الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين القاعدة الفقهية وبعض المصطلحات الجارية في هذا العلم
مثل:
[الضابط - الأصل - القاعدة الأصولية]
أولًا: الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:
تردد مصطلحا (القاعدة) و (الضابط) كثيرًا على السنة متقدمي الفقهاء، إلا أنه لم يكن ثمَّ فرق لديهم بين المصطلحين، ولكن يبدو أنه لم يتميز الفرق بينهما تمامًا إلا في العصور المتأخرة، فأصبح لكلِّ مدلوله، وصارت كلمة "الضابط" اصطلاحًا متداولًا شائعًا لدى الفقهاء والباحثين في الفقه الإسلامي، فهم يفرقون الآن بين الكلمتين في المجالات الفقهية (1).
وقد نوه العلامة ابن السبكي إلى الفرق بين القاعدة والضابط، فقال بعدما عرف القاعدة:
"ومنها: ما لا يختص بباب كقولنا: اليقين لا يزول بالشك، ومنها ما يختص كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور"، والغالب فيما اختصّ بباب
(1)"القواعد الفقهية" للندوي (ص: 52)، وانظر:"القواعد الفقهية" للباحسين (ص: 100)، "موسوعة القواعد الفقهية" للبورنو (1/ 34)، "القواعد الفقهية الكبرى" للسدلان (ص: 14)، وقد ذهب العلامة اللغوي المقرئ الفيومي إلى أن القاعدة بمعنى الضابط، فقال في معنى القاعدة:"والقاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته""المصباح المنير"(ص: 303).
وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمَّى ضابطًا" (1).
وقد فرق بعض الباحثين بينهما بأمور منها:
1 -
القاعدة الفقهية تجمع فروعًا من أبواب شتى، وأما الضابط فإنه يجمع فروعًا من باب واحد، مثال ذلك قاعدة:"الأمور بمقاصدها" تعتبر قاعدة لأنها تدخل في جميع أبواب الفقه، فمثلًا نأخذ منها وجوب الصلاة في باب الصلاة، ونأخذ منها في العقود كالبيع ونحوه أن المقاصد معتبرة، ونأخذ منها في الجنايات الفرق بين القتل العمد والخطأ.
بينما الضوابط الفقهية تكون خاصة بباب واحد، مثال ذلك: قاعدة: "النفل لا يقتضي واجبًا"، فهذا ضابط فقهي متعلق بباب نوافل الصلاة. وقاعدة:"كل عقد تقاعد عنه مقصوده، بطل من أصله"، فهذا ضابط فقهي يختص بباب واحد، وقولهم:"كل ميتة نجسة إلا السمك والجراد" فإنهَ ضابط فقهي؛ لأنه يتعلق بباب النجاسات فقط.
2 -
أن القاعدة الفقهية محل اتفاق في الغالب بين المذاهب، أما الضابط فيختص بمذهب معين، بل هناك بعض الضوابط تكون من وجهة نظر العلماء في مذهب معين يخالفه علماء آخرون من نفس المذهب.
3 -
أن القاعدة الفقهية فيها إشارة لمأخذ الحكم ودليله، فقولنا مثلًا:"الأمور بمقاصدها" فيه إشارة لمأخذ الحكم، وهو الدليل الوارد في ذلك، وهو حديث:"إنما الأعمال بالنيات"، بينما الضابط الفقهي لا يشير إلى مأخذ المسألة ودليلها، بل هو أمر كلي يضبط جزئيات شتى في باب معين دون إشارة إلى مأخذه النصيِّ.
(1)"الأشباه والنظائر"(1/ 11).
من خلال هذه الفروق يتضح الفرق بين القاعدة والضابط، فالقاعدة تجمع جزئيات كثيرة من أبواب شتى، أما الضابط فهو يجمعها من باب واحد، فالقاعدة أعم وأوسع، والضابط أخصُّ وأضيق.
أما بخصوص بعض المتأخرين فقد يطلقون القاعدة ويريدون بها الضابط، وهو اصطلاح شائع متداول عند كثير من الفقهاء.
فهذا الإمام ابن رجب الحنبلي لم يكن يفرق بينهما في كتابه "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" فنراه يطلق لفظ "القاعدة" على ما يصدق عليه "الضابط" فيقول مثلًا: "القاعدة الأولى: الماء الجاري هل هو كالراكد، أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد"(1).
ويقول: "القاعدة الخامسة والخمسون: من ثبت له حق التملك بفسخ أو عقد، هل يكون تصرفه تملكًا أم لا؟ وهل ينفذ تصرفه أم لا؟ "(2).
ويقول: "القاعدة الثالثة والعشرون بعد المائة: ويُخص العموم بالشرع أيضًا على الصحيح"(3).
والإمام تاج الدين السبكي -كما سبق- قسم القواعد في "الأشباه والنظائر" إلى قواعد عامة، وقواعد خاصة، وكان مقصده من هذه الأخيرة:"الضوابط" فيقول مثلًا: "قاعدة: كل ميتة نجسة إلا السمك والجراد"(4) وهو ضابط لا قاعدة كما ذكرنا.
(1)"قواعد ابن رجب"(1/ 5).
(2)
"قواعد ابن رجب"(1/ 425).
(3)
السابق (2/ 571).
(4)
"الأشباه والنظائر" لابن السبكي (1/ 200).
والإمام السيوطي -كما سبق أيضًا- جعل بابًا للقواعد المختلف فيها ولا يطلق الترجيح لظهور دليل أحد القولين في بعضها ومقابله في بعض، ومقصده من هذه القواعد: الضوابط التي تضبط جزئيات الباب الواحد، فيقول مثلًا:"القاعدة الخامسة: العبرة بصيغ العقود أو معانيها"(1).
و"القاعدة السادسة عشر: "إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم؟ " (2).
أضف إلى ذلك العدد الكبير من الضوابط التي ذكرها السيوطي في الكتاب الخامس من كتابه "الأشباه والنظائر" والذي سماه (نظائر الأبواب).
أما ابن نجيم فواضح أنه كان يفرق بين القاعدة والضابط في كتابه "الأشباه والنظائر".
فمثلًا في قاعدة: "ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله" ذكر في أثناء حديثه عن فروعها: "ضابط: لا يزيد البعض عن الكل إلا في مسألة واحدة"(3).
وفي قاعدة: "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة" قال في أثنائها: "ضابط: الولى قد يكون وليًّا في المال والنكاح وهو الأب والجد، وقد يكون وليًّا في النِّكَاح فقط وهو سائر العصبات والأم وذوو الأرحام"(4).
فالضابط عنده أخص من القاعدة، وغالبًا كان يذكر هذه الضوابط في صورة فرائد في الفن الثاني من كتابه:"الفوائد"؛ لذا قال في مقدمة هذا الباب: "وضممت إليها بعفضوابط لم تكن في الأول تكثيرًا للفوائد، وفي الحقيقة هي
(1)"الأشباه والنظائر" للسيوطي (1/ 360).
(2)
السابق (1/ 383).
(3)
"الأشباه والنظائر" لابن نجيم (1/ 159).
(4)
السابق (1/ 157).
الضوابط والاستثناءات، والفرق بين الضابط، والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد هذا هو الأصال" (1).
إذًا فالذي ارتضاه الباحثون أن هناك فروقًا بين القاعدة والضابط ينبغي أخذها في الاعتبار.
* * *
(1)"الأشباه والنظائر" لابن نجيم (1/ 162).