الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسة الاستدراك:
يدور هذا الاستدراك حول مسألة: هل القراءتان بالتشديد والتخفيف في قوله: {يَطْهُرْنَ}
…
بمعنى واحد أم لكل قراءة معنى؟
ذهب عدد كبير من المفسرين وبعض أهل اللغة إلى أن القراءة بالتخفيف معناها: انقطاع الدم، والقراءة بالتشديد معناها: الاغتسال بالماء.
وممن قال بذلك: الفراء
(1)
، وابن قتيبة
(2)
(3)
، ومكي بن أبي طالب
(4)
، والزمخشري
(5)
، وابن العربي
(6)
(7)
.
وذهب بعض العلماء من المفسرين والفقهاء وأهل اللغة إلى أن القراءتين بمعنى واحد، منهم: المبرّد
(8)
فيما نُقل عنه
(9)
، وأبو جعفر النحاس
(10)
.
(1)
ينظر: معاني القرآن (1: 143).
(2)
عبد الله بن مُسْلِم بن قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيّ وَقِيْلَ: المَرْوَزِيُّ، أبو محمد، العلاّمة، الكاتب، من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد وسكن الكوفة. ثم ولي قضاء الدِّينَور مدة فنسب إليها، من كتبه:(غريب القرآن) و (غريب الحديث) و (المعارف) و (عيون الأخبار)، توفي ببغداد سنة 276 هـ. ينظر: تاريخ بغداد، للبغدادي (11: 411)، نزهة الألباء، للأنباري (ص: 159)، لسان الميزان (3: 357).
(3)
ينظر: غريب القرآن (ص: 84).
(4)
ينظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها (1: 293).
(5)
ينظر: (1: 265).
(6)
محمد بن عبد الله بن محمد المَعَافِرِيُّ الإِشْبِيْلِيّ المالكي، أبو بكر، المعروف بابن العربيّ، الإمام، العَلاَّمَةُ، الحافظ، القاضي، قال عنه ابن بشكوال:"ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها"ا. هـ، وصنَّف كتباً في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، ومنها:(العواصم من القواصم) و (أحكام القرآن) و (المحصول) في أصول الفقه، توفي سنة 453 هـ. ينظر: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، لابن بشكوال (ص: 558)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (20: 198)، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون (ص: 281)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: 105).
(7)
ينظر: أحكام القرآن (1: 228 - 234).
(8)
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأَزْدِيّ البَصري، أبو العباس، المعروف بالمُبَرِّدُ، إمام النحو، وأحد أئمة الأدب والأخبار، من أشهر تصانيفه:(الكامل في اللغة والأدب) و (المقتضب)، توفي ببغداد سنة 286 هـ. ينظر: تاريخ العلماء النحويين للتنوخي (ص: 53)، تاريخ بغداد، للبغدادي (4: 603)، إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي (3: 241).
(9)
ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري (6: 99).
(10)
ينظر: معاني القرآن (1: 183).
والقول بأن هناك فرقاً بين القراءتين هو الراجح لأسباب، منها:
1 -
أنَّ معظم العلماء يرون ذلك، والذين قالوا بعدم التفريق هدفهم أن يسلم لهم ما يرونه في هذه المسألة
(1)
من الناحية الفقهية
(2)
.
2 -
أنَّه لا يُقَالُ: (اطَّهرت المرأة) بمعنى انقطع دمها، كما لا يُقَالُ (قَطَّعَ) مُشَدَّدًا بمعنى (قَطَعَ) مُخَفَّفًا، وإنّما التشديدُ بمعنى تكثير التخفيف
(3)
.
3 -
أنَّ (التطهّر) لا يُستعمل إلا فيما يكتسبه الإنسان ويتكلّفه وهو الاغتسالُ بالماء، فأمّا انقطاعُ الدمِ فلَيْسَ بِمُكتَسَبٍ
(4)
.
4 -
أنَّ اختلاف المعنيين إذا لم يحصل منه تضادٌ أولى؛ لتكونَ الكلمةُ الثانيةُ مفيدةً شيئاً جديدًا
(5)
.
(1)
ينظر: استدراكات ابن عطية على الطبري، لشايع الأسمري (ص: 204).
(2)
لأن الحنفية جعلوا قراءة التخفيف دليلاً لهم على جواز غشيان المرأة بعد انقطاع دمها لأكثر مدة الحيض وإن لم تغتسل، والجمهور على المنع إلا بعد الاغتسال. ينظر: المبسوط، للسرخسي (2: 16)، أحكام القرآن، لابن العربي (1: 228).
(3)
ينظر: أحكام القرآن، لابن العربي (1: 228)، لسان العرب، لابن منظور (4: 505).
(4)
ينظر: أحكام القرآن، لابن العربي (1: 231).
(5)
ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (2: 367).
قال ابنُ خالويه
(1)
: "الحجة لمن شدَّد أنه طابقَ بين اللفظين لقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، والحجة لمن خفّف أنه أرادَ حتى ينقطع الدَّم؛ لأنَّ ذلك ليس من فعلهن، ثمَّ قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يعني بالماء". اهـ
(2)
فمجموع القراءتين يحكم بأمرين:
أحدهما: أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر وذلك بانقطاع الحيض، على قراءة التخفيف.
الثاني: أنها لا يقربها زوجها حتى ينقطع الدم، وتزيد عليه التطهر بغسل المحل أو الوضوء أو الاغتسال على قراءة التشديد.
فجمعت هاتان القراءتان بين حكمين، ولابد منهما في جواز قربان الحائض
(3)
.
وبناءً على ما ذُكر فاستدراك السمين على ابن عطية في محله؛ إذ جعْلُ القراءتين في {تَطَهَّرْنَ} - بالتشديد والتخفيف- بمعنى واحد فيه نظر.
* * *
(1)
الحسين بن أحمد بن خَالَوَيْه، أبو عبد الله، النحوي، اللغوي، دخل بغداد ولقي فيها أكابر العلماء وأخذ عنهم، ومنهم: ابن مجاهد، من تصانيفه: الحجة في القراءات السبع، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن، توفي بحلب سنة 370 هـ. ينظر: معجم الأدباء، لياقوت الحموي (3: 1030)، إنباه الرواة، للقفطي (1: 359)، غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (1: 237)، بغية الوعاة، للسيوطي (1: 529).
(2)
الحجة في القراءات السبع (ص: 96).
(3)
ينظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها، لمكي بن أبي طالب (1: 293)، القراءات وأثرها في التفسير والأحكام، لمحمد بازمول (ص: 145).