الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ الأنعام/ 33، 34.
فهذه الآيات- كما تقدم- تصرح بأسباب نزول هذه القصص التى تتعلق بالوقائع الماضية، وليست تلك الوقائع فى ذاتها سببا لنزول هذه الآيات، قال السيوطى رحمه الله
كما أنه لا يعد من قبيل سبب النزول ما اشتملت عليه بعض آيات القرآن من الأمور المستقبلة كأحوال اليوم الآخر، وما يكون فيه من ثواب أو عقاب (4) نحو ما جاء فى قول الله سبحانه: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا الفرقان/ 25 - 29.
من أجل هذا كان النص فى التعريف على معاصرة السبب لما نزل فى شأنه من الآيات، والذى عبر عنه بأنه:«ما نزلت الآية أو الآيات فى شأنه أيام وقوعه» قيدا يحترز به عن مثل هذه الآيات التى وردت فيما سبق.
الأمر الثانى: مجىء سبب النزول فى إحدى صورتين:
الصورة الأولى: مجيئه فى صورة حادثة تحدث فينزل القرآن ببيان الحكم، ومن هذا القبيل ما ورد فى سبب نزول قول الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ الآية- الأحزاب/ 53.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «بنى رسول
(3) / 622).
(4)
راجع: (البيان فى مباحث من علوم القرآن)، ص:92.
الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من نسائه- فى رواية البخارى: هى أم المؤمنين زينب بنت جحش رضى الله عنها- فأرسلنى فدعوت قوما إلى الطعام، فلما أكلوا وخرجوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم منطلقا قبل بيت عائشة رضى الله عنها، فرأى رجلين جالسين فانصرف راجعا، وقام الرجلان فخرجا، فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ (5)(الأحزاب/ 53)». وفى الحديث قصة.
الصورة الثانية: مجىء السبب فى صورة سؤال يوجه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مسألة ما، فينزل القرآن بجواب هذا السؤال، ومن هذا القبيل ما ورد فى سبب نزول قول الله تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة/ 222.
فعن أنس رضي الله عنه: «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن فى البيوت- أى ولم يخالطوهن ولم يساكنوهن فى بيت واحد- فسأل أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شىء إلا النكاح» . فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه قد وجد عليهما- أى غضب عليهما- فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل فى آثارهما فسقاهما، فعرفنا أن لم يجد عليهما (6)».
وهذه الصورة وما قبلها هى ما عبر عنها فى التعريف بأن الآيات تنزل: «بيانا لحكمه إذا كان حادثة أو نحوها، أو جوابا عنه إذا كان سؤالا موجها إلى النبى صلى الله عليه وسلم» .
(5) الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه: ك: التفسير، ب: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ حديث/ 4791 والترمذى فى سننه: ك:
التفسير، ب: ومن سورة الأحزاب، حديث/ 3219 واللفظ للترمذى، الذى قال عقب ذكره للحديث: هذا حديث حسن غريب من حديث بيان، وروى ثابت عن أنس هذا الحديث بطوله.
(6)
الحديث أخرجه مسلم فى صحيحه: ك: الحيض، ب: جواز غسل الحائض رأس زوجها، حديث/ 302.