الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقوال للصحابة والتابعين- يتناقل شفهيا، حتى دخل عصر التدوين، ثم دخل التفسير فى أطوار أخرى من عصر إلى عصر، تتلون ألوانه بتلون اتجاهات أصحابها، حتى وصل إلى عصرنا هذا، وقد أخذ من كل لون، ولا غرو فى ذلك، فهو ماسة ربانية، ينظر كل منهم إلى زاوية من زواياها، فتستهويه، ولا يكاد يصرف نظره عنها، وهو البحر الذى لا ساحل له ولا قرار، وبقدر ما عند الصياد من استعداد وأدوات، بقدر ما يصطاد منه، ليأكل ويبيع ويقتات.
4 - تدوين التفسير:
التدوين فى بداية الأمر كان خاصا بالقرآن الكريم، دون الحديث النبوى، حتى لا يلتبس شىء من القرآن بغيره، قال صلى الله عليه وسلم:«لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه» (14).
فلما أمن اللبس أباح النبى صلى الله عليه وسلم كتابة الحديث أيضا، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، لما طلب أبو شاة أن يكتب له خطبته:
«اكتبوا لأبى شاة» . (15)
وإذا أردنا أن نقف على بداية تدوين التفسير، وتطور هذا التدوين، فإننا نقرر ما يلى:
أولا: إن تدوين التفسير كعلم مستقل عن الحديث، وليس كباب من أبوابه بدأ فى مرحلة مبكرة، على أيدى التابعين، الذين جمعوا قدرا كبيرا منه على أيدى الصحابة، ومما يدل على ذلك: ما جاء عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبى العالية، والحسن البصرى.
فأما سعيد بن جبير فقد ذكر الحافظ ابن حجر فى ترجمته لعطاء بن دينار الهذلى، أن عبد الملك بن مروان سأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن، فكتب سعيد بهذا التفسير، فوجده عطاء فى الديوان، فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير. (16)
وأما مجاهد فقد روى عنه الذهبى أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله، فيم نزلت؟
وكيف نزلت؟ (17). وروى ابن جرير الطبرى عن أبى مليكة قال: «رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله» . (18)
وأما أبو العالية- وهو رفيع بن مهران، أحد تلامذة ابن عباس وأبى بن كعب- فقد
(14) مسلم، كتاب الزهد، باب التثبيت فى الحديث، وحكم كتابة العلم، طبعة/ دار إحياء الكتب العربية.
(15)
البخارى، كتاب اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة.
(16)
انظر تهذيب التهذيب: 5/ 566 ط/ دار الفكر.
(17)
تذكرة الحفاظ: 1/ 92 طبعة/ حيدرآباد بالهند.
(18)
تفسير ابن جرير الطبرى: 1/ 90 ط/ دار المعارف.
كتب نسخة فى التفسير عن أبىّ، بإسناد قال عنه السيوطى فى «الإتقان»:«وهذا إسناد صحيح» . وقد أخرج من هذه النسخة جماعة من العلماء، كالإمام أحمد فى مسنده، والحاكم فى مستدركه، وغيرهما. (19)
أما الحسن البصرى، فقد جاء فى «وفيات الأعيان»: أن شيخا من شيوخ المعتزلة، وهو عمرو بن عبيد كتب تفسيرا للقرآن عنه. (20)
ثانيا: وبناء على ما سبق، فإن ما فعله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، حينما أمر واليه على المدينة، أبا بكر بن حزم (21)(سنة مائة)، بجمع الحديث، فكلّف أبو بكر ابن شهاب الزهرىّ بذلك، لا يعتبر الحلقة الأولى لتدوين التفسير، حتى وإن كان بابا من أبواب الحديث، فالتدوين للتفسير- وكعلم مستقل أيضا- كان سابقا لخلافة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله.
ثالثا: ثم تأتى مرحلة ابن جريج، فقد كتب فى التفسير ثلاثة أجزاء كبار، عن ابن عباس رضى الله عنهما. (22)
رابعا: ثم خطا التفسير بعد ذلك خطوة أقرب إلى الشمولية لمعظم آيات القرآن الكريم، حيث كتب الفراء (المتوفى سنة 207 هـ) كتابا فى معانى القرآن، متتبعا آيات القرآن، حسب كتابتها فى المصحف الشريف، كما ظهر تفسير ليحيى بن سلام المتوفى سنة 200 هـ، اهتم فيه بإيراد الأخبار وتعقبها بالنقد والاختيار، كما اهتم فيه بالنواحى الإعرابية والقراءات وتوجيهها. (23)
خامسا: وما زال التفسير ينمو ويزدهر، حتى وصل إلى مرحلة الاستقصاء لكل آية من آياته، وظهر ذلك على أيدى مجموعة من العلماء، وكان من أشهرهم محمد بن جرير الطبرى المتوفى سنة 310 هـ، وتفسيره يعتبر أقدم تفسير وصل إلينا، وابن أبى حاتم المتوفى سنة 327 هـ، وابن مردويه المتوفى سنة 410 هـ، وغيرهم من الأئمة الفضلاء.
ولكن الملاحظ على هذه التفاسير التى دونت حتى هذه الفترة أنها كانت لا تهتم إلا بالمأثور فقط، ما عدا تفسير ابن جرير، فإنه كان يزيد على المأثور توجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، وذكر الإعراب والقراءات، واستنباط الأحكام وغير ذلك، فلذلك كان عظيم الفائدة.
سادسا: ثم بعد ذلك اتسعت دائرة التفسير الكامل للقرآن كله، وكثرت فيه
(19) انظر الإتقان: 2/ 189.
(20)
وفيات الأعيان: 3/ 462 ط/ دار صادر.
(21)
انظر صحيح البخارى، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم.
(22)
انظر الإتقان: 2/ 188.
(23)
نص على هذا الشيخ محمد الفاضل بن عاشور فى كتابه: «التفسير ورجاله» 29، ط/ مجمع البحوث الإسلامية.