الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر السمين وجه الخطأ الذي بيّنه أبو حيان، ثم ساقَ قولَ الزمخشري في توجيه قراءة النصب، وجعله ردًا على ابن عطية، حيث قال:"وهذا الذي أورده الزمخشري كلامٌ صحيح ومعنى واضح على كلا تقديري كونِ (لا) لتأسيسِ النفي أو تأكيدِهِ، فكيف يجعل الشيخ كلام الطبري فاسداً على أحد التقديرين وهو كونُها لتأسيس النفي؟ فقد ظهر -والحمد لله- صحة كلام الطبري بكلام أبي القاسم الزمخشري وظهر أن ردَّ ابن عطية عليه مردود". اهـ
(1)
دراسة الاستدراك:
أولاً: اختلف المفسرون والنحاة في توجيه القراءة بنصب الراء في {وَلَا يَأْمُرَكُمْ} على ثلاثة أقوال:
1 -
أن تقدّر (أن) قبل الفعل {يَأْمُرَكُمْ} فيكون منصوباً بها، ويكون المعنى: ولا له أن يأمركم، وتكون (لا) مؤكدة لمعنى النفي السابق، كقول القائل:«ما كان من زيد إتيانٌ ولا قيام» وهو يريد انتفاءَ كلِّ واحدٍ منهما عن زيد
(2)
.
أشار إلى هذا القول أبو علي الفارسي
(3)
.
(1)
الدر المصون (3: 279 - 181).
(2)
ينظر: الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي (3: 58)، تفسير أبي حيان (3: 233).
(3)
الحَسَنُ بنُ أحمد بن عبدِ الغفَّارِ الفَارِسِيُّ، أبو عليّ، إمامُ النحو، من مصنفاته:(التذكرة) في علوم العربية، و (الحجة) في علل القراءات، توفي سنة 377 هـ. ينظر: تاريخ بغداد، للبغدادي (8: 217)، إنباه الرواة، للقفطي (1: 308)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (16: 379)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (1: 207).
2 -
أن يكون منصوباً بالعطف على {أَنْ يُؤْتِيَهُ} ، قاله سيبويه
(1)
، والفراء
(2)
، وغيرهما
(3)
.
قال سيبويه في المعنى على هذا التوجيه: "وما كان لبشرٍ أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة". اهـ
(4)
3 -
أن يكون منصوباً بالعطف على {ثُمَّ يَقُولَ} ، قاله الطبري
(5)
والزمخشري
(6)
وأبو البقاء العكبري
(7)
، وغيرهم
(8)
.
قال الطبري في توجيهه لهذه القراءة: "عطفًا على قوله: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} ". اهـ
(9)
وقال الزمخشري: "وقرئ {وَلَا يَأْمُرَكُمْ} بالنصب عطفاً على {ثُمَّ يَقُولَ} وفيه وجهان، أحدهما: أن تجعل (لا) مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} والمعنى: ما كان لبشر أن يستنبئه اللَّه، وينصبه للدعاء إلى اختصاص اللَّه بالعبادة وترك الأنداد، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم أنْ تَتَّخِذُوا الملائِكةَ وَالنَّبِيِّينَ أرباباً، كما تقول: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بى.
(1)
ينظر: الكتاب، لسيبويه (3: 52).
(2)
ينظر: معاني القرآن، للفراء (1: 224).
(3)
ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (2: 675)، تفسير القرطبي (4: 123).
(4)
الكتاب (3: 52).
(5)
ينظر: تفسير الطبري (6: 547).
(6)
ينظر: تفسير الزمخشري (1: 378).
(7)
ينظر: التبيان في إعراب القرآن (1: 275).
(8)
ينظر: تفسير البغوي (2: 61)، تفسير الرازي (8: 272).
(9)
تفسير الطبري (6: 547).
