الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما اختياره لحرف زيد فلأنه اجتمع عليه المهاجرون والأنصار فكان مشهورا مستفيضا وأشار إلى أنه سمّى بحرف زيد؛ لأنه هو الذى رسمه فى المصاحف وتولى إقراءه دون غيره. ونقل الأبىّ فى شرح مسلم عن القاضى عياض مثل ما نقلنا عن أبى شامة فى اشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة، ثم نقل الأبىّ عن ابن عرفة المالكى أن الأحرف باقية ومحفوظة مع مرور المئين من السنين.
الوجه الرضى فى الأحرف وكيف اكتملت به العدة سبعة:
الوجه الرضى عندى: أن المقصود بالحرف الوجه من وجوه القراءات، وهو الرأى الثانى الذى ذكره أبو عمرو الدانى. وقد أخفق بعض العلماء فى عدّ هذه الوجوه السبعة كأبى عمرو الدانى. ونجح بعضهم كابن الجزرى فقال: «وذلك أنى تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك: إما فى الحركات بلا تغير فى الصورة والمعنى نحو (البخل)(33) بأربعة (وبحسب) بوجهين (34) أو بتغير فى المعنى فقط نحو فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ، (35) وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (36) وأمه. وإما فى الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو:(تبلو وتتلوا). (37) ونُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ و (ننحيك ببدنك)، (38) أو عكس ذلك نحو (بصطة وبسطة)، و (الصراط والسراط)، أو بتغيرهما نحو:(أشد منكم ومنهم)، (39) و (يأتل ويتأل)، (40) فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، و (فامضوا (41) إلى ذكر الله)، وإما فى التقديم والتأخير نحو: فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ (42)(وجاءت سكرة الحق بالموت)(43) أو فى الزيادة والنقصان نحو:
(وأوصى ووصى، والذكر والأنثى). (44) فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها. وأما نحو اختلاف الإظهار، والإدغام، والروم، والإشمام، والتفخيم، والترقيق، والمد، والقصر، والإمالة، والفتح، والتخفيف، والتسهيل، والإبدال، والنقل، مما يعبر عنه بالأصول، فهذا ليس من الاختلاف الذى يتنوع فيه اللفظ والمعنى؛ لأن هذه الصفات المتنوعة فى أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا، ولئن فرض فيكون من الأول. ثم رأيت الإمام الكبير أبا الفضل الرازى حاول ما ذكرته فقال: إن الكلام لا يخرج اختلافه عن سبعة أوجه:
الأول: اختلاف الأسماء من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والمبالغة وغيرها.
(33) هى ضم فسكون وضمتان، وفتح فسكون وفتحتان، والمتواتر من ذلك أول الأربعة وآخرها.
(34)
كسر السين وفتحها، والقراءتان متواترتان.
(35)
برفع آدم ونصب كلمات وبالعكس، والقراءتان متواترتان.
(36)
بضم الهمزة وتشديد الميم وبعدها تاء تأنيث بمعنى حين، وهى المتواترة، وأمه بفتحات آخره هاء وصلا ووقفا بمعنى النسيان وهو شاذ لا يقرأ به.
(37)
أى من قوله تعالى فى سورة يونس: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ والقراءة باللفظين متواترة.
(38)
ننجيك بالجيم وهى المتواترة وننحيك بالحاء وهى شاذة.
(39)
فى موضعين من سورة غافر آية 21، آية 82 والقراءتان متواترتان.
(40)
الأولى بصورة الافتعال من الألو بمعنى التقصير، والثانية بصورة التفعل من الآلية بمعنى الحلف، فيختلف المعنى كما اختلفت الصورة. هذا مراده، ولا يتعين لإمكان أن تكون الصورتان معا بمعنى الحلف فيكونا من تغير الصورة دون المعنى والقراءتان متواترتان.
(41)
الأولى هى المتواترة، والثانية بالغة الشذوذ، وقد مشى ابن الجزرى هنا على أن السعى يفيد معنى الإسراع، والمضى يفيد السير العادى، ومن ثم اختلف المعنيان على هذا.
