الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: أنها لبيان الجنس، قاله ابن عطية، وبه بدأ، وفيه نظرٌ؛ إذ لم يتقدم شيءٌ مُبهَم". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
يكثر الخلاف بين العلماء في حروف المعاني، وتتعدد الاحتمالات في معانيها، لاسيما في مثل هذا الموضع من قوله- تعالى-:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} فتعددت أقوال العلماء في (مِن) الأولى، حتى إن أغلبهم ذكروا فيها أكثر مِن قول دون أن يرجحوا قولاً على آخر
(2)
.
وقد ذكرَ ابنُ عطية أنها لبيان الجنس - وهو القول الذي بدأ به-، ثم قال:"ويحتمل أن تكون للتبعيض". اهـ
(3)
بينما استبعد السمين أن تكون لبيان الجنس؛ لأنه لم يتقدم شيء مبهم
(4)
.
وللعلماء في (مِن) الأولى أربعة أقوال:
الأول: أنها توكيدية (زائدة)
(5)
، والمعنى: يحلون أساور.
(1)
الدر المصون (8: 252).
(2)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الهمذاني (4: 543)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (4: 418)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (2: 545)، تفسير أبي السعود (6: 102)، حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (6: 289)، فتح القدير، للشوكاني (3: 525)، تفسير الآلوسي (9: 130)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (6: 418)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 657).
(3)
المحرر الوجيز (4: 115).
(4)
ينظر: الدر المصون (8: 252).
(5)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (4: 543)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (2: 545)، تفسير أبي السعود (6: 102)، حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (6: 289)، فتح القدير، للشوكاني (3: 525).::
قاله: أبو البقاء
(1)
، والقرطبي
(2)
، وغيرهما
(3)
.
قال ابن عاشور: "و (مِنْ) في قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ} زائدة للتوكيد، ووجْهُهُ أنه لَمَّا لَمْ يُعهَدْ تَحلِيةُ الرجال بالأساور كان الخبرُ عنهم بأنهم يُحَلَّوْنَ أساورَ مُعَرّضًا للترددِ في إرادة الحقيقة؛ فجِيءَ بالمؤَكِّدِ؛ لإفادة المعنى الحقيقي". اهـ
(4)
وجواز زيادة (مِن) مطلقاً هو مذهب أبي الحسن الأخفش، ومَن وافقه من الكوفيين والبصريين، فقالوا بجواز زيادتها في النفي والإيجاب؛ لثبوت السماع بذلك
(5)
، وخَرَّجُوا عليه قوله:{وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، ومن أدلتهم أيضاً: قوله- تعالى-: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف: 12]، وفي موضع آخر قال:{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31]، ومنها قوله:{وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [الأنفال: 29]، وقال في موضع آخر:{وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271].
(1)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 938).
(2)
ينظر: تفسير القرطبي (12: 28).
(3)
ينظر: حجة القراءات، لابن زنجلة (ص: 474)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (4: 418)، التحرير والتنوير، لابن عاشور (17: 232)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 307).
(4)
التحرير والتنوير (17: 232).
(5)
ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي (ص: 318)، مغني اللبيب، لابن هشام (1: 428)، البرهان، للزركشي (3: 82).::
الثاني: أنها لبيان الجنس
(1)
.
قاله ابنُ عطية وبه بدأ
(2)
، ووافقه ابنُ جُزَيّ
(3)
الكلبيّ
(4)
.
وضعّف السمين الحلبي هذا القول بحجة أنه لم يتقدم شيء مبهم فتكون (مِن) هذه لبيان جنسه
(5)
.
الثالث: أنها للتبعيض
(6)
، أي: يُحَلَّونَ بعض أساور.
قاله: أبو القاسم
(7)
الكِرْماني
(8)
، والزمخشري
(9)
، وأبو حيان
(10)
، وغيرهم
(11)
.
(1)
ينظر: تفسير أبي السعود (6: 102)، حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (6: 289)، فتح القدير، للشوكاني (3: 525)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (3: 657).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (4: 115).
(3)
محمد بن أحمد بن محمد بن جُزَيّ الكَلْبي الغرْناطِيّ، أبو القاسم، الإمام، الفقيه، المقرئ، اللغوي، المفسّر، من تصانيفه:(التسهيل لعلوم التنزيل) و (القوانين الفقهية)، توفي سنة 741 هـ. ينظر: غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (2: 83)، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (5: 88)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للمقري (5: 514).
(4)
ينظر: تفسير ابن جزي (2: 37).
(5)
ينظر: الدر المصون (8: 252).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (4: 543)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (2: 545)، تفسير أبي السعود (6: 102)، حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (6: 289)، فتح القدير، للشوكاني (3: 525).
(7)
محمود بن حمزة بن نَصْر الكِرْمانيّ، برهان الدين، أبو القاسم، المعروف بتاج القراء، النحويّ، المقرئ، من تصانيفه:(غرائب التفسير وعجائب التأويل) و (البرهان في متشابه القرآن)، توفي نحو 505 هـ. ينظر: معجم الأدباء، لياقوت الحموي (6: 2686)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (2: 291).
(8)
ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل (2: 755).
(9)
ينظر: تفسير الزمخشري (3: 614).
(10)
ينظر: تفسير أبي حيان (7: 497).
(11)
ينظر: تفسير البيضاوي (4: 259)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (3: 524)، معجم حروف المعاني في القرآن، لمحمد الشريف (ص: 1077).::
قال الزمخشري: " (مِن) داخلة للتبعيض، أي: يحلون بعض أساور من ذهب، كأنه بعض سابق لسائر الأبعاض". اهـ
(1)
الرابع: أنها للابتداء، وهو قول ابن هشام
(2)
.
مناقشة الأقوال:
أمّا القول بأنها توكيدية (زائدة) فيقويه قوله -تعالى-: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ} [الإنسان: 21]
(3)
.
وأمّا القول بأنها لبيان الجنس فهو قول محتمل، والمبهم المتقدم هو الحلي
(4)
، فتكون (مِن) هذه لبيان جنس الحلي.
وأمّا القول بأنها تبعيضية فهو قول محتمل أيضاً، إلا أن قوله في موضع آخر:{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ} [الإنسان: 21] لا يقوي أن معناها هنا: مِن بعض أساور.
(1)
تفسير الزمخشري (3: 614).
(2)
ينظر: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (1: 420).
(3)
ينظر: البرهان في علوم القرآن، للزركشي (4: 418)، شرح التصريح، للأزهري (1: 637).
(4)
ينظر: تفسير أبي السعود (6: 102).::
وأمّا القول بأنها للابتداء فهو قول بعيد، والمعنى لا يدل على أنها لابتداء الغاية.
وعليه: فالقول الأول والقول الثاني هما الأقرب للصواب، وقول ابن عطية أنها لبيان الجنس ليس بضعيف.
* * *::