الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
اختلف العلماء في إعراب قوله: {وَيَصُدُّونَ} وتعددت تقديراتهم وتوجيهاتهم، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال رئيسة:
1 -
أنّ الواو عاطفة، فقوله:{وَيَصُدُّونَ} معطوف على ما قبله.
قاله: الطبري
(1)
، والزجّاج
(2)
، والنحّاس
(3)
، ومكيّ بن أبي طالب
(4)
، وابن عطية
(5)
،
وغيرهم
(6)
.
وفي عطف المستقبل {وَيَصُدُّونَ} على الماضي {كَفَرُوا} أربعة تأويلات:
(1)
ينظر: تفسير الطبري (18: 597).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه (3: 420).
(3)
ينظر: إعراب القرآن (3: 65).
(4)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (2: 489).
(5)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 115).
(6)
ينظر: تفسير البغوي (3: 333)، كشف المشكلات، للباقولي (ص: 540)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 142)، تفسير الفخر الرازي (23: 216)، الدر المصون (8: 255)، تفسير أبي السعود (6: 103)، فتح القدير، للشوكاني (3: 528)، تفسير الآلوسي (9: 132)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (17: 105)، أضواء البيان، للشنقيطي (4: 292)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (6: 419)، المجتبى، لأحمد الخراط (2: 747)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 659)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 335)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 308).
أحدها: أن المضارع {وَيَصُدُّونَ} لا يُراد به الحال والاستقبال، بل يراد به استمرار حدوث الفعل منهم، وهو الصد، وذلك مثل قوله- تعالى-:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28].
(1)
قال الطبري: "عطف بـ {وَيَصُدُّونَ} وهو مستقبل على {كَفَرُوا} وهو ماض؛ لأن الصدّ بمعنى الصفة لهم والدوام، وإذا كان ذلك معنى الكلام، لم يكن إلا بلفظ الاسم أو الاستقبال، ولا يكون بلفظ الماضي، وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: إن الذين كفروا من صفتهم الصدّ عن سبيل الله، وذلك نظير قول الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28] ". اهـ
(2)
الثاني: أنّ {وَيَصُدُّونَ} مضارع أريد به الماضي
(3)
، أي: ما مضى من الصدِّ، والتقدير: إن الذين كفروا وصدّوا.
قال البغوي: عَطَفَ المستقبل على الماضي؛ لأنَّ المراد مِن لفظِ المستقبل الماضي، كما قال - تعالى- في موضع آخر:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [محمد: 1] ". اهـ
(4)
(1)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (4: 544)، تفسير البيضاوي (4: 69)، الدر المصون (8: 255)، تفسير أبي السعود (6: 103)، فتح القدير، للشوكاني (3: 528)، تفسير الآلوسي (9: 132)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (6: 419).
(2)
تفسير الطبري (18: 597).
(3)
ينظر: غرائب التفسير، للكرماني (2: 756)، تفسير البغوي (3: 333)، كشف المشكلات، للباقولي (ص: 540)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (4: 544)، فتح القدير، للشوكاني (3: 528)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (6: 419).
(4)
تفسير البغوي (3: 333).
الثالث: أنّ الماضي {كَفَرُوا} يراد به المستقبل، والتقدير: يكفرون ويصدون
(1)
.
قال السمين الحلبي متحدثاً عن هذا التأويل: " أنّ {وَيَصُدُّونَ} على بابِه، والماضي قبله مُؤَوَّل بالمستقبل". اهـ
(2)
الرابع: أنّ المراد: إنّ الذين كفروا فيما تقدّم، ويصدون عن سبيل الله في الحال، والتقدير: إنَّ الذين كفروا وهم يَصُدُّون، وعليه فالجملة المعطوفة اسمية لا فعلية.
(3)
قال السمعاني: "قال بعضهم: معناه: إن الَّذين كفرُوا فيما تقدَّم". اهـ
(4)
وقال الفخر الرازي: "التقدير: إنَّ الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون". اهـ
(5)
وقال ابنُ عطية: "تقديره: وهم يصدون، وبهذا حسن عطف المستقبل على الماضي".
