الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستحسن الشيخ هذا الردَ وقال: "وهذا الردُّ صحيح لو قلت: جلست داراً بعيدة أو مكاناً بعيداً لم يصحَّ إلا بواسطة (في)، ولا يجوز حذفُها إلا في ضرورة شعرٍ، أو مع (دَخَلْتُ) على الخلاف في (دَخَلْتُ) أهي لازمةٌ أم متعديةٌ؟ " اهـ
(1)
قلتُ: وفي الكلامَيْن نظرٌ؛ إذ الظرفُ المبهم عبارة عَمَّا ليس له حدودٌ تَحْصُره ولا أقطارٌ تحويه، و {أَرْضًا} في الآية الكريمة من هذا القبيل". اهـ
(2)
دراسة الاستدراك:
موضوع هذا الاستدراك هو إعراب قوله: {أَرْضًا} ، وهذه المسألة للمعربين فيها ثلاثة أقوال، ذكر ابنُ عطية قولين منها وضعف أحدهما، وذكر السمين الأقوال الثلاثة وردّ على تضعيف ابن عطية لأحد الأقوال كما سيأتي.
أولاً: الأقوال في إعراب {أَرْضًا} :
1 -
أنّ {أَرْضًا} منصوب بنزع الخافض (في)، أي: في أرض.
قاله: الأخفش
(3)
، والنحاس
(4)
، والخطيب
(5)
التَبْرِيزِي
(6)
، وغيرهم
(7)
.
(1)
تفسير أبي حيان (6: 243).
(2)
الدر المصون (6: 444).
(3)
ينظر: معانى القرآن (1: 396).
(4)
ينظر: إعراب القرآن (2: 193).
(5)
يحيى بن علي بن محمد الشَّيْبَانِيّ التِّبْرِيزِيّ، أبو زكريا، من أئمة اللغة والأدب، وهو من تلاميذ أبي العلاء المعري، من تصانيفه:(شرح ديوان الحماسة) و (الملخص في إعراب القرآن)، توفي سنة 502 هـ. ينظر: دمية القصر، للباخرزي (1: 261 - 270)، نزهة الألباء في طبقات الأدباء، للأنباري (ص: 270)، طبقات المفسرين، للداوودي (2: 372).
(6)
ينظر: الملخص في إعراب القرآن (ص: 41).
(7)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 222)، تفسير القرطبي (9: 131)، تفسير أبي حيان (6: 243)، نظم الدرر، للبقاعي (10: 23)، الجدول في إعراب القرآن، لمحمود صافي (12: 386)، المجتبى، لأحمد الخراط (2: 493)، المفيد في إعراب القرآن المجيد، لعمر خطيب (ص: 231)، إعراب القرآن، لمحمد الطيب (ص: 236)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (2: 580)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 80).
قال الأخفش: "وليس الأَرْضُ هاهنا بظرف، ولكن حذف منها (في) ثم أعمل فيها الفعل كما تقول: تَوَجَّهْتُ مَكَّةَ". اهـ
(1)
وقال الخطيب التبريزي: "منصوبة على إسقاط (في) وإفضاء الفعل، لأنها ليست من الظروف المبهمة". اهـ
(2)
2 -
أنّ {أَرْضًا} منصوب على أنه ظرف مكان متعلق بالفعل {اطْرَحُوهُ} .
قاله: الزمخشري
(3)
، وعبد الرحمن الأنباري
(4)
، وأبو البقاء
(5)
، والمنتجب الهمذاني
(6)
، وغيرهم
(7)
.
(1)
معانى القرآن (1: 396).
(2)
الملخص في إعراب القرآن (ص: 41).
(3)
ينظر: تفسير الزمخشري (2: 447).
(4)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن (2: 27).
(5)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 723).
(6)
ينظر: الفريد في إعراب القرآن المجيد (3: 550).
(7)
ينظر: تفسير البيضاوي (3: 156)، تفسير النسفي (2: 97)، الدر المصون (6: 444)، تفسير النيسابوري (4: 68)، موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، للجرجاوي (ص: 84)، إعراب القرآن، لزكريا الأنصاري (1: 340)، تفسير أبي السعود (4: 256)، روح البيان، لإسماعيل حقي (4: 219)، فتح القدير، للشوكاني (3: 10)، إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين الدرويش (4: 457)، معارج التفكر، لعبد الرحمن الميداني (10: 622)، التفسير المنير، للزحيلي (12: 211)، الياقوت والمرجان في إعراب القرآن (ص: 244).
