الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنا، وسواء وجب العوض أم لا، فالقول بهذا الاحتمال فيه أخذ الحديث على ظاهره، وفي الحديث إرشاد إليه؛ فإن لفظه أن عليًّا رضي الله عنه قال:"سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر"، هذا لفظ أبي داود عن علي كرم الله وجهه، وسياقه يشهد لتحريم أن يباع المضطر كما أولناه، فإن ضم إليه عدم لزوم العوض كما قال القاضي كان أوفق للظاهر والسياق.
قاعدة
" لا يتوالى ضمان عقدين في شيء واحد
" (1).
وهذه القاعدة ذكرها الأصحاب عند الكلام على بيع المبيع قبل القبض؛ فإنهم عللوا منعه (2) من حيث المعنى بشيئين، هذا أحدهما، ووجهوه بأن المبيع (3) مضمون على البائع للمشتري، وإذا نفد المبيع منه (4) صار مضمونًا عليه للمشتري، الثاني فيكون الشيء الواحد مضمونًا له وعليه في عقدين، قال الإمام:"ولا حاجة إلى هذا مع الخبر" انتهى. أي: الاعتماد في منع بيع ما لم يقبض على الإخبار [لا](5) المعنى، وقال بعد ذلك بيسير:"الغالب على هذا الأصل التعبُّد (6) "، وتبعه
(1)"الأشباه والنظائر" لابن السبكي (1/ 300)، "قواعد الزركشي"(2/ 410).
(2)
في (ن) و (ق): "بيعه".
(3)
وقعت في (ن): "البائع".
(4)
كذا في (ق)، وفي (ن):"فيه".
(5)
سقطت من (ن) و (ق).
(6)
في (ن) و (ق): "بعيد".
الرافعي حيث قال: "والاعتماد على الأخبار"(1)، واعتُرض على هذا [يعني] (2) بأن المعنيَّ بكونه من ضمان البائع (3): أنه لو تلف انفسخ البيع وسقط الثمن، فلم لا يجوز أن يصح البيع، ثم لو تلف عند البائع ينفسخ البيعان ويسقط الثمان، وتبين أنه هلك على [ملك](4) من هلك في يده، ورده ابن الرفعة بأن مراد الأصحاب بتوالي الضمانين: أنه لو هلك لا ينقلب إلى [ملكه](5) قبل التلف.
قلت: وهذا أشار إليه الإمام في "النهاية"، قال ابن الرفعة: وحينئذ يكون قبل ملكه منقلبًا إلى ملكه وملك بائعه في آن واحد، وذلك محال، وقد يجاب بأن انقلابه إلى ملك البائع الأول سبق انقلابه إلى ملك البائع الثاني؛ لأن ملك الثاني مرتب على ملك الأول فلم يلزم اجتماع (6) مالكين في آن واحد، ثم ما ذكره ابن الرفعة (7) من أن منع توالي الضمانين لكونه يؤول إلى اجتماع مالكين في آن واحد لم أر التصريح به لغيره، والذي اقتصر عليه أكثر من وقفت على كلامه من الأصحاب ما ذكرناه من كونه يصير مضمونًا له، وعليه، وعبارة الإمام في "النهاية": "وذكر الفقهاء في ضبط المذهب أن الضمانين لا يتواليان (8) وعَنَوا به: أنا لو قدرنا نفوذ بيع المشتري قبل القبض لكان مضمونًا على البائع الأول للمشتري،
(1) واختاره الشيخ تقي الدين السبكي في "شرح المهذب" في باب الرهن.
(2)
من (ق).
(3)
وقعت في (ن): "البيع".
(4)
من (ن).
(5)
من (ن).
(6)
في (ن): "فلم يجتمع".
(7)
وتبعه عليه تقي الدين السبكي.
(8)
كذا في (س)، وفي (ن) و (ق):"أن التضامن لا يتوالى".
ثم يكون مضمونًا على المشتري الأول للمشتري الثاني" انتهى.
والذي فهمه من توالي الضمانين أنه لا يورد عقد ضمان على عقد ضمان قبل
لزومه واستقراره لما يؤدي إليه من صيرورته مطالبًا [ومطالبًا](1) في شيء واحد.
