الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عطية: "التقديرُ: إنَّ فِعْلَ الذين، وهذا أنْسَقُ في المعنى وأكثرُ فائدةً من أَنْ يكونَ {عُصْبَةٌ} خبرَ {إنَّ} " اهـ، كذا أورده عنه الشيخ غيرَ معترِضٍ عليه
(1)
، والاعتراضُ عليه واضحٌ مِن حيث إنه أوقع خبرَ {إنَّ} جملةً طلبيةً، وقد تقدم أنه لا يجوز". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
أولاً: أقوال العلماء في خبر {إنَّ} في الآية:
للعلماء في ذلك قولان:
1 -
أنَّ قوله: {عُصْبَةٌ} خبر {إنَّ} مرفوع، و {مِنْكُمْ} نعت لـ {عُصْبَةٌ} ، وجملة {لَا تَحْسَبُوهُ} مستأنفة.
وهو قول جمهور المعربين
(3)
.
(1)
ينظر: تفسير أبي حيان (8: 20).
(2)
الدر المصون (8: 388).
(3)
ينظر: إعراب القرآن، للنحاس (3: 90)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 160)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (2: 966)، الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (4: 637)، تفسير القرطبي (12: 197)، تفسير البيضاوي (4: 100)، تفسير ابن جزي (2: 63)، تفسير أبي حيان (8: 20)، الدر المصون (8: 388)، تفسير أبي السعود (6: 160)، روح البيان، لإسماعيل حقي (6: 125)، البحر المديد، لابن عجيبة (4: 15)، فتح القدير، للشوكاني (4: 14)، تفسير الآلوسي (9: 310)، تفسير القاسمي (7: 336)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (18: 233)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (6: 568)، التفسير المنير، للزحيلي (18: 168)، المجتبى، لأحمد الخراط (2: 789)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 345)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 816)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن، لمحمد بارتجي (ص: 359)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 351).
قال أبو جعفر النحاس: " {
…
الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} اسم {إنَّ} ، {عُصْبَةٌ} خبرها". اهـ
(1)
وقال أبو البقاء: " {عُصْبَةٌ}: هي خبرُ {إِنَّ}، و {مِنْكُمْ} نعتٌ لها، وبه أفاد الخبرُ، وقوله - تعالى-: {لَا تَحْسَبُوهُ}: مستأنف". اهـ
(2)
2 -
أنَّ قوله: {لَا تَحْسَبُوهُ} خبر {إنَّ} ، أمّا {عُصْبَةٌ} فهو مرفوع على البدل من الضمير في {جَاءُوا} .
قاله ابنُ عطية
(3)
، وجوّزه الشوكاني
(4)
، وبه بدأ ابن عاشور
(5)
.
قال ابنُ عطية: "خبر {إِنَّ} في قوله: {لَا تَحْسَبُوهُ}، والتقدير: إنَّ فعل الذين، وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة مِن أن يكون {عُصْبَةٌ} خبر {إِنَّ} ". اهـ
(6)
قال الشوكاني معلقًا على قول ابن عطية: "جملةُ: {لَا تَحْسَبُوهُ} وإِنْ كانت طلبية، فَجَعْلُها خبرًا يَصحُّ بتقدير". اهـ
(7)
(1)
إعراب القرآن (3: 90).
(2)
التبيان في إعراب القرآن (2: 966).
(3)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 169).
(4)
ينظر: فتح القدير (4: 14).
(5)
ينظر: التحرير والتنوير (18: 171).
(6)
المحرر الوجيز (4: 169).
(7)
فتح القدير (4: 14).
وضعّف هذا الوجه بعض العلماء، منهم: ابن جُزي
(1)
، والسمين الحلبي
(2)
، والآلوسي
(3)
.
قال السمين: "والاعتراضُ عليه واضحٌ مِن حيث إنه أوقع خبر {إنَّ} جملةً طلبيةً، وقد تقدم أنه لا يجوزُ". اهـ
(4)
وقال الآلوسي: "ولا يخفى أنه تكلف". اهـ
(5)
ثانياً: حكم وقوع خبر (إنَّ) جملة طلبية:
ذهب جمهور النحويين إلى أنه لا يجوز أن يكون خبر (إنّ) جملة طلبية، وإن ورد شيء منه أُوّل
(6)
؛ فأولوا قول الشاعر
(7)
:
إنَّ الذين قتلتم أمس سيدهم
…
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
بأنه على إضمار قول يقع خبراً لـ (إنّ)، وتقع هذه الجملة الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إنَّ الذين قتلتم سيدهم أمس مقول في شأنهم لا تحسبوا
(8)
.