(42)
بتقديم المبنى للمعلوم على المبنى للمجهول وعكسه، والقراءتان متواترتان.
(43)
بالغة الشذوذ، والمتواتر ما فى المصحف.
(44)
أى مع وما خلق الذكر والأنثى، والنقصان بالغ الشذوذ.
الثانى: اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه من نحو الماضى والمضارع والأمر والإسناد إلى المذكر والمؤنث والمتكلم والمخاطب والفاعل والمفعول به.
الثالث: وجوه الإعراب.
الرابع: الزيادة والنقص.
الخامس: التقديم والتأخير.
السادس: القلب والإبدال فى كلمة بأخرى وفى حرف جر بآخر.
السابع: اختلاف اللغات من فتح وإمالة وترقيق وتفخيم وتحقيق وتسهيل وإدغام وإظهار ونحو ذلك.
ثم وقفت على كلام ابن قتيبة- وقد حاول ما حاولنا بنحو آخر- فقال: وقد تدبرت وجوه الاختلاف فى القراءات فوجدتها سبعة:
الأول: فى الإعراب بما لا يزيل صورتها فى الخط ولا يغير معناها نحو: (هن أطهر لكم- وأطهر)(45). (وهل يجازى إلا الكفور- ونجازى (46) إلا الكفور)، و (البخل والبخل)، (وميسرة وميسرة). (47)
والثانى: الاختلاف فى إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغير معناها ولا يزيلها عن صورتها نحو: (ربّنا باعد، وربّنا باعد، (48) وإذ تلقونه، وإذ تلقونه، (49) وبعد أمّة، وبعد أمه).
الثالث: الاختلاف فى حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولا يزيل صورتها نحو: (وانظر إلى العظام كيف ننشزها وننشرها)(50)، (وإذ فزع عن قلوبهم، وفزّع). (51)
الرابع: أن يكون الاختلاف فى الكلمة يغير صورتها ومعناها نحو: (طلع منضود) فى موضع وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ فى آخر.
الخامس: أن يكون الاختلاف فى الكلمة بما يغير صورتها فى الكتاب ولا يغير معناها نحو: (إلا زقية واحد- وصيحة (52) واحدة، وكالعهن المنقوش- وكالصوف). (53)
السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير نحو: (وجاءت سكرة الحق بالموت- سكرة الموت بالحق-).
السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو (وما عملت أيديهم- وعملته-)(54)، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (55)(وهذا أخى له تسع وتسعون نعجة أنثى). (56)
ثم قال ابن قتيبة: وكل هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهو حسن كما قلنا وهناك أمثلة أخرى لاختلاف القراءات أكثر وضوحا مثل:
(بضنين) بالضاد (وبظنين) بالظاء (57) (وأشد
(45) هود آية 78. قرأ لفظ (أطهر) بالرفع على الخبرية، وهى القراءة المتواترة، وبالنصب على الحالية وهى ضعيفة بالغة الشذوذ.
(46)
أى بالغيبة والبناء للمجهول وبنون العظمة، والقراءتان متواترتان.
(47)
فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ البقرة 280. قرأت مَيْسَرَةٍ بفتح السين وضمها، والقراءتان متواترتان.
(48)
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا- سبأ- بنصب ربنا على النداء وسكون دال باعد على الطلب، وبرفع ربنا على الابتداء وفتح دال باعد على المضى، والقراءتان متواترتان.
(49)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ النور آية 15 قرئ (تلقونه) بحذف إحدى التاءين من التلقى أى (تتلقونه)، وهى القراءة المتواترة، وقرئ شذوذا (تلقونه) بضم تاء المضارعة وتسكين اللام أى يلقيه بعضكم إلى بعض من الإلقاء، (وتلقونه) بفتح وكسر اللام وتخفيف القاف مع ضمها من (الولق)، هو الكذب، وهما شاذتان.