والثاني: أن تجعل (لا) غير مزيدة، والمعنى: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان ينهى قريشاً عن عبادة الملائكة، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح، فلما قالوا له: أنتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه اللَّه، ثم يأمر الناس بعبادته، وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء". اهـ
(1)
ثانياً: سبب تخطئه ابن عطية لتوجيه الطبري:
قال أبو حيان: "ووجهُ الخطأ أنه إذا كان معطوفاً على {يَقُولَ} كانت (لا) لتأسيس النفي، فلا يمكن إلا أن يُقدَّرَ العاملُ قبل (لا) وهو (أَنْ)؛ فَيَنْسَبِكُ مِنْ (أَنْ) وَالْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ مَصْدَرٌ مُنْتَفٍ فيصيرُ المعنى: ما كان لبشرٍ موصوف بما وصف به انتفاء أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، وإذا لم يكن له الانتفاءُ كان له الثبوت، فصار آمِرًا باتخاذهم أرباباً وهو خطأ، فإذا جعلتَ (لا) لتأكيد النفي السابق كان النفي منسحباً على المصدرين المقدر ثبوتهما، فينتفي قوله: كونوا عِباداً لي، وأمرهُ باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، ويوضح هذا المعنى وضع (غير) موضعَ (لا) فإذا قلت: ما لزيد فقه ولا نحو؛ كانت (لا) لتأكيد النفي وانتفى عنه الوصفان، ولو جعلت (لا) لتأسيس النفي كانت بمعنى غير، فيصير المعنى انتفاء الفقه عنه وثبوتَ النحو له، إذ لو قلت: ما لزيد فقه وغيرُ نحو؛ كانَ في ذلك إثبات النحو له، كأنك قلت: ما له غيرُ نحو، ألا ترى أنك إذا قلت: جئتُ بلا زادٍ؛ كان المعنى: جئت بغير زادٍ، وإذا قلت: ما جئت بغير زادٍ، معناه: أنك جِئت بزاد؛ لأنَّ (لا) هنا لتأسيس النفي، فإطلاق ابن عطية الخطأ وعدمَ التئام المعنى إنما يكون على أحد التقديرين، وهو أن تكون (لا)
(1)
تفسير الزمخشري (1: 378).
لتأسيس النفي لا لتأكيده، وأن يكون من عطف المنفي بلا على المُثبَتِ الداخلِ عليه النَّفيُ، نَحْوَ: ما أريد أن تجهل وأن لا تتعلم، تريد: ما أريد أن لا تتعلم". اهـ
(1)
قال السمين: "الذي أورده الزمخشري كلامٌ صحيح ومعنى واضح على كلا تقديري كونِ (لا) لتأسيسِ النفي أو تأكيدِه، فكيف يجعل الشيخ كلام الطبري فاسداً على أحد التقديرين وهو كونُها لتأسيس النفي؟ فقد ظهر والحمد لله صحة كلام الطبري بكلام أبي القاسم الزمخشري، وظهر أن ردَّ ابن عطيةَ عليه مردود". اهـ
(2)
ثالثاً: القول الراجح:
قول السمين الحلبي هو الأقرب للصواب لسببين:
1 -
زوال العلة التي ضعَّف من أجلها ابنُ عطية قولَ الطبري، وبيّنها أبو حيان.
2 -
أنَّ القول الثالث أورده أئمة من المفسرين والنحاة
(3)
؛ مما يدل على صحته
(4)
.
* * *
(1)
تفسير أبي حيان (3: 234).
(2)
الدر المصون (3: 281).
(3)
أورده مكي في مشكل إعراب القرآن (1: 164)، والبغوي في تفسيره (2: 61)، والأنباري في البيان في إعراب غريب القرآن (1: 185)، والرازي في مفاتيح الغيب (8: 272)، وابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل (1: 157)، وأبو السعود في تفسيره (2: 53)، والشوكاني في فتح القدير (1: 407) وغيرهم.
(4)
ينظر: استدراكات ابن عطية على الطبري، لشايع الأسمري (ص: 426).