…
اهـ
(6)
(1)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (2: 938)، الدر المصون (8: 255)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 659).
(2)
الدر المصون (8: 255).
(3)
ينظر: تفسير السمعاني (3: 431)، تفسير البغوي (3: 333)، المحرر الوجيز (4: 115)، تفسير الفخر الرازي (23: 216).
(4)
تفسير السمعاني (3: 431).
(5)
تفسير الفخر الرازي (23: 216).
(6)
المحرر الوجيز (4: 115).
والذين اتفقوا على أنّ الواو عاطفة اختلفوا في خبر {إنَّ} ، فذهب الجمهور
(1)
إلى أنه محذوف، دل عليه آخر الآية، والتقدير: إنّ الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله هلكوا أو خسروا، أو: مُعذَّبون.
قال ابنُ عطية: "الخبر محذوف مقدَّر عند قوله {وَالْبَادِ}، تقديره: خسروا أو هلكوا".
…
اهـ
(2)
وقال عبد الرحمن الأنباري: "خبر {إنَّ} مقدر، وتقديره: إنّ الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله مُعذَّبون". اهـ
(3)
وذهب الزجاج إلى أنّ الخبر هو قوله: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
(4)
، وضعّف قولَ الزجاج هذا عددٌ من العلماء منهم: النحاس
(5)
، ومكي بن أبي طالب
(6)
.
قال النحاس: "هذا غلط، ولست أعرف ما الوجه فيه؛ لأنه جاء بخبر {إنّ} جزمًا، وأيضًا فإنه جواب الشرط، ولو كان خبرًا لبقي الشرط بلا جواب ولا سيما والفعل الذي للشرط مستقبل فلا بد له من جواب". اهـ
(7)
(1)
ينظر: إعراب القرآن، للنحاس (3: 66)، الهداية إلى بلوغ النهاية، لمكي بن أبي طالب (7: 4866)، المحرر الوجيز (4: 115)، كشف المشكلات، للباقولي (ص: 540)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 142)، التبيان في إعراب القرآن (2: 938)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (4: 544)، تفسير البيضاوي (4: 69)، تفسير أبي السعود (6: 103)، فتح القدير، للشوكاني (3: 528)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (17: 105).
(2)
المحرر الوجيز (4: 115).
(3)
البيان في إعراب غريب القرآن (2: 142).
(4)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه (3: 420).
(5)
ينظر: إعراب القرآن (3: 66).
(6)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (7: 4866).
(7)
إعراب القرآن (3: 66).
وقال مكي: "قال أبو إسحاق: "الخبر: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} " اهـ، وهذا غلط؛ لأنه جواب الشرط". اهـ
(1)
2 -
أنَّ الواو في {وَيَصُدُّونَ} واو الحال، وجملة {يَصُدُّون} في محل نصب حال من واو الجماعة في {كفروا} .
وخبر {إنّ} محذوف - كما في القول السابق-، دل عليه آخر الآية، تقديره: مُعذَّبون.
قاله: أبو البقاء
(2)
، وجوّزه: الباقولي
(3)
، وعبد الرحمن الأنباري
(4)
، والبيضاوي
(5)
، وغيرهم
(6)
.
وضعّف السمين الحلبي أن تكون الجملة حالية قائلاً: "وهو فاسدٌ ظاهراً؛ لأنه مضارعٌ مثبتٌ، وما كان كذلك لا تَدْخُل عليه الواو، وما ورد منه على قِلَّتِه مؤولٌ فلا يُحْمل عليه القرآن". اهـ
(7)
(1)
الهداية إلى بلوغ النهاية (7: 4866).
(2)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 938).
(3)
ينظر: كشف المشكلات في إعراب القرآن وعلل القراءات (ص: 540).
(4)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن (2: 142).