قال الزمخشري: " {أَرْضًا} منكورة مجهولة بعيدة مِن العمران، وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الوصف، ولإبهامها من هذا الوجه نُصبت نصبَ الظروف المبهمة". اهـ
(1)
وقال الأنباري: " {أَرْضًا} منصوب على أنه ظرف مكان، وتعدى إليه {اطْرَحُوهُ} وهو لازم، لأنه ظرف مكان مبهَم، وليس له حدود بحصره، ولا نهاية تحيط به". اهـ
(2)
وضعّف هذا الوجه عدد من المعربين، منهم: الأخفش
(3)
، والنحاس
(4)
، ومكي بن أبي طالب
(5)
، وابن عطية
(6)
، وأبو حيان
(7)
.
وسبب تضعيفهم لهذا الوجه: أن الظرف ينبغي أن يكون مبهمًا، وهذه ليست كذلك، بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية.
قال مكي: "ليس بظرف؛ لأنه غير مبهم". اهـ
(8)
(1)
تفسير الزمخشري (2: 447).
(2)
البيان في إعراب غريب القرآن (2: 27).
(3)
ينظر: معانى القرآن (1: 396).
(4)
ينظر: إعراب القرآن (2: 193).
(5)
ينظر: الهداية إلى بلوغ النهاية (5: 3506).
(6)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 222).
(7)
ينظر: تفسير أبي حيان (6: 243).
(8)
الهداية إلى بلوغ النهاية (5: 3506).
وقال ابن عطية: "ذلك خطأ لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهما وهذه هنا ليست كذلك بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك، فزال بذلك إبهامها". اهـ
(1)
ودافع السمين الحلبي عن هذا الوجه قائلاً: "الظرفُ المبهم عبارة عَمَّا ليس له حدودٌ تَحْصُره ولا أقطارٌ تحويه، و {أَرْضًا} في الآية الكريمة من هذا القبيل". اهـ
(2)
3 -
أنّ {أَرْضًا} مفعول به ثان، على تضمين {اطْرَحُوهُ} - اللازم- معنى: أَنْزِلُوهُ - المتعدي-.
قاله: أبو البقاء
(3)
، وأبو حيان
(4)
، والسمين
(5)
، وغيرهم
(6)
وجهاً محتملاً.
قال أبو حيان: "مفعول ثانٍ على تضمين {اطْرَحُوهُ} مَعْنَى: أَنْزِلُوهُ، كما تقول: أنزلتُ زَيْدًا الدَّارَ". اهـ
(7)
وضعّف المنتجب الهمذاني هذا الوجه قائلاً: "وليس بشيء؛ لأنّ (طرَحَ) فعل يتعدى إلى مفعول واحد". اهـ
(8)
(1)
المحرر الوجيز (3: 222).
(2)
الدر المصون (6: 444).
(3)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (2: 723).
(4)
ينظر: تفسير أبي حيان (6: 243).
(5)
ينظر: الدر المصون (6: 444).
(6)
ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (12: 223)، المفيد في إعراب القرآن المجيد، لعمر خطيب (ص: 231)، معرض الإبريز، لعبد الكريم الأسعد (2: 580)، إعراب القرآن، لأحمد الدعاس (2: 80).
(7)
تفسير أبي حيان (6: 243).
(8)
الفريد في إعراب القرآن المجيد (3: 550).
ثانيًا: الترجيح:
أقرب الأقوال للصواب هو أنّ {أَرْضًا} منصوب على نزع الخافض، أي: في أرض، ويجوز أيضاً نصب {أَرْضًا} على الظرفية، والقول بأنها أرض بعيدة لا يناقض ظرفيتها، فهي هنا أرض مبهمة مجهولة تدل على مكان غير محدد ولا محصور
(1)
.
ثم إنه لا يلزم أن تكون الأرض بعيدة، بل قصدوا أن يكون فيها هلاك
(2)
ليوسف
…
عليه السلام وهذا الهلاك قد يكون ببعد الأرض عن العمران وخلوها من أسباب الحياة، أو بوجود سباع فيها ونحو ذلك، وقد نصّ على هذا بعض المفسرين
(3)
، فالمقصود طرحه في أيِّ أرضٍ فيها هلاك وقتل غير مباشر ليوسف عليه السلام بدليل قول أحد إخوة يوسف بعد ذلك مباشرة:{لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف: 10]، وتلك الأرض غير محصورة بل هي مبهمة، وزاد إبهامها بالتنكير، فعوملت معاملة أسماء الجهات
(4)
.
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في رده للقول بظرفيتها وما قاله السمين في جواز ذلك كلام في محله.
* * *
(1)
ينظر: البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 27)، الدر المصون (6: 444)، التفسير المنير، للزحيلي (12: 211)، النحو المصفى، لمحمد عيد (ص: 439).
(2)
ينظر: معارج التفكر، لعبد الرحمن الميداني (10: 622).
(3)
ينظر: تفسير الماوردي (3: 11)، تفسير السمعاني (3: 10)، تفسير البغوي (2: 478)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (2: 415).
(4)
ينظر: النحو المصفى، لمحمد عيد (ص: 439).