الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السمينُ الحلبي: "وأمَّا إثبات الياء في (نَرْتَعِي) مع جزم (نلعب) وهي قراءةُ قنبل
(1)
فقد تجرأ بعض الناس ورَدَّها، وقال ابن عطية:"هي قراءةٌ ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر" اهـ، وقيل:
هي لغةُ مَنْ يجزم بالحركة المقدرة، وأنشد:
أَلَمْ يَأتِيكَ والأنباءُ تَنْمِي
…
... . . . . . . . . . . . . ."
(2)
دراسة الاستدراك:
وَرَدَ في كلمة (يَرْتَعْ) من قوله - تعالى-: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} عدةُ قراءات، منها القراءة بالنون وإثبات الياء:(نَرْتَعِي)، وقد ضعّف ابنُ عطية هذه القراءة ولم يجزها، واستنكر السمينُ ردَّها مِن بعض العلماء ومنهم: ابن عطية، وذكر لها وجهاً.
والكلام عن هذه المسألة من جهتين:
(1)
محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخْزومِيّ مولاهم المكيّ، أبو عمر، المعروف بقُنْبُل، مقرئ أهل مكة، أخذ القراءة عرضًا عن القَوَّاس، وروى القراءة عن البزّي، وقرأ عليه خلق كثير، منهم: أبو بكر بن مجاهد، توفي سنة 291 هـ. ينظر: معجم الأدباء، لياقوت الحموي (5: 2238)، معرفة القراء الكبار، للذهبي (ص: 133)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (2: 165).
(2)
الدر المصون (6: 450).
أولاً: معنى قراءة (نَرتَعِي):
القراءة بإثبات الياء في (نَرْتَعِي) كالقراءة الصحيحة الأخرى بكسر العين: (نرتعِ)؛ فأصلها: نرتعي، ولكن حذفت الياء للجزم
(1)
.
و (نَرْتَعِي) افتعال من الرعي، على وزن: نفتعل، أي: نرعى الماشية
(2)
.
وقيل: معنى (نَرْتَعِي) نتحارس ويحفظ بعضنا بعضاً، فهو افتعال مِن الرعاية بمعنى: الحفظ
(3)
، ويؤيد هذا المعنى ما جاء عن مجاهد في تفسير الآية:(نَرْتَعِ) أي: يحفظ بعضنا بعضاً
(4)
.
قال ابنُ قتيبة: "ومَن قرأ: (نَرْتَعِ) بكسر العين أراد: نتحارس ويرعى بعضُنا بعضا، أي: يحفظ، ومنه يقال: رعاك الله؛ أي: حفظك". اهـ
(5)
وقال ابنُ خالويه: "والحجة لمن كسرها أنه أخذه من الرعي، وأصله إثبات الياء فيه، فحذفها دلالة على الجزم؛ لأنه جواب للطلب في قولهم: {أرْسلهُ مَعنا} ". اهـ
(6)
(1)
ينظر: الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه (ص: 194)، حجة القراءات، لابن زنجلة (ص: 356)، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها، لمكي بن أبي طالب (2: 7)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 28)، إبراز المعاني من حرز الأماني، لأبي شامة (ص: 533)، التفسير المنير، للزحيلي (12: 219).
(2)
ينظر: تفسير الطبري (15: 569)، معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (3: 95)، الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه (ص: 194)، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها، لمكي بن أبي طالب (2: 7)، الملخص في إعراب القرآن، للخطيب التبريزي (ص: 44)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 28)، تفسير الفخر الرازي (18: 426)، إبراز المعاني من حرز الأماني، لأبي شامة (ص: 533)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لابن عجيبة (2: 577).
(3)
ينظر: غريب القرآن، لابن قتيبة (ص: 213)، حجة القراءات، لابن زنجلة (ص: 356)، تفسير الماوردي (3: 12)، التفسير الوسيط، للواحدي (2: 602)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (2: 28)، زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي (2: 417).
(4)
ينظر: تفسير الطبري (15: 572)، تفسير ابن أبي حاتم (7: 2107).
(5)
غريب القرآن (ص: 213).
(6)
الحجة في القراءات السبع (ص: 194).
ثانيًا: حكم القراءة بإثبات الياء لغويًّا:
القراءة بإثبات الياء (نَرْتَعِي) جاءت على لغة مَن يُثبت حرف العلة في الجزم ويُقدر حذف الحركة المقدرة على حرف العلة
(1)
.