(5)
ينظر: تفسير البيضاوي (4: 69).
(6)
ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل، للكرماني (2: 756)، تفسير أبي السعود (6: 103)، فتح القدير، للشوكاني (3: 528)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (17: 105)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 659)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 335)
(7)
الدر المصون (8: 255).
3 -
أنَّ الواو زائدة، وجملة {يَصُدُّون} في محل رفع خبر {إنّ} ، والتقدير: إن الذين كفروا يصدون.
قاله: الخليل بن أحمد
(1)
.
وذكره بعض العلماء وجهًا محتملاً، منهم: مكي بن أبي طالب
(2)
، والكرماني
(3)
، وأبو البقاء
(4)
، والشوكاني
(5)
.
قال الخليل بن أحمد: " {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} معناه: يصدون، والواو فيه واو إقحام". اهـ
(6)
وضعّف هذا القول عددٌ من العلماء
(7)
، منهم ابن عطية وجعله ممتنعاً من جهة المعنى، حيث قال:"وقالت فرقة: الواو زائدة و {يَصُدُّونَ} خبر {إِنَّ}، وهذا مفسد للمعنى المقصود". اهـ
(8)
واستدرك عليه السمين حيث ذهب إلى أن المعنى ليس بفاسد، والضعف إنما هو من الناحية الصناعية لا المعنوية، حيث قال: "ولا أَدْري فسادَ المعنى من أيِّ جهة؟ ألا ترى أنه لو صُرِّح بقولِنا: إنَّ الذين كفروا يَصُدُّون؛ لم يكنْ فيه فسادُ معنى، فالمانع إنما هو أمرٌ صناعيٌّ عند
(1)
ينظر: الجمل في النحو (ص: 305).
(2)
ينظر: مشكل إعراب القرآن (2: 489).
(3)
ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل (2: 756).
(4)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 938).
(5)
ينظر: فتح القدير، للشوكاني (3: 528).
(6)
الجمل في النحو (ص: 305).
(7)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 115)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 142)، تفسير أبي حيان (7: 499)، الدر المصون (8: 256)، أضواء البيان، للشنقيطي (4: 292 - 293).
(8)
المحرر الوجيز (4: 115).
أهل البصرة لا معنويّ، اللهم إلاَّ أنْ يريدَ معنىً خاصاً يَفْسُدُ لهذا التقديرِ فيُحتاج إلى بيانه".
…
اهـ
(1)
وقد ذهب الكوفيون إلى أن الواو العاطفة يجوز أن تقع زائدة، واحتجوا بعدد من الأدلة، أمّا البصريون فقد ذهبوا إلى أنه لا يجوز أن تقع الواو العاطفة زائدة، وقد ناقش هذه المسألة عبد الرحمن الأنباري في (الإنصاف)، وردَّ على أدلة الكوفيين، وخلص إلى أنّ الواو فيما استشهدوا به مِن أدلة إنما هي عاطفة لا زائدة
(2)
.
فالسمين الحلبي ضعّف هذا القول من الناحية الصناعية، ولم يوافق ابن عطية في فساده من ناحية المعنى.
والصواب أن يُقال: حتى مع التسليم بأن المعنى على ذلك ليس بفاسد، فيبقى هذا القول على ضعفه؛ لأنه ليس له ما يقويه أو يشهد له، والواو في الأصل حرف وُضِعَ لمعنى؛ فلا يجوز أن يحكم بزيادته مهما أمكن أن يُجْرى على أصله، وقد أمكن هاهنا
(3)
.
وقد قال- تعالى- في مواضع أخرى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الفتح: 25]، وقال:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 1]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ} [محمد: 32]، فالواو مثبتة في جميع هذه المواضع المشاكِلَة لما جاء في الآية موضع الاستدراك، مِمّا يُضعف القول بزيادتها.
(1)
الدر المصون (8: 256).
(2)
ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف، للأنباري (2: 374 - 377).
(3)
ينظر: المصدر السابق (2: 376).