ومن ثم نشأ التردد في إجارة المبيع قبل القبض، والراجح عند الغزالي: الصحة؛ لأن مورد عقد الإجارة غير مورد عقد البيع، فلا يكون مطالِبًا ومطالبًا في شيء واحد؛ لأنه في البيع مطالب بتسليم الرقبة، وفي الإجارة بالمنفعة فلم يتحدا، فلم يتوالى ضمان عقدين في شيء واحد، والراجح عند المعظم عدم الصحة، لضعف الملك؛ ولأن التسليم فيها مستحق كما في البيع، ومن ثم أيضًا منع ابن سريج فيما نقل الرافعي عنه أن يؤجر المستأجر العين المستأجرة من آجرها محتجًّا، بأن (2) المكري مطالب بالتسليم لمدة (3) الإجارة، فإذا أكرى (4) ما اكترى كان مطالِبًا ومطالبًا في عقد واحد، وذلك لا يحتمل إلا في حق الأب والجد في مال الصغير، والأصح الجواز لا لمنع (5) هذه العلة، [بل](6) للقياس (7) على بيع المبيع من بائعه قبل (8) قبضه، فإنا نقدر أن المستأجر ملك كل المنفعة دفعة على الصحيح.
(1) من (ن).
(2)
كذا في (س)، وفي (ن) و (ق):"صحيحًا، فإن".
(3)
في (ن): "بمدة".
(4)
في (ن): "اكترى".
(5)
في (ن): "لامع".
(6)
سقطت من (ن).
(7)
في (ن): "على القياس".
(8)
كذا في (س)، وفي (ن) و (ق):"بعد".
وصورة المسألة: أن تقع الإجارة بعد أن يسلمه العين المأجورة، أما قبله فقال القاضي أبو الطيب في "التعليقة" [: المذهب منعه من المكري والأجنبي، وصحح النووي الصحة (1)، ثم الذي نقله القاضي أبو الطيب في التعليقة] (2) عن ابن سريج [أنه يجوز إكراؤها من المكري وغيره قبل التسليم، وقد يقال كيف يجوِّز ابن سريج](3) إكراءها من المكري قبل قبضها، وهو ما نقله القاضي عنه ويمنعه بعده، وهو ما نقله عنه الرافعي (4).
إذا عرفت هذا فقد قال ابن الرفعة فى مسألة الإجارة من الآجر: لو علل (5) المنع بتوالي الضمانين لكان أقوى، يعنى من كونه مطالِبًا ومطالَبًا قال: وإنما قلت ذلك بناء على أن المستأجر يمنك كل المنفعة دفعة على الصحيح (6)، فإنه إذا كان كذلك اقتضى أن العين لو تلفت لعادت إلي ملك الآجر [قبل التلف، وإذا استأجرها وتلفت اقتضى أن تعود المنافع إلى ملك آجرها](7)، وحينئذ تصير مملوكة [له، ومملوكة](7) لمؤجره، أو منتقلة وعائدة إليه وهو مُحال (8) انتهى كلامه.
(1) أي صحة إجارته للمؤجر.
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن).
(3)
من (ن).
(4)
عندئذ قال ابن السبكي: "وقد تكلمت على هذا السؤال في كتابي المسمى: منع المشاجرة في بيع العين المستأجرة"، "الأشباه والنظائر"(302).
(5)
كذا في (ق)، وفي (ن):"علق".
(6)
في (ن): "الصحة".
(7)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(8)
وقعت في (ن): "مخالف".
وهو قويم (1) على أصله في تفسير توالي الضمانين بما قرره إلا في دعوى [استحالة](2) كونها منتتلة وعائدة إليه ممنوعة، ثم يقال له: أين (3) الضمان في الإجارة، فكأنه لا يعني بالضمان كونها عقد ضمان بل نحو ما ذكره القاضي أبو الطيب في التعليقة، حيث قال: وقال أبو العباس بن سريج: يجوز أن يكريها من المكري وغيره، لأن قبض الدار المستأجرة لا تنقل الضمان بدليل أنها لو انهدمت في يد المكتري كان الضمان على المكري دونه انتهى.
ومن فروع القاعدة على ما فهمه (4) ابن الرفعة (5):
- المسألة التي نقلها [الرافعي](6) في الباب الثاني من الضمان عن الأستاذ أبي منصور، وهي: ما إذا قال للمضمون له (7): بعت منك هذا العبد بما ضمنته لك عن فلان، قال الرافعي: ففي صحة البيع وجهان حكاهما الأستاذ أبو منصور البغدادي. انتهى كلامه.
وقد استُشكل وجه المنع، قال ابن الرفعة: ولعل مأخذه تناقض الأحكام، فإن مقتضى الصحة دخوله في ملك المشتري الذي هو رب الدين بدلًا عن دينه الذي هو في ذمة الضامن، وعند ذلك نحكم ببراءة الأصيل، وعند الحكم بها يقدر أن ما حصلت به البراءة قد دخل في ملك المضمون عنه قبل دخوله في ملك رب الدين،
(1) في (ق): "قوي".
(2)
ما يين المعقوفتين من (ق).
(3)
في (ق): "أن".
(4)
في (ق): "أفهمه".
(5)
وتبعه تقي الدين السبكي.
(6)
من (ق).
(7)
كذا في (س) وفي (ن) و (ق): "منه".