الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحى
الإيمان بالوحى الإلهى ضرورة حتمية للإيمان بالقرآن وبالرسالة؛ لأن الوحى هو وسيلة إنزال القرآن على قلب النبى صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك فى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (1) ومن ثم كانت قضية الوحى بأبعادها المختلفة لها عظيم الأهمية فى مجال البحث القرآنى مما يستلزم إلقاء الضوء عليها وإزالة اللبس المكتنف لها.
ويعرّف الوحى لغة: بأنه الإعلام فى خفاء، وأصله كما قال الراغب: الإشارة السريعة. ومجمع القول فى معناه اللغوى: أنه الإعلام الخفى السريع الخاص بمن يوجّه إليه بحيث يخفى على غيره (2). ويتفرع عن هذا المدلول اللغوى عدة معان للوحى كالإشارة والكتاب والرسالة والأمر والتفهيم (3).
أما الوحى بمعناه الشرعى: فهو إعلام الله تعالى لنبىّ من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه بطريقة خفية غير معتادة للبشر (4).
وللوحى إطلاقات عديدة ورد بها فى القرآن الكريم مفرعة عن المدلول اللغوى الأصلى لمادة «الوحى» و «الإيحاء» :
فمن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى الإلهام الفطرى للإنسان كما فى قوله تعالى:
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ (5) وقوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي (6).
ومن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى الإلهام الغريزى للحيوان؛ كما فى قوله تعالى:
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (7).
ومن ذلك: إطلاق الوحى مرادا به الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء كما فى قوله تعالى فى حق نبى الله زكريا- عليه السلام: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (8).
ومن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى وسوسة الشيطان وتزيينه الشر للإنسان؛ كما فى قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ
(1) سورة الشورى: الآية 7.
(2)
محمد رشيد رضا: الوحى المحمدى ص 7 ط الزهراء للإعلام العربى 1408 هـ- 1988 م.
(3)
د/ جودة محمد أبو اليزيد المهدى: فتح الجليل فى علوم التنزيل: ص 191 - 192، ط/ دار الفاتح للتراث الإسلامى.
(4)
محمد رشيد رضا: الوحى المحمدى ص 8 ط/ الزهراء 1408 هـ، وعبد العظيم الزرقانى: مناهل العرفان 1/ 56 ط/ الحلبى.
(5)
سورة القصص: الآية 7.
(6)
سورة المائدة: الآية 111.
(7)
سورة النحل: الآية 68.
(8)
سورة مريم: الآية 11.
لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (9).
وبنفس المعنى يأتى التعبير بالوحى لدلالة وسوسة شياطين الجن إلى شياطين الإنس أو بعض الجن إلى بعض، أو بعض الإنس إلى بعض، كما فى قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (10)(11).
وكذلك ورد الوحى- فى التنزيل- بمعنى الإلهام أو الرؤيا المنامية، كما فى قوله تعالى:
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (12)(13).
كما جاء إطلاق الوحى- فى التنزيل.
بمعنى الأمر والتعليم، كما فى قوله تعالى:
فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا (14)(15).
وجاء إطلاق الوحى مرادا به إلقاء الله إلى الملائكة من أمره، وإجراء له مجرى القول، وذلك فى قوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (16)(17).
ثم لقد جاء إطلاق الوحى بمعناه الشرعى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإلى غيره من الأنبياء فى آيات عديدة كما فى قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (18).
كما جاء إطلاق الوحى إلى جميع الرسل السابقين فى قوله عز شأنه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (19).
****** ونتوقف عند وحى الله تعالى إلى الملائكة لنتعرف حقيقته:
فقد جاء وحى الله إلى الملائكة فى قوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (20).
كما صرح القرآن العزيز بأنه تعالى يوحى إلى ملك الوحى ما يوحيه الملك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك فى قوله سبحانه: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (21) أى: أوحى الله تعالى إلى عبده جبريل- عليه السلام ما أوحاه جبريل إلى نبيّه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (22).
* ولأن وحى الله تعالى إلى ملائكته من الأمور الغيبية التى لا نعلم كيفيتها إلا
(9) سورة الأنعام: الآية 121.
(10)
سورة الأنعام: الآية 112.
(11)
انظر تفسير البيضاوى (أنوار التنزيل) 1/ 274 ط/ الحلبى 1358 هـ 1939 م.
(12)
سورة طه- عليه الصلاة والسلام الآية 38، وبعض الآية 39.
(13)
انظر (أنوار التنزيل) للبيضاوى 2/ 39 ط/ الحلبى 1358 هـ 1939 م.
(14)
سورة المؤمنون: الآية 27.
(15)
انظر (أنوار التنزيل) للبيضاوى 2/ 83 ط/ الحلبى 1358 هـ.
(16)
سورة الأنفال صدر الآية الكريمة 12.
(17)
انظر (أنوار التنزيل) للبيضاوى 1/ 323 ط/ الحلبى 1358 هـ.
(18)
سورة النساء: الآية 163.
(19)
سورة الأنبياء: الآية 25.
(20)
سورة الأنفال: صدر الآية الكريمة 12.
(21)
سورة النجم: الآية 10، وانظر (أنوار التنزيل) للبيضاوى 1/ 340.
(22)
انظر (أنوار التنزيل) للبيضاوى 1/ 340 ط/ الحلبى، والوحى المحمدى لمحمد رشيد رضا ص 7 ط/ الزهراء.