميثاق، إذ على القادة يؤخذ، فيجيء هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة
(1)
.
وذهب ابن جنِّي في (لماَّ) في هذه الآية إلى أن أصلها (لمن ما)
(2)
، وزيدت (مِن)
(3)
في الواجب على مذهب الأخفش
(4)
، ثم أدغمت كما يجب في مثل هذا، فجاء (لمما)، فثقل اجتماع ثلاث ميمات فحذفت الميم الأولى فبقي (لماَّ) ". اهـ
(5)
وقال السمين الحلبي: "وأمَّا قراءةُ سعيد
(6)
والحسن
(7)
ففيها أوجه، أحدها: أَنَّ (لَمَّا) هنا ظرفيةٌ بمعنى حين فتكونُ ظرفية، ثم القائلُ بظرفيتها اختلف تقديرُه في جوابها، فذهب الزمخشري إلى أن الجوابَ مقدرٌ من جنس جواب القسم فقال: " (لَمَّا) بالتشديد بمعنى
(1)
حَمْزَةُ بنُ حَبِيب التَّيْمِيُّ الكُوْفِيُّ، الزَّيَّاتُ، أبو عُمَارَة، الإمامُ، القدوة، أحد القراء السبعة، وانعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول، توفي سنة 156 وقيل 158 هـ. ينظر: ميزان الاعتدال، للذهبي (1: 605)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (1: 261)، تهذيب التهذيب، لابن حجر (3: 27).
(2)
ينظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1: 164).
(3)
ينظر: معاني القرآن، للأخفش (1: 105).
(4)
سعيد بن مَسْعَدَةَ الْمُجَاشِعِي مولاهم، البَلْخِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، أبو الحسن، المعروف بالأَخْفَش الأوسط، إمام النحو، عالم باللغة والأدب، وهو أحذق أصحاب سيبويه، من تصانيفه:(معاني القرآن) و (القوافي)، توفي سنة 215 هـ. ينظر: أخبار النحويين البصريين، للسيرافي (ص: 40)، تاريخ العلماء النحويين، للتنوخي (ص: 85)، طبقات المفسرين، للداوودي (1: 191).
(5)
المحرر الوجيز (1: 465).
(6)
سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ هِشَامٍ الوَالِبِيُّ الأَسَدِيُّ مولاهم، الكوفيّ، أبو عبد الله، الإمامُ، الحافظُ، المُقْرِئُ، المفسّر، من فقهاء التابعين، قتله الحجاج سنة 95 هـ. ينظر: مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان (ص: 133)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (4: 321)، غاية النهاية، لابن الجزري (1: 305)، طبقات المفسرين، للداوودي (1: 188).
(7)
الحسن بن يَسَار البَصْريّ، أبو سعيد، إمام زمانه علماً وعملاً، كان من فقهاء التابعين وفصحائهم وزهادهم، توفي سنة 110 هـ. ينظر: حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (2: 131)، وفيات الأعيان، لابن خلكان (2: 69)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (4: 563)، غاية النهاية، لابن الجزري (1: 235).
حين، أي: حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدِّق وَجَبَ عليكم الإِيمانُ به ونصرتُه"
(1)
.
وقال ابن عطية: "ويظهر أن (لمَّا) هذه هي الظرفيةُ أي: لَمَّا كنتم بهذه الحالِ رؤساءَ الناس وأماثِلَهم أخذ عليكم الميثاق، إذ على القادة يُؤْخَذ، فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة"
(2)
، فقدَّر ابن عطية جوابَها من جنس ما سبقها، وهذا الذي ذهبا إليه مذهب مرجوح قال به الفارسي
(3)
، والجمهور: سيبويه وأتباعُه على خلافه"
(4)
.
ثم ذكر السمينُ قولاً آخر في توجيه القراءة فقال: "والثالث: أنَّ الأصلَ: (لَمِنْ ما) فأدغمت النون في الميم لأنها تقاربُها، والإِدغامُ هنا واجب، ولما اجتمع ثلاثُ ميمات: ميم (مِنْ)، وميم (ما)، والميم التي انقلبت من نون (مِن) لأجل الإِدغام فحصل ثقل في اللفظ.
قال الزمخشري: "فحذفوا إحداها"
(5)
، قال الشيخ: وفيه إبهامٌ
(6)
، وقد عَيَّنها ابن عطية بأن المحذوفة هي الأولى.
قلت: وفيه نظر، لأنَّ الثقلَ إنما حصل بما بعد الأولى، ولذلك كان الصحيح في نظائره إنما هو حَذْفُ الثواني نحو:(تَنَزَّل)
(7)
و (تَذَكَّرون)
(8)
.
(1)
تفسير الزمخشري (1: 380).
(2)
المحرر الوجيز (1: 465).
(3)
ذهب الفارسي إلى أنها اسم خلافاً لسيبويه الذي قال بأنها حرف. ينظر: الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي (3: 65).
(4)
الدر المصون (3: 290).
(5)
تفسير الزمخشري (1: 380).
(6)
ينظر: تفسير أبي حيان (3: 241).
(7)
كما في قوله - تعالى-: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221] أصلها: تتنزلُ، وأغلب المفسرين يقولون: حذفت إحدى التاءين؛ دون تعيين. ينظر: تفسير أبي السعود (6: 268)، فتح القدير، للشوكاني (4: 139).
(8)
كما في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152] أصلها: تتذكرون. ينظر: تفسير السمرقندي (1: 494)، تفسير أبي حيان (4: 690).