وابنُ عطية قد ضعّف هذه القراءة من هذه الجهة، فذلك عنده لا يجوز إلا في الشعر
(2)
.
والصواب أنَّ هذه القراءة صحيحة من الناحية اللغوية، فإثباتُ حرف العلة في آخر المضارع المجزوم، وجزمه بالسكون المقدر على حرف العلة قبل مجيء الجازم لغةٌ لبعض العرب
(3)
، وهي صحيحة وليست من الضرورة في شيء
(4)
.
قال الأزهري
(5)
: "الياء الساكنة تُترك على حالها في موضع الجزم في بعض اللُّغات".
…
اهـ
(6)
وقال ابنُ خالويه: "مِن العرب مَن يُجري الفعل المعتل مجرى الصحيح فيقول: لم يأتي زيد". اهـ
(7)
(1)
ينظر: تفسير أبي حيان (6: 246)، الإتحاف، للدمياطي (ص: 329).
(2)
ينظر: المحرر الوجيز (3: 224).
(3)
لم ينسبها العلماء لقبيلة معينة، ولكن يظهر أنها لغة لبني عبس وبني حنيفة؛ إذ أن الشواهد الشعرية على هذه اللغة لشعراء من بني عبس وبني حنيفة. ينظر: معاني القرآن، للفراء (1: 161).
(4)
ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري (15: 481)، إبراز المعاني من حرز الأماني، لأبي شامة (ص: 313)، تفسير أبي حيان (6: 246)، الدر المصون (6: 450)، النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (2: 187)، همع الهوامع، للسيوطي (1: 205)، تفسير الآلوسي (6: 386)، النحو الوافي، لعباس حسن (1: 185).
(5)
محمد بن أحمد الأَزْهَرِيّ الهَرَوِيّ، أبو منصور، العلاّمة، اللغوي، الأديب، كان فقيهًا شافعي المذهب ثم غلبت عليه اللغة فاشتهر بها، من تصانيفه:(تهذيب اللغة) و (معاني القراءات)، توفي سنة 370 هـ. ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء، للأنباري (ص: 237)، معجم الأدباء، لياقوت الحموي (5: 2321)، وفيات الأعيان، لابن خلكان (4: 334)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (16: 315).
(6)
تهذيب اللغة (15: 481).
(7)
الحجة في القراءات السبع (ص: 198).
وقيل: إنّ الياء في (نَرْتَعِي) إنمّا هي من الكسرة في (نرتعِ)؛ أُشبعت فنتج عنها ياء
(1)
.
ومثلها القراءة بإثبات الياء في (يتَّقي)
(2)
من قوله - تعالى-: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
قال أبو شامة: "مِن العرب مَن يجري المعتل مجرى الصحيح فلا يحذف منه شيئاً من حروفه للجزم كما لا يحذف شيئاً في الصحيح، ويكتفي بإسكان آخره ومنه قوله:
أَلَمْ يَأتِيكَ والأنباءُ تَنْمِي
…
. . . . . . . . . . . . .
ووجه آخر وهو أن الكسرة أشبعت فتولدت منها ياء". اهـ
(3)
وقال ابنُ الجزري متحدثًا عن إثبات الياء في (نَرْتَعِي) و (يتَّقي): "ووجهُ إثبات الياء في هذين الحرفين مع كونهما مجزومين: إجراء الفعل المعتل مجرى الصحيح، وذلك لغة لبعض العرب". اهـ
(4)
وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية في محله، وقراءة قنبل (نَرْتَعِي) صحيحة لغويًا؛ فإثبات حرف العلة في الجزم لغة لبعض العرب وهو جائز لا كما قال ابن عطية مِن أنّ ذلك لا يجوز إلا في الشعر.
* * *
(1)
ينظر: الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه (ص: 198)، إبراز المعاني من حرز الأماني، لأبي شامة (ص: 313).
(2)
قراءة الجمهور: (يتقِ)، وقرأ ابن مجاهد عن قنبل عن ابن كثير:(يتقي) بإثبات الياء. ينظر: الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه (ص: 198)، التيسير في القراءات السبع، للداني (ص: 131)، الكامل في القراءات العشر، لابن جبارة الهذلي (ص: 439)، تفسير القرطبي (9: 256)، تفسير أبي حيان (6: 320)، النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (2: 187).
(3)
إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 313).
(4)
النشر في القراءات العشر (2: 187).