الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موجات البحر السطحية التى تعمل بسبب ميلها كأنها مرايا عاكسة، ويتم امتصاص الجزء الباقى من الأشعة الضوئية بواسطة طبقات مياه البحر الداخلية على أبعاد معينة تحت السطح، حيث يبدأ امتصاص ألوان الطيف المرئى تباعا حسب أطوالها الموجية، فتمتص الأشعة الحمراء ذات الموجات الطويلة قريبا من سطح البحر لعدم قدرتها على اختراق الماء إلى أعماق كبيرة، وفى أغلب الأحيان يتم امتصاص الأشعة الحمراء فى العشرين مترا الأولى تحت سطح البحر، ويحدث عندئذ ما يمكن أن نسميه «إظلام اللون الأحمر» ، ونعنى به انعدام رؤية الأجسام الحمراء. فلو كان هناك غواص يسبح على عمق حوالى 20 مترا فإنه لا يرى الدم الذى ينزف من جرح فى يده مثلا.
ويتوالى بعد ذلك امتصاص باقى ألوان الطيف المرئى: البرتقالى، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلى، البنفسجى، وتتكون ظلمات الألوان بعضها فوق بعض، ويتلاشى أثر الضوء بعد ذلك، بحيث يخيم الظلام الدامس فى المناطق اللجية (أى العميقة) من البحر أو المحيط، ولا يستطيب العيش هناك إلا لكائنات حية عمياء لا حاجة لها إلى عيون
الإبصار، مثل حيوان الإسفنج وبعض أنواع الأسماك.
ولقد أمكن التأكد عمليا من هذه الحقائق العلمية عام 1934 م بعد أن تمكن عالمان أمريكيان من تصميم كرة معدنية تتحمل ضغوطا عالية، بها نافذة من البلور السميك محكمة القفل، ليهبط بها إلى قاع البحر على أغوار بعيدة، وليدرسا طبيعة الأحياء الموجودة هناك بالقرب من جزيرة برمودا فى المحيط الأطلسى، حيث لاحظا اختفاء الضوء الأحمر عند عمق نحو 18 مترا، والأصفر على عمق 100 متر، وتلاشى الجزء الأخضر والأزرق من الطيف عند عمق 240 مترا، ثم غاصا فى ظلام دامس بين عمق 520 إلى 580 مترا.
إن هذه الحقائق العلمية القطعية تؤكد أن معجزة القرآن الخالدة تتجدد مع تقدم العلم، فمن الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغادر الجزيرة العربية ولم يسافر قط عبر تلك المحيطات العميقة حيث يذكر مثل هذا الوصف العلمى الدقيق لظلمات بعضها فوق بعض، أو يرى ما تم اكتشافه حديثا من أمواج داخلية عملاقة، من فوقها أمواج سطحية من فوقها سحاب.
5 - فى عالم النبات:
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ
طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (36).
تنبه هذه الآية الكريمة إلى دلائل القدرة الإلهية فى عالم النبات الذى يزخر بالكثير من الآيات الناطقة بعظمة الخالق وجلاله. ذلك أن النباتات جميعها تتغذى وتنمو فى وجود الماء والضوء والكربون والأكسجين والهيدروجين والنيتروجين والفوسفور والكبريت والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والحديد .. ومع أن الغذاء بهذه المواد والعناصر واحد إلا أن الأرض ينبت فيها التفاح الحلو والحنظل المر والقطن الناعم والصبار الشائك والقمح والشعير والبرتقال والليمون والنخيل والعنب والزيتون والرمان ..
تربة أرضية واحدة وعناصر غذائية واحدة وماء واحد وبذور متناهية فى الصغر تنبت آلاف الأنواع من النبات والثمار .. وتتعدد الأشكال والألوان والروائح والطعوم.
وقد ربطت الآية الكريمة بين الماء والإنبات، والماء شرط ضرورى وأساسى لعملية الإنبات، وقد تظل البذرة أو الحبة فى التربة سنوات عدة، لا تنبت ولا تتحرك إلى أن ينزل عليها الماء، فتبدأ عملية الإنبات العجيبة التى قد يجريها طفل عند ما يضع البذور فوق قطعة مبللة بالماء، وهو لا يدرى أنه يهيئ الظروف لعملية إنبات بالغة التعقيد.