(50)
وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها البقرة 259 قرئ (ننشزها) بالزاى أى نرفعها ونضم بعضها إلى بعض، و (ننشرها) بالراء أى نبعثها ونحييها، والقراءتان متواترتان.
(51)
فى سبأ قرئ (فزع) بالبناء للمعلوم وللمجهول. وهما متواترتان، وقرئ (فرغ) بالراء والغين وهى شاذة.
(52)
يس وص والمتواتر (صيحة وزقية) وإن كانت بمعناها هى بالغة الشذوذ مخالفة لرسم المصحف.
(53)
القارعة والمتواتر ما فى المصحف.
(54)
وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ب يس قرئ بحذف الهاء وإثباتها، وهما متواترتان.
(55)
ومن يقول فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الحديد 24 قرئ بحذف هو وإثباتها والقراءتان متواترتان.
(56)
كلمة (أنثى) زائدة على الرسم وهى فى غاية الشذوذ والمتواتر حذفها.
(57)
وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ- التكوير قرئ بالضاد من الضن بمعنى البخل والكتمان، وبالظاء من الظنة وهى التهمة، وهما متواترتان.
منكم، وأشد منهم) على أنه قد فاته كما فات غيره أكثر أصول القراءات. كالإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، وبعض أحكام الهمز، كذلك الروم، والإشمام، على اختلاف أنواعه، وكل ذلك من اختلاف القراءات، وتغاير الألفاظ مما اختلف فيه أئمة القراء، وقد كانوا يترافعون بدون ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويرد بعضهم على بعض، كما سيأتى تحقيقه وبيانه فى باب الهمز والنقل والإمالة، ولكن يمكن أن يكون هذا من القسم الأول فيشمل الأوجه السبعة على ما قررناه (58) أهـ.
وما نقله ابن الجزرى- رحمه الله عن ابن قتيبة هو بعينه ما حكاه القاضى الباقلانى عن بعض أهل العلم، لكن مع نوع تغير فى العبارات وتصرف فى زيادة بعض الأمثلة، وليس قولا مستقلا فى المسألة كما توهم شيخ أشياخنا الزرقانى، ولينظر قارئنا الكريم بشيء من الإمعان إلى هذا النص من تفسير القرطبى قال- رحمه الله: (القول الرابع: ما حكاه صاحب «الدلائل» عن بعض العلماء، وحكى نحوه القاضى ابن الطيب قال:
تدبرت وجوه الاختلاف فى القراءة فوجدتها سبعا:
منها: ما تتغير حركته، ولا يزول معناه ولا صورته مثل: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ وأطهر، وَيَضِيقُ صَدْرِي ويضيق.
ومنها: ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب، مثل: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وباعد.
ومنها: ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف، مثل قوله: نُنْشِزُها وننشرها.
ومنها: ما تتغير صورته ويبقى معناه:
كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وكالصوف المنفوش.
ومنها: ما تتغير صورته ومعناه؛ مثل:
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وطلع منضود.
ومنها: بالتقديم والتأخير كقوله:
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ، وجاءت سكرة الحق بالموت.
ومنها: بالزيادة والنقصان، مثل قوله:
«تسع وتسعون نعجة أنثى» ، وقوله:«وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين» ، وقوله:
«فإن الله من بعد إكراههم لهن غفور رحيم» (59) أه.
فهذا حصر ثلاثة من أكابر العلماء للأحرف السبعة أو الوجوه السبعة بين القراءات، وإن كان بينهم ثمة خلاف فقد رأى العلماء الخضرى والدمياطى وبخيت المطيعى أن الخلاف بينهم لفظى؛ لأن غاية الاختلاف بينهم اختلاف التعبير عن بعض الوجوه، وزيادة أبى الفضل الرازى اختلاف اللهجات،
(58) النشر فى القراءات العشر، لابن الجزرى (ج 1 ص 26 - ص 28).
(59)
مقدمة تفسير القرطبى (ج 1 ص 45 وما بعدها).