ورَدَّ بعضهم هذه التأويلات، وقالوا بأنها تكلف والتزام ما لا لزوم له
(9)
.
(1)
ينظر: تفسير ابن جزي (2: 63).
(2)
ينظر: الدر المصون (8: 389).
(3)
ينظر: تفسير الآلوسي (9: 310).
(4)
الدر المصون (8: 389).
(5)
تفسير الآلوسي (9: 310).
(6)
ينظر: الدر المصون (9: 515)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام (1: 314).
(7)
البيت من غير نسبة في أمالي ابن الشجري (2: 80)، وفي أوضح المسالك، لابن هشام (1: 314)، وفي خزانة الأدب (10: 247) نسبه البغدادي لأبي مُكْعِت أخي سعد بن مالك.
(8)
ينظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام (1: 314).
(9)
ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1: 347).
وذهب بعضهم إلى جواز وقوع الخبر في جملة النهي دون غيرها من الجمل الطلبية
(1)
.
والظاهر أنَّ خبر (إنّ) يجوز أن يقع جملة طلبية مطلقاً، إلا أنّ ذلك لم يقع بكثرة في كلام العرب، وقد ثبت وقوعه في القرآن مقترناً بالفاء، قال - تعالى-:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21]، فخبر {إنّ} قوله:{فَبَشِّرْهُمْ}
(2)
جملة طلبية، ومِن الملاحظ أنّ المعربين لهذه الآية اهتموا بتعليل وقوع الفاء في خبر {إنّ} ، إلا أنهم لم يتحدثوا عن وقوع الخبر هنا جملة طلبية.
قال الزمخشري: "فإن قلتَ: لم دخلت الفاء في خبر {إن}؟ قلتُ: لتضمن اسمها معنى الجزاء، كأنه قيل: الذين يكفرون فبشِّرهم، بمعنى: مَن يكفر فبَشِّرهم، و (إنّ) لا تغير معنى الابتداء، فكأنّ دخولها كلا دخول". اهـ
(3)
وقال أبو البقاء: "ودخلت الفاء فيه حيث كانت صِلَةَ (الذي) فِعلاً، وذلك مُؤْذِنٌ باستحقاق البِشارة بالعذاب جزاءً على الكفر، ولا تَمنَعُ (إِنَّ) مِن دخول الفاء في الخبر؛ لأنها لم تُغَيِّر معنى الابتداء بل أكّدته". اهـ
(4)
(1)
ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، للسيوطي (1: 492).
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1: 391)، إعراب القرآن، للنحاس (1: 149)، تفسير الزمخشري (1: 348)، التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء (1: 249)، تفسير أبي حيان (3: 77)، تفسير أبي السعود (2: 19)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (3: 138)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش (1: 481)، المجتبى، لأحمد الخراط (1: 113)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (1: 129).
(3)
تفسير الزمخشري (1: 348).
(4)
التبيان في إعراب القرآن (1: 249).
فالذي يظهر أنّ وقوع خبر (إنّ) جملة طلبية جائز على قِلَّتِه.
ثالثاً: الترجيح:
الراجح أنَّ قوله: {الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} اسم {إنّ} ، وخبرها {عُصْبَةٌ} ، وهذا هو الظاهر.
أمّا قول ابن عطية بأنّ قوله: {لَا تَحْسَبُوهُ} هو خبر {إنّ} ، فهو قول بعيد، لما يلي:
1 -
أنه مُفتقر إلى تقدير ليصح به التركيب الكلامي
(1)
، بخلاف قول الجمهور فهو متسق مع ظاهر الآية ولا تقدير فيه.
وتقدير الكلام عند ابن عطية: إنّ فِعْل الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم
(2)
، وهذا التقدير فيه تكلف ولا حاجة إليه.
2 -
أنّ قوله: {الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} اسم {إنّ} ، فيترجح أن يكون الخبر عن الذين جاءوا بالإفك لا عن الإفك ذاته، وعليه فالخبر:{عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ، ولو وقف القارئ هنا فالجملة صحيحة مشتملة على اسم {إن} وخبرها، وقد أفادت معنى.
وفائدة الإخبار عنهم بأنهم عصبة: التسلية بأنّ الذين جاءوا بذلك الإفك فرقة متعاونة وذلك مِن أمارات كونه إفكًا لا أصل له، وقيل: الأَوْلى أن تكون التسلية بأن ذلك مما لم يُجمع عليه بل جاء به شرذمة منكم
(3)
.
* * *
(1)
ينظر: الدر المصون (8: 389).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 169).
(3)
ينظر: تفسير الآلوسي (9: 310).