إن من ينظر إلى شجرة التوت الضخمة، أو شجرة الكافور العملاقة، أو شجرة الجميز المعمرة، يجد أن بذورها الصغيرة التى لا تتجاوز الواحدة منها حجم رأس الدبوس غنية بالعمليات والمعلومات التى يعجز عن حملها أدق الحاسبات العملاقة، فقد أودع الله فى هذه البذور الدقيقة شروط إنباتها، ومواقيت خروج جذيرها ومراحل انقسامه واتجاه نموه، بالإضافة إلى نوع الغذاء المطلوب تركيبه ومتطلباته ويكمن فيها شكل الأوراق وألوانها وحجم الشجرة وتشريحها الداخلى ووظيفة كل عضو فيها، ومتى تزهر وتثمر .. وغير ذلك من بلايين البلايين من العمليات.
وأعجب ما توصل إليه العلم الحديث فى هذا المجال ملاحظة امتداد الجذر على استقامة الساق عند ما وضعت عدة أصناف من أنواع الحبوب والبذور المختلفة فى سفن الفضاء لدراستها فى منطقة انعدام الوزن، حيث لا أرض تجذب الجذر ولا شمس يتجه نحوها الساق.
وإذا توقفنا قليلا عند بعض ما جاء فى القرآن الكريم عن أشجار النخيل وثمارها- على سبيل المثال- نجد أن العلم قد كشف
(36) سورة الأنعام: 99.
عن الكثير من الفوائد والحقائق التى أشار إليها الخطاب القرآنى بألطف العبارات، ومنها قوله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً (37).
وفى هذه الآيات الكريمة إشارة واضحة إلى أهمية بلح الرطب فى عملية الولادة. ذلك أن احتواء التمر على نسبة عالية من المواد السكرية يعطى طاقة عالية للمرأة الحامل والمرضع، ويعوض ما أصابها من ضعف أثناء الوضع ويعيد لها نشاطها، كما أن التمر يعوض نقص المعادن والفيتامينات، علاوة على ما ثبت طبيا من فائدته فى إدرار لبن المرضع.
ومعظم السكريات التى فى التمر من نوع سكر الفاكهة (فركتوز) وسكر العنب (جلوكوز)، وهى سكريات بسيطة سهلة الهضم والامتصاص والاحتراق لإمداد الجسم بالطاقة إثر تناولها بفترة قصيرة، فإن أخذتها المرأة أثناء المخاض كان ذلك من أحسن الأغذية لها، حيث إن عضلة الرحم من أضخم عضلات الجسم وتقوم بمجهود شاق أثناء الولادة التى تستهلك كمية كبيرة من الطاقة وتتطلب تعويضها بكميات جيدة ونوعية خاصة من السكريات سهلة الهضم سريعة الامتصاص والتمثل، كتلك التى فى الرطب.
كما أن الرطب من المواد الملينة المنظفة للأمعاء، وذلك مما يساعد على الولادة لأن الأمعاء الغليظة والمستقيم الممتلئ بالنفايات، يعيق حركة الرحم وانقباضه. ومن المعروف طبيا أن الملينات النباتية تفيد فى تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للأمعاء الغليظة على وجه الخصوص، ولذا يحرص أطباء النساء والولادة على إعطاء الحامل عند بداية المخاض حقنة شرجية لتنظيف المستقيم والأمعاء الغليظة.
وتحتاج الحامل فى حالة المخاض أيضا إلى السوائل، وذلك لأن شرب الماء يعتبر مذيبا للمواد الغذائية. ويحرص أطباء التوليد على أن يقدموا للحامل وهى بحالة المخاض الماء والسكر بشكل سوائل سكرية، ومن هنا فإن أكل الرطب وشرب الماء لإذابة المواد الموجودة فيه وتسهيل امتصاصها، فضلا عن أن مجهودا شاقا مثل الولادة يتطلب سوائل، كل هذا، خير معين للمرأة أثناء المخاض والوضع، مما يوضح إحدى صور الإعجاز العلمى الرائع فى قوله تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً، خاصة وأن أبحاث العلماء قد
(37) سورة مريم: 23 - 26.